ولا أدّعى لنفسى إحراز الفضل والاستبداد بالخصل فأكون كما قال بعضهم:
ويسىء بالإحسان ظنّا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون
ولا أسلّم نفسى عن خطإ وزلل. ولا أعصم قولى عن وهم وخطل «فالفاضل من تعدّ سقطاته. وتحصى غلطاته» إلا بتوفيق الله وعصمته. والسالم من ذلك كتاب الله المجيد الذى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)
[فصلت: ٤٢] .
ثم إن الباعث على تأليف هذا الكتاب هو أن جماعة من الإخوان شرعوا علىّ فى قراءة كتاب «الكشاف» تفسير الشيخ العالم المحقق أستاذ المفسرين محمود «بن عمر الزمخشرى» فإنه أسّسه على قواعد هذا العلم، فاتضح عند ذلك وجه الإعجاز من التنزيل. وعرف من أجله وجه التفرقة بين المستقيم والمعوجّ من التأويل. وتحققوا أنه لا سبيل إلى الاطلاع على حقائق إعجاز القرآن إلا بإدراكه. والوقوف على أسراره وأغواره. ومن أجل هذا الوجه كان متميزا عن سائر التفاسير، لأنى لم أعلم تفسيرا مؤسسا على علمى المعانى والبيان سواه. فسألنى بعضهم أن أملى فيه كتابا يشتمل على التهذيب والتحقيق، فالتهذيب يرجع إلى اللفظ، والتحقيق يرجع إلى المعانى. إذ كان لا مندوحة لأحدهما عن الثانى.
وأرجو أن يكون كتابى هذا متميزا عن سائر الكتب المصنفة فى هذا العلم بأمرين أحدهما اختصاصه بالترتيب العجيب، والتلفيق الأنيق، الذى يطلع الناظر من أول وهلة على مقاصد العلم، ويفيده الاحتواء على أسراره. وثانيهما اشتماله على التسهيل والتيسير، والإيضاح والتقريب. لأن مباحث هذا العلم فى غاية الدقة، وأسراره فى نهاية الغموض.
فهو أحوج العلوم إلى الإيضاح والبيان، وأولاها بالفحص والإتقان فلما صغته على هذا المصاغ الفائق، وسبكته على هذا القالب الرائق، سميته بكتاب الطّراز. المتضمّن لأسرار البلاغة، وعلوم حقائق الإعجاز؛ ليكون اسمه موافقا لمسمّاه ولفظه مطابقا لمعناه.
ولما كان كل علم لا ينفكّ عن مبادىء ومقدمات تكون فاتحة لأمره.، ومقاصد تكون خلاصة لسرّه، وتكملات تكون نهاية لحاله، لا جرم اخترت فى ترتيب هذا الكتاب أن يكون مرتبا على فنون ثلاثة، ولعلّها تكون وافية بالمطلوب محصّلة للبغية بعون الله.
فالفن الأول منها مرسوم المقدمات السابقة نذكر فيها تفسير علم البيان، ونشير فيها إلى
1 / 7