بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذى أنطق لسان الإنسان، فأفصح بعجيب البلاغة وسحر البيان. وأوضح منار البرهان. فأشرقت أنواره عن حقائق العرفان. وفتق أغشية الأفئدة بما ألهمها من أسرار العلوم وشرفها بمنطق اللسان. فهى تهتز بما أفيض عليها من عوارف الإحسان.
وتميس وتختال لما خولها من فواضل الجود والكرم والامتنان صنوان وغير صنوان. خلق الإنسان من الطين اللازب الصلصال. وأجرى لسانه بالفصاحة وسقاه من نميرها العذب السلسال. فسبحان القيوم المختص بصفات الكبرياء ونعوت الجلال. المنفرد بالألوهية، والباقى وجهه من غير فناء ولا زوال.
والصلاة على من تبوأ من الفصاحة ذروتها، واقتعد من البلاغة مكان صهوتها. حتى ظهرت من جبهته أسرار طلعتها. وتبلجت من بهجته أنوار زهرتها. ووضح نهارها.
وطلعت شموسها وأقمارها. وصفت مشارعها للورّاد، وراقت مشاربها لمن قصد وأراد.
ودل على مصداق هذه المقالة قوله «أنا أفصح من نطق بالضاد» فعند ذاك أفصح أبيّها وأنقاد. وسهل مراسها على الفرسان والنقاد، المصطفى من أطيب العناصر، والحائز لقصب السبق من المعالى وأشرف المفاخر، محمد الأمين على الأنباء الغيبية، ومستودع الأسرار الحكمية والحكمية، وعلى آله الطيبين أطواد العلم الراسخة، ومثاقيل الحكم الراجحة، صلاة تقيم، ولا تريم، إنه منعم كريم.
أما بعد فإن العلوم الأدبية، وإن عظم فى الشرف شأنها، وعلا على أوج الشمس قدرها ومكانها، خلا أن علم البيان هو أمير جنودها، وواسطة عقودها، فلكها المحيط الدائر، وقمرها السامر الزاهر، وهو أبو عذرتها، وإنسان مقلتها، وشعلة مصباحها، وياقوتة وشاحها. ولولاه لم تر لسانا يحوك الوشى من حلل الكلام. وينفث السحر مفتر الأكمام. وكيف لا وهو المطلع على أسرار الإعجاز، والمستولى على حقائق علم المجاز.
فهو من العلوم بمنزلة الإنسان من السواد، والميهمن عليها عند السبر والحك والانتقاد ولما
1 / 5