على أنك أيها الفطن الألمعي، واللقن اللوذعي، إذا وعيت ما أوعبت (2)، وفليت ما أمليت، رأيته قد حوى ما لم تحوه البحور المحيطة، وخيطت شواكله على ما خلت عنه المهارق البسيطة؛ فالجمهرة (3) وإن كانت البحر الخضم، لم تشتمل على ما اشتمل عليه وانضم، والصحاح (4) على صحة روايته، لم يحل ببلاغة معجز آيته، والمحكم (5) على إحكام نصوصه، لم ينطو على عيونه وفصوصه، والعباب (1) على تلاطم أمواجه، لم يحتو على أفراد دره وأزواجه، والتهذيب (2) على خلاصته ونقاوته، لم يفز ببهجته وطلاوته، والمجمل (3) على إجماله وإيجازه، لم يحرز تفصيل حقيقته ومجازه، ولسان العرب (4) على جمعه وإحصائه، لم يحصل على حسن انتحائه وانتصائه، والقاموس (5) على سعة باحته، لم يحظ بعذوبته وملاحته.
ولا أدعي له الإنافة على هذه الكتب المنيفة في الإحسان، والزبر التي هي أساطين اللغة وقوانين اللسان، إلا بحسن الانتقاء والانتقاد، وتمييز النقادة من النقاد، وإيراد ما يروق ويحسن، وتستعذب جنى عذباته الألسن، إلى غير ذلك من النكت والملح، ونخب الموضوع والمصطلح، مع التقصي في البيان والتبيين، والتحري في التخصيص والتعيين ، ورعاية المناسبة في سوق الكلمات، بين معانيها الملتئمات.
صفحہ 9