وأقرأ لكم فصلا عميقا خطيرا،
تدركونه بنافذ البصيرة فتبرمون منه ولا ترضون.
هنري الرابع، الجزء الأول
وقف مركيز منتسرا ورئيس فرسان المعبد معا أمام السرادق الملكي الذي وقع فيه هذا الحادث الفريد، ورأيا حراسا أشداء بنشابهم وقسيهم مشهورة، وهم على هيئة دائرة حول السرادق، يبعدون كل ما قد يزعج الملك النائم؛ وكان هؤلاء الجنود يتطلعون بنظرات خافضة صامتة كئيبة كأنهم يجرون سلاحهم في جنازة، وكانوا إذا خطوا خطوة في حرص شديد، حتى لا تكاد تسمع رنين الدرق أو صليل السيوف، رغم العدد العديد من الرجال المسلحين الذين كانوا يسيرون حول الفسطاط. ولما مر الرجلان ذوا المكانة الرفيعة بصفوفهم نكسوا السلاح إكبارا وإجلالا، ولكنهم لزموا الصمت العميق.
وقال رئيس فرسان المعبد لكنراد بعدما مرا بحرس رتشارد: «لقد غير كلاب الجزيرة
1
هؤلاء من روحهم الطروب. أي ضجيج أجش وأي قصف كان من قبل أمام هذا السرادق! كنت لا ترى إلا المتاريس تدق، والكور تقذف، والمصارعة وزئير الأغاني وطقطقة كئوس النبيذ، واجتراع الأباريق، بين هؤلاء الرعاع الضخام الجسوم، كأنهم على سهر في الريف تتوسطهم السارية بدلا من العلم الملكي.»
فأجاب كنراد وقال: «هذه الكلاب الجسيمة من أمة مخلصة أمينة، وقد أحرز الملك سيدهم محبتهم باستعداده للمصارعة والنزال والمجون بين المتقدمين منهم كلما تملكه الهوى.»
فقال رئيس الفرسان: «ما هذا الملك إلا مجموعة من الأهواء، ألم تلحظ العهد الذي حملنا إياه عوضا عن الصلاة والدعاء وهو يتناول الكأس المباركة هناك؟»
فقال المركيز: «والله لو كان صلاح الدين كأي تركي آخر ممن يلبسون العمائم ويولون وجوههم شطر مكة إذا ما نادى المؤذن بالصلاة، لأحس رتشارد ببركة الكأس، بل ولاستساغ مذاقها كذلك، ولكن صلاح الدين يتظاهر بالإيمان والشرف والكرم، كأنه يجوز لوغد مثله لم يعتنق دين المسيح أن يتحلى بأخلاق الفارس المسيحي الفاضلة! هل نما إليك ما يقال من أنه تقدم إلى رتشارد يطلب الانخراط في سلك الفروسية؟»
نامعلوم صفحہ