فأجاب كنراد قائلا: «أفمن أجل هذا الباعث وحسب أثرت في المعسكر هذا الاضطراب؟ وهل أنت تعزو إلى أمير وحليف جرما ربما ارتكبه آثم دنيء طمعا في الخيط الذهبي؟
1
أم هل أنت الآن تتهم أخا لك على شهادة كلب؟»
وحينئذ عم بين الحشد الذعر وذاع، حتى تدخل فيليب ملك فرنسا في الأمر.
وقال: «أيها الأمراء النبلاء، إنكم تتكلمون على مسمع من رجال سوف يسارعون إلى المقارعة بالسيوف إذا هم أنصتوا إلى زعمائهم وقد توترت بينهم العلائق؛ فبالله ناشدتكم أن تصرفوا جندكم إلى ثكناتهم، ثم نلتقي نحن جميعا بعد ساعة في سرادق المجمع كي نتخذ قرارا في هذه الحال الجديدة المضطربة.»
فقال الملك رتشارد: «إني بهذا راض، وإن كنت أحب أن أسائل هذا الوغد وهو في ثوبه الزاهي يتمرغ في الرمال، ولكن لتكن إرادة فرنسا في ذلك إرادتنا.»
ثم تفرق الزعماء كما أشار فيليب، كل أمير في رأس جنده، وعلا الهتاف بالحرب من كل جانب، ونفخ في الأبواق، وتردد صداها نداء لكل هائم وكل شارد كي ينطوي تحت راية أميره. وسرعان ما اضطرب الجند وسلك كل منهم سبيله نحو ثكناته خلال المعسكر. وهكذا امتنع كل عمل عنيف مباشر، إلا أن الحادث الذي وقع ترك - رغم ذلك - أثره في كل ذهن، وعاد الآن إلى التحامل على كبرياء رتشارد وشدته أولئك القوم الأغراب الذين هتفوا صباحا لرتشارد على أنه أجدر من يقود الجيوش. أما الإنجليز فلما كانوا يرون أن شرف بلادهم يتعلق بالنزاع الذي ذاع أمره بين الناس، فقد كانوا يرمون أهل البلاد الأخرى بالغيرة من صيت إنجلترا واسم مليكها، وبالميل إلى إحاطتهما بأحط ضروب الدسائس؛ وما أكثر الإشاعات التي انتشرت في هذا الظرف وما أشدها اختلافا، وكانت منها واحدة تجزم بأن الملكة وصاحباتها قد أصابهن من الضجيج ذعر شديد، وأن واحدة منهن قد سقطت مغشيا عليها.
وفي الساعة المضروبة التأم الجمع، وكان كنراد قد نزع عن نفسه رداءه الذي انتهكت حرمته، وخلص بخلعه من خزيه وبلبلته اللذين غلبا عليه - رغم ذكائه وسرعة خاطره - نظرا لغرابة الحادث ومفاجأة الاتهام، وكان الآن يرتدي ثياب الإمارة، ودخل غرفة الاجتماع وفي ذيله أرشدوق النمسا، وكبير رجال المعبد ورهبان القديس يوحنا، وكثير غيرهما من ذوي النفوذ الذين تظاهروا بتأييده والدفاع عن قضيته، وكان أشد ما حفزهم إلى هذا باعث سياسي، أو أنهم هم أنفسهم يكنون لرتشارد عداوة شخصية.
هذا المظهر - مظهر الاتحاد في صف كنراد - كان أبعد ما يكون عن أن يؤثر في ملك الإنجليز؛ فلقد دخل إلى المجمع وعليه سيماء الاستخفاف الذي ألف، وهو بزيه الذي نزل به عن ظهر جواده منذ حين، ثم رنا بنظرة فيها عدم المبالاة وشيء من الازدراء، رمى بها الزعماء الذين اصطفوا حول كنراد يؤيدونه في كثير من التكلف والتصنع، وفي صريح العبارة رمى كنراد منتسرا بسرقة الراية الإنجليزية وجرح الكلب الأمين الذي وقف للدفاع عنها.
فنهض كنراد للجواب بشجاعة، وأعلن براءته من الجريمة التي رمي بها متحديا في ذلك - على حد قوله - الإنس والوحش والملوك والكلاب.
نامعلوم صفحہ