فأجاب السير كنث بنغم كالصدى يصدر عن جوف أطلال القبور وقال: «أجل إلى الأبد.»
فقال العربي: «أحسب إن كان ما ينقصك لمحة من السعادة خاطفة بعيدة كتلك التي كانت لك من قبل، فإن الضوء الذي عقدت به الرجاء قد يتقد ثانية، والأمل الذي غاص منك في لجج الأمواج قد يطفو، وتعود أيها الفارس الكريم إلى الاستمتاع بتغذية عواطفك الخيالية بغذاء كضياء القمر شفوفا ورقة؛ فلئن بقيت إلى الغد طيب الأحدوثة - كما كنت أبدا - فسوف ترى معشوقتك في مكانة لا تقل عن مكانة بنات الأمراء؛ سوف تراها عروس صلاح الدين المنتقاة.»
فقال الاسكتلندي: «وددت لو تم ذلك، وإذن فوالله إن لم ...»
ثم سكت عن الكلام كرجل يخشى المفاخرة في ظروف لا تسمح له بأن يثبت بالفعل صدق ما يقول، فابتسم العربي وعقب قائلا: «هل أنت تتحدى السلطان للسجال؟»
فأجاب السير كنث شامخا بأنفه وقال: «ولئن تحديته فما عمامة صلاح الدين بأولى العمائم ولا خير ما طعنت برمحي.»
فقال الأمير: «أجل، ولكني أحسب أن السلطان قد يرى هذه وسيلة غير عادلة، يستهدف فيها للخطر حظه في العروس الملكية ونهاية الحرب الضروس.»
فتألقت عينا الفارس بالخواطر التي أوحى بها إليه هذا الرأي وقال: «قد ألاقيه في طليعة معركة من المعارك.»
فقال «الضريم»: «لقد كان أبدا في الطليعة، وما كان من سجيته أن ينصرف بجواده عن منازل جريء. ولكني ما كنت أريد أن أتحدث عن السلطان. وموجز القول إن كان يرضيك أن تنال من الذكر ما يستحق من يكشف عن اللص الذي سرق راية إنجلترا، فإني أستطيع أن أرشدك إلى خير سبيل تؤدي بك إلى القيام بهذا العمل. أعني إن أردت أن تنساق لي؟ ولقد قال لقمان: «إن أراد الصبي أن يسير فليسترشد بمربيته، وإن أراد الجاهل أن يفهم، على العاقل أن يعلمه.»
فأجابه الاسكتلندي بقوله: «وإنك لعاقل أيها الضريم، عاقل رغم عروبتك، وكريم رغم كفرك، ولقد شهدت فيك الخلتين، إذن فلتكن في هذا الأمر رائدي. وما دمت لا تسألني شيئا يتنافى وإخلاصي أو يناقض مسيحيتي فلأصدعن بأمرك في حينه. افعل كما قلت ثم خذ مني حياتي بعد ذلك.»
فقال العربي: «إذن فاستمع لي، لقد عوفي كلبك الكريم ببركة ذلك الدواء السماوي الذي يشفي الإنسان والحيوان، ولسوف يكشف لك بحكمته عمن هاجموه.»
نامعلوم صفحہ