عن إدراك جل المطالب الدينية الدنيائية، حتى إنه لا يكاد يتعلق منها بمأمول ولا يبلغ منها حظوة، بل لا يزال منها منحطا متسفلا. وفي مثاله يقول الشاعر:
متى تدرك الخيرات أو تستطيعها ... ولو كانت الخيرات منك على شبر
إذا بت سكرانا وأصبحت مثقلا ... خمارا وعاودت الشراب مع الظهر
وبالجملة فإن الشراب من أعظم مواد الهوى وأعظم آفات العقل، وذلك أنه يقوي النفسين - أعني الشهوانية والغضبية - ويشحذ قواهما حتى يطالباه بالمبادرة إلى ما يحبانه مطالبة قوية حثيثة، ويوهن النفس الناطقة ويبلد قواها حتى لا تكاد تستقصي الفكر والروية بل تسرع العزيمة وتطلق الأفعال قبل إحكام الصريمة، ويسهل ويسلس انقيادها للنفس الشهوانية حتى لا تكاد تمانعها ولا تتأبى عليها، وهذه مفارقة النطق والدخول في البهيمية. ومن أجل ذلك ينبغي للعاقل أن يتوقاه ويحله هذا المحل وينزله هذه المنزلة ويحذره حذر من يروم سلب أفضل عقده وأنفسها. فإن نال منه شيئا ما ففي حال كظ الفكر والهم له وغموظهما إياه، وعلى أن لا يكون قصده وغرضه فيه إيثار اللذة واتباعها في مطلوباتها، بل دفع الفضل منهما والسرف فيهما الذي لا يؤمن معه سوء الحال وفساد المزاج. وينبغي أن يتذكر في هذا الموضع وأمثاله ما بيناه في
صفحہ 73