ولا في هذه الحال فما كان الصواب إلا الإمساك قبل التملي لتريح النفس مما أنت فيه الآن من الثقل والتمدد بالتملي، وما لا تأمن أن تصير إليه من سوء الهضم الذي يجلب عليك من الأمراض ما يكون تألمك به أكثر من التذاذك بما تناولته أضعافا كثيرة. فرأيته قد فهم معنى هذا الكلام وبجع فيه وبلغ إليه. ولعمري إن هذا الكلام ونحوه يقنع من لم يكن مرتاضا برياضات الفلسفة أكثر مما تقنع الحجج المبينة على الأصول الفلسفية. وذلك أن المعتقد أن النفس الشهوانية إنما قرنت إلى الناطقة لتنال هذا الجسد الذي هو للنفس الناطقة بمنزلة أداة أو آلة ما يبقى به مدة اكتساب النفس الناطقة المعرفة بهذا العالم، يقمع النفس الشهوانية ويمنعها من الإصابة من الغذاء فوق الكفاف، إذ كان يرى أن الغرض والقصد بالأغتذاء في الخلقة ليس للأتذاذ بل للبقاء الذي لا يمكن أن يكون إلا به. وذلك كما حكي عن بعض الفلاسفة أنه كان يأكل مع بعض الأحداث ممن لا رياضة له، فاستقل ذلك الحدث أكل الفيلسوف ويتعجب منه وقال له في بعض كلامه لو كان زردي من الغذاء مثل زردك لم أبال أن لا أعيش. فقال له الفيلسوف أجل يا بني، أنا آكل لأبقى وأنت تريد أن تبقى لتأكل. وأما من لا يرى أن عليه من التملي والاستكثار من الغذاء بأسا في مذهبه ورأيه فإنما ينبغي أن يدفع عن ذلك بالكلام في الموازنة للذة المصابة من ذلك بالألم المعقب لها كما ذكرنا قبيل. ونقول أيضا: إنه إذا كان انقطاع الطعم المستلذ عن المتطعم مما لا بد
صفحہ 71