الفصل الثالث عشر في الشره
إن الشره والنهم من العوارض الرديئة العائدة من بعد بالألم والمضرة وذلك أنه ليس إنما يجلب على الإنسان استنقاص الناس له واسترذالهم إياه فقط، ولكن يطرحه مع ذلك في سوء الهضم، ومن سوء الهضم إلى ضروب من الأمراض الرديئة جدا. ويتولد عن قوة النفس الشهوانية، وإذا انضم إليها وساعدها عمى النفس الناطقة الذي هو قلة الحياء كان مع ذلك ظاهرا مكشوفا. وهو أيضا ضرب من أتباع الهوى يدعو إليه ويحمل عليه تصور استلذاذ طعم المتطم. ولقد بلغني أن رجلا من أهل الشره أقبل يوما على ضروب من الطعام بنهم وشره شديد، حتى إذا تضلع وتملأ منها لم يمكنه معه تناول شيء بتة، فأخذ يبكي فسؤل عن سبب بكائه، فقال إن ذلك لأنه زعم لا يقدر على أكل شيء مما هو بين يديه. وقد كان رجل بمدينة السلام يأكل معي من رطب كثير كان بين أيدينا، فأمسكت بعد تناولي منه مقدارا معتدلا، وأمعن هو حتى قارب أن يأتي على جميعه. فسألته بعد امتلائه منه وإمساكه عنه وذلك أني رأيته محدقا نحو ما رفع من بين أيدينا منه هل انتهت نفسه وسكنت شهوته؟ فقال ما كنت أحب إلا أن أكون بحالتي الأولى ويكون هذا الطبق إنما قدم إلينا الآن. فقلت له فإذا كان ألم حس الاشتهاء ومضضه لم يسقط عنك
صفحہ 70