بها فكره، ثم رام أن يبلغ منها ما بلغ سقراطيس وأرسطوطاليس وثوفرسطس وأوذيمس وخروسبس وثامسطيس واسكندروس في مدة سنة مثلا، فأدام الفكر والنظر وأقل الغذاء والراحة - ومما يتبع ذلك ضرورة دوام السهر -، أقول إن هذا الرجل يقع إلى الوسواس والملنخوليا وإلى الدق والذبول قبل مضي تمام هذه المدة وقبل أن يقارب هؤلاء الذين ذكرناهم. وأقول لو أن رجلا آخر أحب أيضا استكمال علم الفلسفة على أنه إنما ينظر فيها في الوقت بعد الوقت إذا فرغ من أشغاله ومل من لذاته وشهواته، فإذا عرض له أدنى شغل أو تحركت فيه أدنى شهوة ترك النظر وعاد فيما كان فيه أولا، أقول إن هذا الرجل لا يستكمل علم الفلسفة في عمره ولا يقارب ذلك ولا يدانيه. فقد عدم هذان الرجلان مطلوبهما أحدهما من جهة الإفراط والآخر من جهة التقصير. ومن أجل ذلك ينبغي أن نعتدل في فكرنا وهمومنا التي نروم بها بلوغ مطالبنا لنبلغها ولا نعدمها من قبل تقصير أو إفراط.
الفصل الثاني عشر في دفع الغم
إن الهوى إذا تصور بالعقل فقد الموافق المحبوب عرض فيه الغم. ونحتاج في بيان أن الغم عرض عقلي أو هوائي إلى كلام فيه فضل طول ودقة.
صفحہ 63