الفصل السابع
في الحسد
أقول: إن الحسد أحد العوارض الردية ويتولد من اجتماع البخل والشره في النفس. والمتكلمون في إصلاح الأخلاق يسمون الشرير من يلتذ طباعا مضار تقع بالناس ويكره ما وقع بموافقتهم وإن كانوا لم يتروه ولم يسوؤه، كما أنهم يسمون الخير من أحب وإلتذ ما وقع بوفاق الناس ونفعهم. والحسد شر من البخل لأن البخيل إنما لا يحب ولا يرى أن ينيل أحدا شيئا مما يملكه ويحويه، والحسود يحب أن لا ينال أحد خير بتة ولو مما لا يملكه، وهو داء من أدواء النفس عظيم الأذى لها. ومما يدفع به أن يتأمل العاقل الحسد، فأنه سيجد له من رسم الشرير حظا وافرا إذ كان الحسود يرسم بأنه كاره لما وقع بوفاق من لم يتره ولم يسئ به. وهذا شطر من حد الشرير، الشرير مستحق للمقت من البارئ ومن الناس. أما من البارئ فلأنه مضاد له في إرادته إذ هو عز اسمه المفضل على الكل المريد الخير للكل. وأما من الناس فلأنه مبغض ظالم لهم، فإن من أحب وقوع المكروه بإنسان ما أو لم يحب وصول خير إليه مبغض له. فإن كان هذا الإنسان ممن لم يتره ولم يسئ به فإنه مع ذلك ظالم له. وأيضا فإن المحسود لم يزل عن الحاسد شيئا مما هو في يديه ولا منعه من
صفحہ 48