زاد وأسرف في تقبيح شيء رآه منه وتهجينه لم يغضبه ذلك بل حمده عليه وأظهر له بشرا وسرورا بما رآه منه. وينبغي أن يجدد سؤال هذا المشرف عليه حالا بعد حال. فإن الأخلاق والضرائب الردية قد تحدث بعد أن لم تكن. وينبغي أن يستخبر ويتحسس ما يقول فيه جيرانه ومعاملوه وإخوانه وبماذا يمدحونه وبماذا يعيبونه، فإن الرجل إذا سلك في هذا المعنى هذا المسلك لم يكد يخفى عليه شئ من عيوبه وإن قل وخفى. فإن اتفق له ووقع عدو ومنازع محب لإظهار مساويه ومعايبه لم يستدرك من قبله معرفة عيوبه، بل إظطر والجئ إلى الإقلاع عنها، إن كان ممن لنفسه مقدار وممن يحب أن يكون خيرا فاضلا. وقد كتب في هذا المعنى جالينوس كتابا جعل رسمة "في الأخيار ينتفعون بأعدائهم"، فذكر فيه منافع صارت أليه من أجل عدو كان له. وكتب أيضا "في تعرف الرجل عيوب نفسه" مقالة قد ذكرنا نحن جوامعها وجملتها هنا. وفيما ذكرنا من هذا الباب كفاية وبلاغ، ومن استعمله لم يزل كالقدح مقوما مثقفا
الفصل الخامس في العشق والإلف وجملة الكلام في اللذة
أما الرجال المذكورون الكبار الهمم والأنفس فإنهم يبعدون من هذه البلية من نفس طبائعهم وغرائزهم. وذلك أنه لا شئ أشد على أمثال هؤلاء من
صفحہ 35