206

طب نبوی

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

ناشر

دار الهلال

ایڈیشن نمبر

-

پبلشر کا مقام

بيروت

وَالْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَبُّدُ الْقَلْبِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ أَفَاضِلِ الْمُوَحِّدِينَ وَسَادَاتِهِمْ، وَخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَوْ كَانَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ كَالشَّمْسِ، كَانَ غَلَطًا وَوَهْمًا، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَفْظُ الْعِشْقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ الْبَتَّةَ. ثُمَّ إِنَّ الْعِشْقَ مِنْهُ حَلَالٌ، وَمِنْهُ حَرَامٌ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ عَاشِقٍ يَكْتُمُ وَيَعِفُّ بِأَنَّهُ شَهِيدٌ، فَتَرَى مَنْ يَعْشَقُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، أَوْ يَعْشَقُ الْمُرْدَانَ وَالْبَغَايَا، يَنَالُ بِعِشْقِهِ دَرَجَةَ الشُّهَدَاءِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ ﷺ بِالضَّرُورَةِ؟ كَيْفَ وَالْعِشْقُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا الْأَدْوِيَةَ شَرْعًا وَقَدَرًا، وَالتَّدَاوِي مِنْهُ إِمَّا وَاجِبٌ إِنْ كَانَ عِشْقًا حَرَامًا، وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ. وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ الَّتِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهَا بِالشَّهَادَةِ، وَجَدْتَهَا مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا عِلَاجَ لها، كالمطعون، والمبطون، والمجنون، والحريق، وَالْغَرِيقِ، وَمَوْتِ الْمَرْأَةِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ بَلَايَا مِنَ اللَّهِ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهَا، وَلَا عِلَاجَ لَهَا، وَلَيْسَتْ أَسْبَابُهَا مُحَرَّمَةً، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ وَتَعَبُّدِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِشْقِ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي إِبْطَالِ نِسْبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَلِّدْ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ الْعَالِمِينَ بِهِ وَبِعِلَلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ إِمَامٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِصِحَّةٍ، بَلْ وَلَا بِحُسْنٍ، كَيْفَ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى سويد هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَمَوْهُ لِأَجْلِهِ بِالْعَظَائِمِ، وَاسْتَحَلَّ بَعْضُهُمْ غَزْوَهُ لِأَجْلِهِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ فِي «كَامِلِهِ»: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سويد، وَكَذَلِكَ قَالَ البيهقي: إِنَّهُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي «الذَّخِيرَةِ» وَذَكَرَهُ الحاكم فِي «تَارِيخِ نَيْسَابُورَ» وَقَالَ: أَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّثْ بِهِ عَنْ غَيْرِ سويد، وَهُوَ ثِقَةٌ، وذكره أبو الفرج ابن الْجَوْزِيُّ فِي كِتَابِ «الْمَوْضُوعَاتِ»، وَكَانَ أبو بكر الأزرق يَرْفَعُهُ أَوَّلًا عَنْ سويد، فَعُوتِبَ فِيهِ، فَأَسْقَطَ النَّبِيَّ ﷺ وَكَانَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄. وَمِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة ﵂، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَمَنْ لَهُ أَدْنَى إِلْمَامٍ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ، لَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْبَتَّةَ، وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَدِيثِ الماجشون عَنِ ابن أبي

1 / 208