اعتنى يسري بهندامه أقصى ما تكون العناية، وكرر النظر إلى المرآة، وأطال التحديق في كل مرة حتى اطمأن أن ليس بعد عنايته زيادة لمستزيد، وترك غرفته إلى حجرة أمه فنظرت إليه مليا ثم قالت: إلى أين؟ - إلى بيت عمي عزت باشا. - أنويت، تفاتحه اليوم؟ - نعم ما دمت مصممة ألا تفاتحي أنت إجلال هانم. - أنا والله يا ابني أخجل أن أفعل. - هل في الزواج ما يخجل؟! - لو لم أكن أعرف حبك للمال وطمعك في العروس ما خجلت. - هل معنى ذلك أن تقاطعي الزيجة بأكملها؟ - بالطبع لا. - إذن فماذا ستفعلين؟ - إذا قبلوا فسأذهب وأقدم الشبكة وأفعل كما تفعل أم تفرح بأول زواج يتم في بيتها، وسأظل بعد ذلك أدعو الله أن يهديك ويسترك، ويكرمنا مع هذه العائلة التي لم نر منها إلا كل خير. - إن شاء الله كل خير، أمصممة أنت على عدم الذهاب؟ - طبعا. - إذن أستأذن أنا. - ربنا يوفقك.
وبهذا الدعاء الهين الفاتر ترك يسري أمه واستقبل الطريق يقطعه في عزم وإصرار، حتى إذا بلغ بيت عزت باشا وجد حجرة مكتبه منيرة ووجده بها منفردا يقرأ، فحياه في أدب وجلس إلى كرسي مقابل له، وعاد الباشا إلى القراءة لحظات، ثم ترك ما بيده وقال ليسري: لعلك مرتاح في عملك يا يسري. - مرتاح يا عمي كتر خيرك. - إن أردت أي شيء أنت تعلم طبعا أنني دائما مستعد لأدائه. - أعلم يا عمي.
وانقطع الحديث فترة، وران الصمت على الحجرة ثم قال يسري في بعض لعثمة: يا عمي إن لي عندك أمنية. - قلها. - لقد أصبحت بفضلك موظفا، وأنا أحمل شهادة عالية، وأملي كبير أن أرتفع في الوظيفة أو أشق طريقي في الشركات إن سنحت الفرصة. - هذه مقدمة طويلة، خير. - عمي، إنني أريد ...
وانقطع السيل المتدفق كما لو كان آلة أصابها العطب فجأة، وتلعثم يسري ووجد أن الأمر ليس باليسر الذي ظن.
وقال عزت باشا وقد خيل له أنه يعرف ما يريد: يسري قل، ماذا تريد؟
وعلت وجه يسري حمرة وازداد لسانه لعثمة ووقف به الحديث، فقد وقف عقله عن العمل أو كاد، وراح يردد في خجل: أريد ... أريد ...
وقال عزت باشا: شكلك يدل على أنك تريد الزواج.
وكأنما وجد يسري ضالته فقال في سرعة وفي صوت خفيض: نعم.
واستطرد عزت باشا: وتريد سلفة؟
وقال يسري في حزم: لا. - من العروس؟
نامعلوم صفحہ