These Are Our Morals When We Truly Believe
هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا
ناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
پبلشر کا مقام
الرياض - المملكة العربية السعودية
اصناف
هَذِه أَخْلَاقنَا حِين نَكُون مُؤمنين حَقًا
تأليف
مَحْمُود مُحَمَّد الخزندَار
دَار طيبَة
نامعلوم صفحہ
بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، المتمِّم لمكارم الأخلاق، والمشهود له بالأسوة الحسنة والخلق العظيم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فكم من المشاريع بدأت من فكرة عابرة!
وكم من الأفكار انطلقت من رأي عَجِلٍ!
وكم من الدراسات تولدت من موقف طارئ .. ثم تنقدح الخطط وتنبري الهمم لتصبح فكرةُ الأمس واقعًا قائمًا اليوم، وليغدو الاقتراح العابر مشروعًا حيًّا على ساحة العمل.
هكذا نبتت فكرة هذا الكتاب .. وتلك هي قصته.
لم تكن مواضيع كتاب اليوم سوى مقالات الأمس المنشورة شهريًّا في صفحة (من أخلاق المجاهد) وشهرًا تلو شهر ثم سنة تلو سنة بدأت تتوارد رسائل كتابية وكلمات شفوية بجمع هذه المادة بين دفتي كتاب.
وببركة الشورى نبتت فكرة المقالة ثم فكرة الكتاب، وببركة التعاون بدأت تنقلب إلى حقيقة واقعة، وبدأ الكتاب يصل إلى يدَي القارئ الكريم بعد حوالَي عشر سنوات مشحونة بالمعاناة من خلال تجربة فريدة للعمل الإسلامي المعاصر.
وفي هذا المقام لا بدَّ أن أتقدَّم بجزيل شكري وصالح دعائي لكل مَن ساهم معنا برأيه أو بجهده أو بتشجيعه، ولكل من يسعفنا بملاحظاته وتوجيهاته.
ولعله إن كُتِب لهذا العمل القَبولُ بين الناس أن يُطوَّر ويُكمَل ويُعَد، ونسأل الله أن يرزقنا الإخلاص وأن يتقبل منا، إنه سميع مجيب.
(ربيع الأول/ ١٤١٥ هـ)
1 / 7
مقدمات
- الفكرة وليدة تجربة عملية.
- لماذا الأخلاق؟
- منهج التربية بالأحداث.
- منهجنا في الكتابة والتوثيق.
- من خصائص التربية الأخلاقية في الإسلام.
- ملاحظات على بعض الكتب في الأخلاق.
- مزايا هذه الدراسة.
1 / 8
الفكرة ولدية تجربة عملية
اليوم تُبدِئ وسائل الإعلام وتُعِيد في الحديث عن معاناة شعب (البوسنة والهرسك)، ويتم إثارة العالَم وتهييج الشعوب وحفز الدول للمشاركة بالكلمة أو المال، وبتوظيف جميع وسائل الإعلام، مع التحفُّظ على فتح المجال للمشاركة بالنفس أو تقديم السلاح؛ لئلا ينقلب السحرُ على الساحر، كما حدث بالأمس.
بالأمس كان نفس الهياج، وتحت سمع العالم وبصره، جُنِّد المال والرجال، وتعاونت الشعوب والدول لاستخدام الحربة الأفغانية في القضاء على الكابوس الشيوعي، بعد هذا التنادي والتداعي اجتمع لخدمةِ هذه القضية من شباب الإسلام مجتمعٌ بشري فريد ومتميز، على بقعة صغيرة من الأرض، ولهدف عامٍّ مشترك، رغم تعدد المشارب وتباين الوسائل، واختلاف سُلَّم الأولويات.
وكان لهذه التجرِبة الجديدة الفريدة إيجابياتٌ لا يمكن إغفالها أو التقليل من أهميتها، كما كان لها سلبيات لا يمكن غضُّ الطرف عن خطورتها، وكان من أبرز هذه السلبيات - بنظري - عدم القدرة على التعايش في صورة فريق عمل منسجم، ومجتمع إسلامي متعاون، بحيث تُستَهلك الأوقات والأموال والجهود في البناء لا في الهدم، وفي التكامل لا في التضادِّ، وذلك خللٌ لا بدَّ من المصارحة فيه؛ لقطف العبرة من تجرِبة كبيرة ونادرة، كان يُؤمَّل منها أن تُقدِّم نموذجًا عمليًّا لأخوَّة الإسلام التي طال الحديث في وصفها وضرب أمثلتها نظريًّا.
1 / 9
كان يُتوقَّع للمبادئ والقيم التي تربَّى عليها الشباب أن تأخذ طريقَها إلى العمل والتنفيذ، وكان الذي نرجوه، أن تتحوَّل بصيرتنا بمداخل الشيطان ومصائده وحبائله إلى حذر شديد، واحتياط بالغ؛ لئلا يكون بأسنا بيننا.
وكان الشيطان يخترق الصفوف، ويُفرِّق بين الأحبة، ويشيع الدَّخَن بين القلوب، ولو أنه فعل ذلك بدواعي الهوى وشهوة المال أو حب الزعامة؛ لكان الأمر مفضوحًا مكشوفًا ظاهر العَوَر، لكنه كان يفعل فعله بدوافعَ ظاهرُها الخير، فتسأل الواحد من الناس: ما سر العداوة مع فلان؟ فتسمع عددًا من الإجابات منطلقها الظاهر الشرع - والله أعلم بخفايا الصدور وكيد الشياطين -: لأنه عميل، لأنه لا يوثق بدينه، لأنه لا يتَّبع السنة، ليس لديه علم، عقيدته فيها خلل، ولا نبرئ طرفًا ونتهم آخر، فقد ولغ الجميع في نفس البلاء بأقدار متفاوتة.
في وسط هذا الجو المغاير لِمَا ينبغي أن يكون، كان لا بدَّ من صمام أمان يُتيح لكل طرف أن يُنصِت لسماع رأي الطرف الآخر، وأن يرد الثاني بأدب ولطف، بغير تجريح ولا اتهام، وأن ينفض الجميع من مجلسهم متحابِّين متعاونين، يعذِرُ بعضهم بعضًا إذا لم يتَّفقوا.
وكان هذا الصمام المفقود هو (الأخلاق)، فالتربية الأخلاقية لكل شاب لم تكن قد أخذت حظها من الصقل والرعاية، بقدر ما تدرب الشاب على عرض فكرته، ونقض آراء المخالفين، من أجل سد هذه الثغرة كان لا بدَّ من الأخلاق؛ لأننا نتَّفق جميعًا على أن الصدق والحياء والتكافل والصبر من محاسن الأخلاق، كما نتفق على أن الخيانة والحسد والغيبة والكبر من مساوئ الأخلاق، فأردنا أن نتقي وساوس الشيطان، من الباب الذي قد يندر فيه الخلاف: (التربية الأخلاقية).
1 / 10
لماذا الأخلاق؟
منذ مطلع حياتنا في أجواء التربية الإسلامية، كانت تصطرع حولنا أفكار، نحفظ ألفاظها ولا ندري مبرِّر الاختلاف عليها، هؤلاء يقولون: التربية الفكرية أولًا لتحصين الشاب من الغزو الفكري، ومن اعتقاد تصورات خرافية حول سنن الله في الكون.
وآخرون يقولون: التربية الأخلاقية أولًا لحماية الشاب من الانجراف وراء سعير الشهوات، ومن الغرق في حمأة الرذيلة، فذاك يريد دفع الشبهات، وهذا يُحصَّن من الشهوات.
كنا يومها - بالفطرة - نشعر أننا مطالبون بكلا الأمرين إذا ما أردنا أن ندخل في السِّلْم كافَّة، وكنا نرى في واقع الحياة أن الشيطان يستعمل كلا السلاحين: الشهوات والشبهات.
ولكم رأينا من العابدين الذين نحسبهم من أهل العلم والصلاح لا يعيشون عصرهم، ولا يُدرِكون كيف يُواجهون الأفكار الدخيلة بأكثر من تَمْتَمات وتعاويذ وحَوْقَلة وتهليل، وبقي يسرح في عالمه، وبقيت الشبهة عالقة بقلوب الناس، لم تُزِلْها من قلوبهم تهويمات العابد ولا انفعالاته!
وكم رأينا من ذوي الفكر الرَّصين، والنظر الثاقب، والعرض الجذاب للإسلام، والقدرة الفائقة في بيان أوهام الأفكار الضالة والمذاهب الهدامة، الذين حين نُفتِّش في سلوكهم عن عناصر القدوة نجدها
1 / 11
ضامرة، وإن واجه المخالف له بدأ يسخر ويطعن ويجرح، وإن لقي ندًّا هوَّن من أمره، وكشف من عيوبه ما يظهر فضله عليه، فتجد وراء هذا الفكر البرَّاق مرضًا أخلاقيًّا خطيرًا، فعلمنا - بفطرتنا - أيضًا أن في كلٍّ من الفريقين ميزة، كما في كل من الفريقين نقص وخلل.
ثم إن الكتابات التي خدمت الفكر الإسلامي وخاطبت العقل وسعت لنشر الوعي وتعميق المفاهيم، هذه الكتابات ملأت الساحة الثقافية، وأُتْخِمت بها المكتبات، وتدور بها المطابع كل يوم، بينما لم تحظَ التربية الأخلاقية بهذا القدر من الاهتمام، وكان ما يُكتَب فيها نادرًا، وربما كانت الكتابة في المجال الأخلاقي محدودةَ المواضيع لا تحتمل الكثير من التجديد لا في المحتوى ولا في الأسلوب، غير أن الهدف الأخلاقي يمكن أن يشارك في تعميق غورِه كلُّ كاتب إسلامي من خلال المقالة أو القصة أو الشعر، بحيث تغطي مسحة الأخلاق كل صور التعبير الأدبي والفكري. ولست أعني أن الكتابة عن الأخلاق هي التي ستعدِّل الأخلاق.
إن التربية الأخلاقية تؤخذ بالمعايشة والقدوة والمواقف الحياتية، وما الكتابة عن الأخلاق سوى إشاراتٍ تدل على الطريق، وتُذكِّر بالقيم، وترفع الأبصار إلى القمم، لنرى البون الشاسع بين ما نحن فيه وما ينبغي أن نكون عليه، وحين نحس بأزمتنا التربوية، ومشكلتنا الأخلاقية، وحاجتنا المُلِحَّة إلى التأديب والتهذيب، عندئذٍ قد نضع أقدامنا على بداية الطريق بمجاهدة النفس وحسن الصحبة والتناصح ومجالسه الصالحين.
إن الواقع العملي لحملة الفكر الإسلامي على اختلاف مشاربهم
1 / 12
قد يُحدِث بينهم نوعًا من التقارب الفكري في أجواء الحوار الهادئ والتعامل المهذَّب والاحترام المتبادل إذا وجدت الأخلاق، وإن أصحاب الفكر الواحد قد يتقاذفون الاتهامات ويَفْجُرون في الخصومات، ويشقون الصفوف، وتحركهم الأهواء إذا ضعفت فيهم الأخلاق، فالخلق الفاضل يجمعهم على ما بينهم من اختلاف، وسوء الخلق يُفرِّقهم على ما بينهم من وحدة فكرية.
لقد ملك المسلمون في قرونهم الأولى - قرون الخير - أعلى مستوى من التربية الأخلاقية، وكان الناس يدخلون في هذا الدين أفواجًا لِما يرون من حسن المعاملة وجميل الأخلاق أكثر مما كانوا يدخلونه بالمناظرات الكلامية والمنطق السديد في العرض.
كانوا يملكون من القدوة أكثر مما يملكون من قوة البيان، وخاصة في دعوة العجم؛ حيث لم يكونوا يملكون مزيد بيان، واستطاع ذلك الجيل أن يُدخل الناسَ في دين الله قبل أن يعرف منطق أرسطو والفلسفة اليونانية، وبعد أن دخلت إليه الفلسفة وعلم الكلام بدأت تضمُرُ التربية الأخلاقية، وبدأت تتنامى على حسابِها العلومُ العقلية.
إذا تحدَّثنا عن الأفكار تتعدد المواقف بتعدد المشارب.
وإن تحدثنا في قضية فقهية تجاذبتنا الخلافات المذهبية واختلفنا أكثر في الراجح والمرجوح، والمعتبر وغير المعتبر.
وإن حاولنا أن نتحدث في العقيدة لا يخلو الأمر من الفرق والملل والنِّحل، التفسيق والتبديع والتكفير.
أما إذا تحدثنا في الأخلاق، فالحسن منها تكاد تجمع على حسنه العقول البشرية، كما تجمع على قبح القبيح منها، وتضيق دائرة الخلاف حولها بين المؤمنين وحتى مع غير
1 / 13
المسلمين، وإن أحب الناس إليك لينفضون عنك حين تكون فظًّا غليظ القلب، وإن أبغض الناس إليك ليحتكمون إليك حين تكون صادقًا وأمينًا.
1 / 14
منهج التربية بالأحداث
إن منهج التربية في القرآن قام على معالجة المشاكل القائمة، والتعليق على الأحداث الواقعة، والقطع فميا فيه الاختلاف، بحيث تتنَزَّل الآيات مُواكِبةً في تنَزُّلها مسيرة المجتمع الإسلامي الأول، فتنقش آثارها التي لا تُمحَى في القلوب، وقد قام على تتبع هذه الظاهرة علم (أسباب النزول).
وكذلك الأمر في سنة النبي ﷺ؛ حيث كان الحدثُ يجري أمام سمع وبصر رسول الله ﷺ فيكون له عليه تعليق، أو إقرار، أو استنكار، حتى تركت هذه التربيةُ العمليةُ بصماتِها على شخصية الصحابة، بحيث كان أحدهم يستحضر موقفَ رسول الله ﷺ من الأمر كلما تكرر مثيلُه أمام الصحابي، وحتى كان الواحد منهم حين يروي ما سمع أو رأى، كثيرًا ما كان يؤدي السنة مع الألفاظ والكلمات والحركات والإشارات وتشخيص الموقف وتمثيله، وهو ما سُمِّي في علم مصطلح الحديث بالحديث (المسلسل)، وجُمِعَت الأحاديث ذوات المناسبة تحت علم (أسباب الورود).
إن التجرِبة التي عشناها دهرًا في هذا المجتمع البشري ذي المواصفات والظروف الخاصة - بحلوِها ومرِّها - كانت تُملِي علينا ضرورة العودة إلى صقل المفاهيم، وأهمية مراجعة النفس لتحديد معالم الطريق، ومعالم الشخصية الإسلامية كما ينبغي أن تكون، لا كما هي كائنة، وفي كل شهر كنا نراجع النفس لتحديد أكبر الأمراض ظهورًا
1 / 15
لتكون الكتابة عن ضده من محاسن الأخلاق.
إن ذكر الحوادث الدافعة لكتابةِ كل موضوع فيه من الفضيحة ما لا ينبغي أن نُشارِك فيه، مما يسيء إلى الصديق ويسر العدو، غير أنه يكفينا أن نقطف العبرة؛ لتكون هذه الأخلاق حصنًا لأي تجمع مثيل، يمكن أن يقوم مرة أخرى بنفس الاتساع أو بصورة أصغر، فأمراضنا هي هي، نحملُها معنا حيث حلَلْنا، وتظهر بارزة حيث نكون مجتمعين، أكثر مما تظهر ونحن مُوزَّعون ومشتَّتون، وتظهر حيث نشعر بنوع من الحرية، أكثر مما تظهر حين نعيش في بلد ذي نظام صارم وقوة وسلطان.
كانت الفتن تدعونا إلى العودة إلى كتاب ربنا ﷿، وسنة نبينا ﷺ، وفهم القرون الأولى وسيرتهم؛ حتى نُعِيد صياغةَ عقولنا، وتعديل سلوكنا من جديد، فوجدنا كنوزًا مدفونة يجدها مَن يُنقِّب عنها، وحاولنا أن نبرز ما أسفر عنه التنقيب.
1 / 16
منهجنا في الكتابة والتوثيق
إن الكتابة عن الأخلاق من وراء مكتب فارهٍ، وبالنظر إلى عناوين وأسماء الأخلاق التي سبق أن كُتِب عنها أمر سهل ويسير، فالموضوعات محدودة، والأحاديث المشهورة في كل موضوع تكاد تكون مكررة في أكثر كتب الحديث، لقد كان اختيار الموضوع مستوحًى من واقع أليم لا من فهارس الكتب، ولقد كانت المادة المختارة - في كثير من الأحيان - مستخرَجة من غير مظانِّها في كتب الحديث، ولقد كان اختيار العناوين أيضًا بما يناسب الهدف والمحتوى.
حاولنا أن نتوسَّع في معنى الأخلاق، بحيث يشمل كل ما يمكن أن يتَّصِف به المسلم من الصفات المحمودة، التي إن التزم بها، ودوام عليها، صارت له خلقًا مميزًا.
ولقد كان تسلسل المواضيع تابعًا لِمَا يتوارد من أحداث - كما أشرنا - غير أنه لَمَّا انعقد العزم على إخراج هذه المواضيع في كتاب، تم تصنيف هذه الأخلاق على أبواب تشمل بمجموعها جوانب شخصية المسلم بنوع من التوازن، واقتضى الأمر إعادة النظر في المواضيع لاستبعاد ما ينبغي استبعاده، وإضافة ما يحسن إضافته، وتعديل ما يلزم تعديله، فإن الصفحة الواحدة من المجلة التي كنا ألزمنا أنفسنا بها، كانت تضطرنا إلى مزيد من الإيجاز، بحيث نترك الكلام لرسول الله ﷺ، أكثر مما نستأثر به لأنفسنا، وألا يكون كلامنا أكثر من تمهيد، أو تعليق، أو ربط بين النصوص.
إن طبيعة الكتابة في مجلة غير متخصصة، لم تكن تتيح لنا وضع الحواشي والتخريجات، فلما أن عزمنا على إخراج الكتاب إلى
1 / 17
النور، كان لا بدَّ أن يُوثَّق بالمصادر والمراجع، وتخريجات الأحاديث.
ولقد حاولت ألا أعتمد على حديث ضعيف - قدر الاستطاعة - فما علمت ضعفه، ولم يُصحِّحه أحد من العلماء، استبعدته. وأشرت في الحاشية إلى المرجع الذي استخرجت منه لفظ الحديث، مشيرًا إلى الكتاب والباب ورقم الحديث - غالبًا - بحيث يعين الباحث - وإن اختلف رقم الصفحة باختلاف الطبعات.
وكان جلُّ اعتمادي على الصحيحين، وغالبًا أقدم رواية البخاري، وأقتبس من فهم ابن حجر في (فتح الباري)، كما أفدت كثيرًا من الكتب التي خدمها كل من الشيخين (الألباني والأرنؤوط) - رحمهما الله تعالى - والذي كان يتعبني ندرة المراجع في الغربة، وخصوصًا في محاولة توثيق (مسند أحمد)، واعتمدت في تخريج بعض أحاديثه على طبعة الشيخ أحمد شاكر ﵀ التي لم تكتمل - وطبعة الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي في كتابه (نيل الأماني على الفتح الرباني) رغم عناء البحث وصعوبة الطلب.
واكتفيت في التوثيق بمجرد العزو إلى المراجع والمصادر، وأعفيت نفسي - لئلا يتأخر الكتاب - من شرح الألفاظ الغريبة، وإن كنت حاولت في تعبيري ألا أُغرِب، ونصوص الأحاديث يغلب عليها الوضوح.
كما أعفيت نفسي من الترجمة للرجال أو الأماكن، واكتفيت من نصوص كثير من الأحاديث بموضع الشاهد، حرصًا على الإيجاز وعدم الإطالة، وخشية من توزع الفكر وتشتت الذهن إذا تعددت مواضيع الحديث الواحد، فمَن أراد الحديث بتمامه رجع إلى موضعه المشار إليه في الحاشية، وما كان من الأحاديث الموقوفة أو المرسلة استبعدت ما علمت ضعفه، وما لم أعلم لسنده صحة ولا ضعفًا أبرأت الذمة بعزوه إلى مصدره، وارتياحًا مني بموافقة معناه لأصول صحيحة.
1 / 18
من خصائص التربية الأخلاقية في الإسلام
١ - ربانية المصدر:
الأخلاق الإسلامية ليست رأيًا بشريًّا، ولا نظامًا وضعيًّا، وإنما هي مستمدة من شرع ربِّ البشر، سواء منها ما أثبته الشرع ابتداءً، أو أقره مما قد تعارف عليه الناس، وحتى ما لم ينصَّ عليه الشرع من محاسن الأخلاق، فربانيته في اندراجه تحت أصل شرعي عام: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) فهي ربانية المصدر، وربانية الهدف والغاية والقصد، غير أن أصول الأخلاق وأمهاتها مستمدة من الشرع، ويبتغي المسلم بها رضا الله.
٢ - عبادية القصد:
مهما تخلَّق إنسان بالأخلاق الإسلامية، فإنها ستبقى صورة بلا روح، طالما لم يُرِد بها صاحبُها وجه الله ورضاه، فليس الغرضُ من الأخلاق الإسلامية وجودَ صورتها الخارجية، التي لا تعدو أن تكون طلاءً يسقط لأي حكَّة، وإنما تهدف الأخلاق الإسلامية إلى أن تملك على المسلم قلبه، فيدفعه إليها إيمانه، ويزيده الالتزام بها إيمانًا، فمصدرها قلبيٌّ، وأصلها صلاح الباطن، فالعدل مع العدو أقرب إلى التقوى؛ لأنها مسألة عبادية، ومهما حسنت أخلاف الكافر فهي هباء منثور؛ لأنها لم تكن خالصة لوجه الله، وما لم تكن الأخلاق خالصة، فإنها ستظهر نفاقًا أو لمصالح، ثم تزول ويظهر ما وراءها من سوء الخلق.
٣ - مثالية واقعية:
الأخلاق الإسلامية تدعو الناس إلى السمو، وتراعي نفسية البشر واحتياجاتهم وقدراتهم على الارتقاء، كما
1 / 19
تراعي حقهم في ألا يُعتدَى عليهم، وفي أن يُقتص لهم، فلا تطالبهم بما فوق طاقتهم، عملًا بقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] ولا يعد الجائع خائنًا للأمانة إن سرِق ليأكل، ولا يعتبر الخائف أو المكرَه ناقضًا للصدق إن كذب لينجو - حين لا ينجيه من البطش إلا الكذب - ولا يتعد طيشًا وخروجًا عن خلق الحلم إن غضب وثار من استفز أو استغضب.
٤ - شمولية متكاملة:
الأخلاق الإسلامية تشمل جميع جوانب حياة الإنسان: مع ربه، ومع الناس، في بيته وفي عمله، وفي خلوته، في البيع والشراء، في السلم والحرب، في الوجدان، وفي المجتمع، في الظاهر والباطن، ولكل هذه الجوانب أخلاق تدعو المسلم إلى التميز بالسلوك الفاضل في جميع مجالات الحياة وبصورة متكاملة.
٥ - ثابتة:
الأخلاق الإسلامية تكون أصيلة في نفس صاحبها، بحيث يصدر منه الخلق نفسه كلما تكرر الموقف نفسه الذي يقتضي ذلك الخلق، فلا يتغير خلقه مع الضعفاء ولا الأقوياء، ولا في حال فقره أو غناه، ولا في إقامته أو سفره، ولا في خلوته أو جلوته، ولا في حال رضاه أو غضبه، ولا في حال النعمة أو البلاء، لا فيما له أو عليه، ولا تختلف أخلاقه حين يكون أميرًا أو مأمورًا، ومصدر ثبات هذه الأخلاق أنها تعبُّدية، يدور صاحبها مع الحق حيث يدور، ومصدر تذبذب الأخلاق غير الإسلامية أنها تدور مع المصالح والأهواء، وهذه متقلبة؛ تدير صاحبها على حسب تقلبها.
٦ - متوازنة:
الأخلاق الإسلامية لا تُغلِّب جانبًا على جانب، فكل الأخلاق الإسلامية مطلوبة ودون تغليب بعضها وإغفال البعض،
1 / 20
وإلا ستكون الشخصية ممسوخة، فإن غلبت على الشخص صفات القوة والشجاعة والتضحية والعزة والنصرة، فسيجأر الناس إلى الله من عدوانه وجبروته وتكبُّره، وإن غلبت عليه صفات العفو والسماحة والتواضع والسكينة، ربما وُجدت فيه شخصية الذليل المستكين، وإن غلبت عليه أخلاق الصراحة والجرأة والنصيحة والأمر بالمعروفة، ربما شكوا من سوء أدبه وقلة احترامه، فالخلاق الإسلامية مع تكاملها متوازنة، تدعو إلى العزة والتواضع، كما تدعو إلى الانتصار والعفو، فيها الصراحة والاحترام وفيها الكرم والاقتصاد، وهي شجاعة بغير تهور، ولين في غير ضعف، هذه بعض معالم الشخصية الإسلامية ذات الأخلاق المتوازنة.
٧ - تُنال بالمجاهدة:
هنالك أخلاق يتفضل الله ﷿ على بعض خلقه فيجعلهم عليها، ويطبعهم بها، عن غير كسب منهم ولا جهد، فمثل هذه فضل ومنَّة على من أوتيها، ومَن لم يُؤتَها مكلَّف بمجاهدة نفسه؛ لكي يأطرها على الحق أطرًا، ويجرها إلى الجنة بالسلاسل، ويلزمها بكسر هواها، وتغليب رضا الرب على ما سواه، إلى أن تصبح هذه الصفات الفاضلة خلقًا مكتسبًا بعد الترويض والمجاهدة، وإلى أن يكتسبها يحتاج إلى أن يتكلف فعل هذه الأخلاق الفاضلة، فيؤدي تكراره لها، وتعوده عليها، إلى ترشحها في قلبه، وانقلابها مع الزمن إلى طبع ثابت، وخلق أصيل؛ ولذلك جاء في الحديث: «ومَن يستعفف يُعفَّه الله، ومن يتصبر يُصبِّره الله»، وهكذا كل الأخلاق، بالتشجع يصبح شجاعًا، وبالتسامح يصبح سمحًا، وبالتورع يصبح ورعًا،
1 / 21
والسعيد مَن وفَّقه الله للصبر على المجاهدة، إلى أن تتأصل فيه الأخلاق الفاضلة ويكتسبها.
٨ - تؤخذ بالتأسي:
من واقعية الأخلاق الإسلامية أنها لم تُقدِّم إلى الناس قائمة من مكارم الأخلاق النظرية ليعملوا بها، وهم في معزل عن النموذج البشري الذي يقيم عليهم الحجة بأن الارتقاء إليها في مقدور البشر، والذي يسهل على مَن يضعفون عن اكتساب الأخلاق بالمجاهدة - بأنفسهم - أن يكتسبوها بالاقتداء به، وباقتفاء أثره، وبالتأسي بسلوكه، إلى أن تصبح لهم عادة، والذي ينقش في أذهان الناس صورًا عملية لا تنسى للخُلُق الفاضل الذي يظهر في المواقف التي تقتضي ذاك الخُلُق، بينما قد ينسى الناس التعليمات النظرية، أو لا يدركون كيفية تطبيقها، أو يَحُول بينهم وبين العمل بها اعتقادُ مثاليتها، واستبعاد واقعيتها؛ ولذلك فإن الله لم ينزل كتبه إلا ومعها العامل بها، والقائم عليها من رسله: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ...﴾ [الأنعام: ٩٠].
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ...﴾ [الأحزاب: ٢١]
ولذلك أيضًا فإن فطرة الصبي تبدأ بالانحراف، حين يعيش بين والدينِ لا يلتزمان بمحاسن الأخلاق، أو في مجتمع تتفشى فيه مفاسد الأخلاق؛ ولأجل ذلك أيضًا كان من توبة قاتل المائة أن يهجر قرية السوء؛ ليعيش في قرية صالحة، بين قوم صالحين، يعينه التأسي بهم على الطاعة وعلى مكارم الأخلاق، وهكذا تتوارث
1 / 22
الأجيال الأخلاق العالية بالنظر إلى أخلاق القرون الأولى، ويتوارث الأفراد مكارم الأخلاق بالتأسي بأحاسنهم أخلاقًا.
٩ - تراعي التدرج:
ومن الواقعية أيضًا أن الأخلاق الإسلامية لا تُطلَب من الناس بكمها الكبير، وكليتها الشاملة، منذ الانخلاع من الجاهلية والولوج في بوابة الهداية، وإنما تقوم تربية الإسلام على التدرج في إلقاء الأوامر والواجبات، بتقديم الأهم والأوجب، واجتناب الأفحش والأكبر، وحتى في سُلَّم التحلية يمكن أن يتدرج في مستوى الصعود، فيطالب ابتداءً بالصدقة بما تجود به نفسه، ولا يطالب بالتنازل عن كل ماله كما فعل أبو بكر ﵁، ولا ننتظر منه أكثر من العفو عمن أساء إليه، أما أن يحسن إلى المسيء، فتلك مرتبة أعلى، ومقام أرفع، يمكن أن يرتقي إليها بالتربية، وحين أقسم رسول الله ﷺ على أن يُمثِّل بسبعين من المشركين؛ جزاءَ تمثيلهم بجثة سيدنا حمزة ﵁ أنزل الله ﷿ عليه مبادئ متدرجة: أدناها ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ...﴾ [النحل: ١٢٦] وأرفع منها: ﴿... وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦] واللائق برسول الله ﷺ ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ ...﴾ [النحل: ١٢٧] ويبقى القفز إلى معالي الأخلاق من العزيمة التي يُوفَّق إليها ذَوُو الهمم الكبيرة، ولكن أغلب النفوس يربيها التدرج.
١٠ - ذات أثر اجتماعي:
أخلاق الرهبنة تبقى بين العبد وربه، وفي إطار صومعته، وبما أن الإسلام دين الحياة، فإنك ستجد المسلم في كل مجالات الحياة متخلقا بأخلاق الإسلام، فالعبادات تنعكس على السلوك الاجتماعي ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
1 / 23
﴾ [العنكبوت: ٤٥] ﴿... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ...﴾ [الحج: ٣٧] ومعالجة آفات القلوب من (حقد، وحسد، ورياء، وعُجْب ...) وكلها خفية، تنعكس معالجتها على السلوك الاجتماعي الظاهر؛ محبةً وإخلاصًا وتواضعًا وتنافسًا، فليس في الإسلام انفصامٌ بين عَلاقة المؤمن بربه، وعَلاقته بمجتمعه، وهو في كل حركة يصدر عن الإسلام.
1 / 24
ملاحظات على بعض الكتب في الأخلاق
لا أزال أذكر أننا كنا نُقبِل على قراءة الكتب الحديثة عن خلق المسلم وأخلاق المؤمنين والتربية الروحية، وبعض الكتب القديمة في مكارم الأخلاق ومدارج السالكين ومنهاج القاصدين، وكان لهذه الكتب بمجموعها أكبر الأثر في تربيتنا الأخلاقية وثقافتنا التربوية، ويلاحظ على هذه الكتب - قديمها وحديثها - التي تيسر لنا الاطِّلاع عليها بعض الملاحظات؛ منها:
١ - عدم الاقتصار على الصحيح:
فبعضها كتب تجمع لك نصوصًا من السنة، لا تميز بين صحيحها وضعيفها، مقتصرة على الأحاديث المشهورة في كل باب، حتى غدت بعض الأحاديث تتكرر في نفس الباب من كل كتاب، وكأنه لا يوجد في السنة غيرها.
٢ - غلبة الأسلوب الإنشائي:
بعض كتب الأخلاق فيها استرسال في العرض الإنشائي حتى غدا مجموع الخواطر، والمواقف الحياتية، والأمثلة من الواقع، يغلب على مادة الكتاب، ويطغى على حظِّ السنة فيه.
1 / 25