The Unveiling of Secrets on the Ancient Sayings Regarding the Distortions and Alterations in the Matter of the Veil
كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف
ناشر
بدون
اصناف
كشف الأسرار
عن القول التليد فيما لحق مسألة
الحجاب
من تحريف وتبديل وتصحيف
بحث تفصيلي وتأصيلي لأهم قواعد مسألة ونشأة فريضة الحجاب مدعمًا بكلام أهل العلم المتقدمين وفيه دراسة لبدعة القائلين اليوم أن ستر وجه المرأة المسلمة عن الرجال سنة ومستحب
تأليف
الشيخ تركي بن عمر بن محمد بلحمر
1 / 1
كشف الأسرار
عن القول التليد فيما لحق مسألة
الحجاب
من تحريف وتبديل وتصحيف
بحث تفصيلي وتأصيلي لأهم قواعد مسألة ونشأة فريضة الحجاب مدعمًا بكلام أهل العلم المتقدمين وفيه دراسة لبدعة القائلين اليوم أن ستر وجه المرأة المسلمة عن الرجال سنة ومستحب
تأليف
الشيخ تركي بن عمر بن محمد بلحمر
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
خطاب الشيخ
1 / 4
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.،، أما بعد:
فقد أخبر الصادق المصدوق فيما رواه عنه أبو هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء) أخرجه مسلم، وله من رواية أخرى عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها) ولا شك أن غربة الإسلام لن تكون في مسألة واحدة أو جانب واحد من مسائله بل ستطرأ في كافة الجوانب وبنسب متفاوتة ومختلفة كما نشاهده اليوم في جانب التوحيد والفرائض والواجبات، وكذلك في جانب الحلال والحرام كما أخبر بذلك رسول الله ﷺ: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر (١) والحرير والخمر والمعازف) أخرجه البخاري تعليقا (٢).
_________
(١) الحر: هو الزنا.
(٢) أخرجه البخاري تعليقًا (باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) وقد وصله الطبراني والبيهقي وابن عساكر وغيرهم، من طرق عن هشام بن عمار به. وله طريق آخر عن عبد الرحمن بن يزيد، كما عند أبي داود (٤٠٣٩). قال ابن رجب في "نزهة الأسماع": (فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار). وقال ابن حجر في "التغليق" (٥/ ٢٢): ... (هذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن ...) انظر كذلك (هدى الساري صـ ٢٤٨) وفتح الباري (١٠/ ٥٣). والسلسلة الصحيحة للألباني (١/ ١٣٩).
1 / 5
فهذه الأمور مجمع على تحريمها، ومع ذلك فإنه يأتي زمان على الناس يسمونها بغير اسمها فيستحلونها بأدنى الحيل فكيف بغيرها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفيما رواه حذيفة قال ﷺ: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسري على الكتاب في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية) أخرجه ابن ماجه (١).
الداعي لهذا البحث:
وقد كان يراودني دوما سؤال عن سبب التشكيك في صفة وكيفية فريضة الحجاب التي فرضها الله على المؤمنات الصالحات وبخاصة ما يشاع ويقال بين الحين والآخر أن الخلاف فيها كان بين الصحابة أنفسهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
والحجاب فريضة إلهية ومسألة دينية كبيرة تختص بجوانب اجتماعية كثيرة وشعيرة إسلامية ظاهرة فمسألة النقاب وحكمه من ناحية الوجوب أو عدمه لابد وأن يكون واضحًا وجليًا ومعلومًا وقد حُسم في الصدر الأول، فلا يمكن في حقهم أن يجهلوها أو يختلفوا فيها كبعض المسائل الأخرى، فمن أشنع الأقوال أن يقال أن الصحابة اختلفوا في فريضة الحجاب وهل هو تغطية المرأة لوجهها أم كشفه؟ .
_________
(١) قال الحافظ في الفتح (١٣/ ١٦) أخرجه ابن ماجة بسند قوي. وقال الألباني (صحيح) كما في السلسلة الصحيحة الحديث رقم (٨٧).
1 / 6
ومثل هذا لا يمكن نسبته للصحابة بتاتًا، وهم حول رسول ﷺ مع كثرة النساء الخارجات بينهم في اليوم والليلة، فلا يمكن لهذه المسألة أن تخفى أو تُجهل أو لا ينقل إلينا اختلافهم ونقاشهم فيها كما هو الحاصل اليوم بين الفريقين، ولهذا فلابد وأن تكون مسألة الخلاف فيها طارئة وحادثة وبعد إجماع العصور الأولى والقرون الثلاثة المفضلة ومن بعدهم.
فمسألة التشكيك في النقاب أو وجوبه لم تأتِ فجأة ولم تأتِ من نصوص الكتاب والسنة الظاهرة والصريحة ولا من فهم الصحابة والسلف الصالح لها، وبالتالي فلا بد وأن تكون غربته بدأت تدريجيًا وشيئًا فشيئًا، فما سنذكره من أسباب وما سنجليه من أمور وحقائق ونقول لأهل العلم هي بمشيئة الله تعالى ما سيبين ذلك التدرج حتى وصلت بغربة الحجاب إلى ما وصلت إليه اليوم من حرب على النقاب وزادت بسبب ما بثه بعض العلماء المتأخرين اليوم، من شُبَه جديدة وتفاسير خاطئة وفهم مخالف لمراد الله ومراد رسوله ﷺ ومقصد المتقدمين من السلف الصالح وأئمة الإسلام، وبعيدًا عن أقوال أهل العلم السابقين، حتى حرفوا وبدلوا وصحفوا - بغير قصد - فريضة الحجاب عن حقيقتها.
ولهذا لابد أن يكون الحق الذي هو موافق لمراد الله ومراد رسوله ﷺ ومراد سلف الأمة ظاهرًا وليس كما حاول البعض أن يقنعنا أن الصحابة والسلف، وأئمة المذاهب الأربعة والذين كانوا قريبين من عصر النبوة قد اختلفوا فيها، بدون دليل ولا نقل صريح، فالمسألة
1 / 7
فريضة إلهية مذكورة ومحفوظة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وتعنى بالشأن العام ونالت ما نالته من نصوص عديدة وكثيرة لا يمكن أن تخفى وتستتر حقيقتها عند البحث والتحقيق ولابد وأنه في كل الحالات سيكون الأمر واضحًا وجليًا ومدعمًا بأدلة ووقائع خفيت مع طول الزمان بعض حقائقها، ولهذا عزمت مستعينًا بالله على كشفها وسبر أغوارها.
كتبه راجي عفو ربه
تركي بن عمر بن محمد بلحمر
1 / 8
(المبحث الأول)
سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتبديل وتصحيف
1 / 9
(المبحث الأول)
سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتصحيف وتبديل
يُخطئ كثير من المستدلين لمسألة الحجاب وبخاصة القائلين بسفور المرأة لوجهها (١) عندما يستشهدون بالآية الكريمة: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١].
فيستدلون بها وكأنها أول ما أنزل من آيات الحجاب وكأنها الأصل والأساس في المسألة على تشريع فريضة الحجاب على نساء المسلمين فهذه الآية من أواخر ما نزل في شأن الحجاب، حيث نزلت متأخرة وبعد نزول أول آيات الحجاب والتي جاءت في سورة الأحزاب وذلك بشهادة أعلم الناس بشأن الحجاب الصحابي الجليل وخادم رسول الله ﷺ أنس بن مالك ﵁.
_________
(١) قال في "لسان العرب": (سفر) قال وإذا ألقت المرأة نقابها قيل سفرت فهي سافر .. وسفرت المرأة وجهها إذا كشف النقاب عن وجهها تسفر سفورًا). وقال في "المعجم الوسيط" بتحقيق مجمع اللغة العربية: (سفر) سفورًا وضح وانكشف ... والمرأة كشفت عن وجهها. وقال عند (السافر) ويقال امرأة سافر للكاشفة عن وجهها). وقال في "المحيط في اللغة": (والسفور: سفور المرأة نقابها عن وجهها، فهي سافر). وقال في "تاج العروس": (يقال: سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها النقاب وفي المحكم: جلته وفي التهذيب: ألقته تسفر سفورًا فهي سافر).
1 / 11
فمن استدل بها لبيان حكم وكيفية صفة فريضة الحجاب يكون قد خلط الأمر وبدأ طريقه خطأً فكلما سار على هذا الأساس بَعُد عن الصواب فكان مؤداه لأخطاء وتناقضات أكثر وأكبر، فهو جعل التفصيل والبيان والرُخص التي في سورة النور ومنه الاستثناء في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ هو الأصل العام والتشريع الأساسي لفريضة الحجاب ونسي أنها متأخرة وأنها استثناء والاستثناء لا بد وأن يأتي بعد أصل عام ومقرر سلفًا وصفه وحدوده وهو المستثنى منه فعليهم أن يرجعوا لأصل المسألة وأول ما نزل فيها حتى يفهموا المستثنى من ذلك تحديدًا والغاية والمراد من ذلك الاستثناء كما أراده الله تعالى.
فقد نزلت قبلها آيات كما في سورة الأحزاب ما كان لهم أن يغفلوا عنها والتي حسمت وحددت الزينة التي يجب سترها وأمرت بتغطية المرأة لزينتها ومن ذلك وجهها كما عليه إجماع الصحابة والتابعين وعلماء أهل التفسير جميعًا كما سننقله عنهم قريبًا بالتفصيل.
والآن ولكي نعرف حقيقة مسألة فريضة الحجاب علينا أن نحدد أول الآيات نزولًا في ذلك حسب تاريخ وأسباب النزول ثم نرتب آياتها ليتبين لنا الصواب في المسألة وحتى لا تتعارض معنا الآيات والأحاديث وتفاسير الصحابة، وحتى ندرك معنى كل آية حسب مراد الله ومراد رسوله ﷺ ومراد صحابته الكرام.
1 / 12
تاريخ نزول أول الآيات في مسألة الحجاب:
أترك الجواب للصحابي الجليل أنس بن مالك خادمِ رسول الله ﷺ قال: (كنت ابن عشر سنين مَقدم رسول الله ﷺ وكان أمهاتي يواظبنني على خدمة رسول الله فخدمته عشر سنين وتوفي ﷺ، وأنا ابن عشرين سنة وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله بزينب بنت جحش أصبح النبي بها عروسًا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهطٌ منهم عند النبي ﷺ فأطالوا المكث، - وفي رواية - ورسول الله ﷺ جالسٌ وزوجته موليةٌ وجهها إلى الحائط، فقام النبي فخرج وخرجْتُ معه لكي يخرجوا فمشى ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة - وفي رواية - فانطلق إلى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقالت وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟ فتقَّرى حُجَر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة - إلى أن قال- فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي بيني وبينه بالستر - وفي رواية - فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الحجاب فخرج رسول الله وقرأهن على الناس: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم﴾ إلى قوله: ﴿من وراء حجاب﴾ [الأحزاب: ٥٣] أخرجه الشيخان وغيرهما.
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (هذه آية الحجاب وفيها أحكام وآداب شرعية وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي
1 / 13
الله عنه كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي ﷿ في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مقام إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥] وقلت: يا رسول الله أن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب، وقلت لأزواج النبي ﷺ لما تمالأن عليه في الغيرة: ﴿عَسَى رَبُّهُ إن طَلَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ [التحريم: ٥] فنزلت كذلك، وفي رواية لمسلم، ذكر أسارى بدر وهي قضية رابعة.
وقد قال البخاري: حدثنا مسدد عن يحيى عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله ﷺ بزينب بنت جحش الأسدية التي تولى الله تعالى تزويجها بنفسه، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة في قول قتادة والواقدي وغيرهما وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى وخليفة بن خياط أن ذلك كان في سنة ثلاث، فالله أعلم) انتهى من ابن كثير.
وبهذا يتبين أن بدايات أمر الحجاب وفرضه كانت بعد غزوة الأحزاب وبني قريظة في سورة الأحزاب وأن آياتها من أول ما أنزل في ذلك ومنها قوله تعالى: ﴿يا أيها النَّبِيُّ قُل لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذَلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكان اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٩].
1 / 14
أما سورة النور وما فيها من قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١]، فقد نزلت بعد ذلك بفترة، فكان ما فيها من آيات عديدة في مسائل الحجاب تفصيل وبيان واستثناء ورخص من الأصل السابق، وهذا معلوم من طريقة القرآن وأسلوبه ورحمة الله بعباده والتوسعة عليهم، والدليل على ذلك أمور جلية وبينة منها:
١ - أن سورة الأحزاب وحادثة التحزب والخندق المذكورة في السورة كانت في السنة الخامسة من الهجرة على الصحيح المشهور كما قاله ابن كثير في تفسيره وابن إسحاق وغيرهم (١)، فهي بلا خلاف قبل سورة النور والتي ذُكر في آياتها وقائع حادثة الإفك التي وقعت في السنة السادسة للهجرة.
٢ - أن سورة النور ذكرت حادثة الإفك كما في الآية رقم (١١) ثم جاء بعدها قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] وقد بينت عائشة ﵂ عند روايتها للحادثة التي وقعت لها أنهن قد أمرن قبل ذلك بتغطية وجوههن عن الرجال كما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما فيما حكته عن نفسها قالت: (وكان صفوان من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان فأتاني، فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت
_________
(١) سيرة ابن هشام (٣/ ١٦٥). وقد جزم ابن حزم في جوامع السيرة (صـ ١٤٧) وابن القيم في زاد المعاد (٣/ ٢٦٩)، وغيرهما من العلماء المحققين بصحة قول ابن إسحاق.
1 / 15
وجهي بجلبابي)، فدل بوضوح أن الحجاب قد فرض قبل سورة النور وقبل ما فيها من قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَاظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١].
٣ - الحديث المتقدم لخادم رسول الله ﷺ وأعلم الناس بشأن الحجاب وقوله: (وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله بزينب بنت جحش) متفق عليه.
وقد ذكر أهل السير أن زواج رسول الله ﷺ بزينب، كان في السنة الخامسة للهجرة مما يدل على أن أول بدايات نزول آيات فرض الحجاب كانت في سورة الأحزاب التي ذكرها أنس وما بعدها من الآيات في نفس السورة، كقوله تعالى: ﴿يدنين عليهن من جلابيبهن﴾ وهي المتقدمة على سورة النور وما فيها من قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قال الحافظ ابن حجر: (ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله ﷺ بها فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك) (١) انتهى. كما هو جلي وواضح والحمد لله.
قال الإمام البيهقي: (وغزوة بني قريظة كانت عقيب الخندق في سنة خمس فنزول الحجاب كان بعده والله أعلم) (٢) انتهى.
٤ - وسوف نأتي لمزيد من الأدلة الأخرى عند تفسير آيات سورة النور بمشيئة الله تعالى (٣).
_________
(١) فتح الباري (٨/ ٤٦٣).
(٢) سنن البيهقي الكبرى (٧/ ٩٢) "باب مساواة المرأة الرجل في حكم الحجاب والنظر إلى الأجانب".
(٣) تفسير آيات سورة النور، المبحث الثاني صفحة (٩٣).
1 / 16
كيف مهد الإسلام لتشريع فريضة الحجاب؟:
من بداية سورة الأحزاب والله ﷿ يمهد لفريضة الحجاب وذلك بعدة أمور، ومن العجيب الذي لا يمكننا أن نلخصه في هذه العجالة أنك ترى في سورة الأحزاب أعظم تمهيد لحدث لم يكن مألوفًا ولا معتادًا على المسلمين، فقد شملت من الترغيب والترهيب وبيان عظمة الله وقدرته والتسليم لأمره وأنه ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وغير ذلك مما جاء لعدة أغراض وأسباب، من ضمنها نزول فريضة الحجاب ولا يمكنني التعبير عن دقة ذلك وعظمته وتدرجه، فأحيل القارئ الكريم لقراءة السورة كاملة، وهي التي حوت فريضة الحجاب وأول ما نزل في شأنها ولا بأس أن نُذكِر ببعض التمهيد العام والخاص في ذلك، فمن التمهيد العام والذي سبق نزول فريضة الحجاب:
أ- عدم طاعة الكافرين والمنافقين والإعراض عن أذاهم:
أن فريضة الحجاب والنقاب وستر النساء لوجوههن عن الرجال لم يكن ذلك بالأمر المألوف أو الهين على المسلمين كونه لم يكن مشروعًا قبل ذلك وكانت نساء الصحابة وزوجات رسول الله ﷺ يكشفن على الرجال، كما دلت على ذلك النصوص العديدة، فلم يكن تغيير ذلك الواقع سهلا بالنسبة لهم ولابد وأن النفوس البشرية ستستصعب ذلك.
كما لا ننسى أعداء الإسلام من المنافقين والمشركين وأهل الكتاب وكيف أنهم مشهورون بالسخرية والاستهزاء بالمؤمنين، ويحاربون كل
1 / 17
حكم وفريضة إسلامية يأتي بها الله تعالى، لهذا عندما تقرأ بدايات سورة الأحزاب، وإن جاءت لأسباب معينة كما ذكر ذلك بعض أهل التفسير فلا يمنع من أنها مهدت لفريضة الحجاب بأعظم تمهيد وتجهيز لنفوس عباده المؤمنين والمؤمنات لاستقبال أحكام الحجاب وغيره من الأحكام التي لم يكن المجتمع المسلم متعودًا عليها ومن أهمها إلغاء التبني والأمر بفريضة الحجاب فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإنك لتعلم مدى قوة هذين الأمرين وصعوبتهما على النفوس وخوفها من نظرة الآخرين وكلامهم وانتقاداتهم، وإنك لتعلم مدى رحمة الله بعباده عندما تقرأ في أول سورة الأحزاب تلك البداية العجيبة التي تقشعر منها الجلود وهي قوله تعالى في أول آية منها:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١﴾ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿٢﴾ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿٣﴾ [الأحزاب].
فالأمر بعدم طاعة الكافرين والمنافقين لم يوجهه الله للمؤمنين مباشرة وإنما وجهه لأعلى شخصية إسلامية بأن يتقي الله، ويكون القدوة لأتباعه لتنفيذ ما يُوحَي إليه من ربه، في نفسه وأهل بيته وعموم المسلمين، ولا يطيع الكافرين والمنافقين ولو كانت أمورًا عظيمة في جانب التوحيد أو التشريع مما لم يألفوها ويتعودوا عليها، فهو العليم الحكيم بما ينفع عباده، وهذا أروع استهلال وأعظم مقدمة تقشعر منها القلوب والجلود وتسلم لها الجوارح على حكمة العليم الحكيم ليهدم
1 / 18
قضية التبني ويُعد المؤمنين لاستقبال فريضة الحجاب والنقاب، وبذلك يجهز النفوس المؤمنة لمجابهة اللمز والغمز والمضايقات من أعداء الدين، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿٣٦﴾ [الأحزاب] ولهذا كرر ﷾ ما قاله في أول السورة قبل آيات فرض الحجاب في البيوت كما في الآية الثامنة والأربعين فقال: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿٤٨﴾ [الأحزاب].
ثم كررها قبل آية الحجاب خارج البيوت كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿٥٧﴾ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿٥٨﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٥٩﴾ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿٦٠﴾ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿٦١﴾ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿٦٢﴾ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿٦٣﴾ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴿٦٤﴾ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿٦٥﴾ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ
1 / 19
وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴿٦٦﴾ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴿٦٧﴾ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴿٦٨﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴿٦٩﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿٧١﴾ [الأحزاب].
وسبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة! فقد تكالب أعداء الإسلام وقاموا بحملة ضد النقاب ومنع المسلمات في كثير من دول العالم من تغطية وجوههن والاقتداء بزوجات رسول الله ﷺ ونساء صحابته الكرام وأصدروا تشريعاتهم في ذلك لمحاربته والسخرية منه.
لهذا ستجد أيها القارئ الكريم أن سورة الأحزاب من أولها وحتى آخرها تدور حول إعداد النفوس المسلمة لمواجهة أوامر الله جميعها السابقة أو الجديدة عليهم والتي لم يتعودوها ومنها ما نحن بصدده من الأمر بفريضة الحجاب وغير ذلك بالرضا والتسليم وعدم طاعة الكافرين والمنافقين والمرجفين والإعراض عن أذاهم القولي أو الفعلي والتوكل على الله وكفى بالله وكيلًا.
ب - مهد الله قبل فرض الحجاب بتذكيرهم بيوم الأحزاب يوم أن نجاهم الله من شر عظيم وفزع كبير، فكان في الأمر للنساء بقرارهن في بيوتهن وسترهن لوجوههن سكينة ووقار وطمأنينة لهن مما لا تحتمله النساء من الشدة والعناء والجهاد والمصاعب:
1 / 20
فقبل أن يفرض الحجاب بدأ بتذكيرهم بنعمته عليهم ورعايته لهم من كيد أعدائهم ومكرهم يوم الأحزاب يوم أن تكالبوا عليهم وبلغت القلوب الحناجر ولم يكن لهم من ملجأ إلا اللهَ ﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿٩﴾ [الأحزاب]، وهذا من أعظم الدواعي المحفزة للاعتماد عليه والأخذ بما أمر وشرع، وأنهم حين يتبعون أمره فلا غالب لهم، مهما بلغت قوة أعدائهم.
ج- مهد الله لفريضة الحجاب بتشريف زوجات نبيه ﷺ بأن جعلهن أمهات للمؤمنين، ثم أمرُهُ لهن، بعد ذلك بالبعد عن مثيرات الشهوات والحجاب ممن قضى أنهم أبناء لهن، فكن بذلك مخصوصات عن بقية أمهات العالمين بالتحجب من أبنائهن:
وهذا أعظم تمهيد عندما أعلن الله في بدايات السورة تكريمه لزوجات النبي ﷺ بما أعلى به قدرهن، ورفع به شأنهن، بأن جعلهن أمهات للمؤمنين فقال: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ... ﴿٦﴾ [الأحزاب]، ولهذه البداية حكمة عظيمة قبل فرض الحجاب فبعد هذا التكريم صرن أمهات للمؤمنين، ولهذا أكثر المؤمنون قبل نزول الحجاب من الدخول على بيوت النبي ﷺ بدون ترتيب أو استئذان حتى كان يدخل عليهن البر والفاجر، كما أخبر أنس، قَالَ: (قَالَ عُمَرُ ﵁: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ فَلَوْ أمرتَ أمهات المؤمنين بِالحِجَابِ فأنزل اللَّهُ آية الحِجَابِ) أخرجه البخاري
1 / 21