The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
اصناف
موقف أمراء الشام من دعوة قطز توحيد مصر والشام
قرر قطز ﵀ أن يسعى للوحدة بين مصر والشام، ووجد قطز ﵀ أن رأس هؤلاء والمقدم عليهم هو الناصر يوسف الأيوبي صاحب إماراتي حلب ودمشق، فقد كان يعتبر أكبرهم، ويحكم أعظم مدينتين في الشام حلب ودمشق، وكان قطز يعلم تمام العلم كراهية الناصر يوسف له، وأنه قد فكر في حربه أكثر من مرة، بل إنه قد طلب من التتار شخصيًا أن يساعدوه في حرب مصر، ومع كل هذا فقد أرسل له قطز ﵀ رسالة تفيض رقة وعذوبة، وكأنه يخاطب أقرب المقربين إليه، وكانت هذه الرسالة قبل قدوم التتار إلى حلب، أي: أنه كان هناك فرصة للتعاون بين الناصر يوسف الأيوبي مع قطز ضد التتار، وقد كان الناصر يوسف قد أعلن الجهاد الزائف هذا أمام التتار وعسكر عند دمشق كما تكلمنا من قبل، فأراد قطز ﵀ أن يوحد بينه وبين الناصر يوسف على ما فيه من عيوب وخطايا.
كان قطز يعلم أن أعظم أهداف الناصر في حياته هو البقاء في كرسي الحكم، وأنه لن يضحي به مهما كانت الظروف، ولذلك فقد أرسل قطز ﵀ إلى الناصر رسالة عجيبة تمامًا، يعرض عليه فيها الوحدة بين مصر والشام على أن يكون الناصر يوسف الأيوبي ملكهما، وأن يكون قطز تابعًا له، مع أن موقف قطز العسكري والسياسي أفضل بكثير من موقف الناصر يوسف، ومصر كدولة أقوى بكثير من مدينتي حلب ودمشق، فقد قال له في رسالته: إنه لا ينازع الملك الناصر في الملك ولا يقاومه، وأنه نائب عنه في ديار مصر، وأن الناصر متى جاء إلى مصر قعد فورًا على كرسي الحكم فيها، على أن تتوحد مصر والشام.
وهذه الأمور لا يتخيلها إنسان بموازين السياسة المادية، ولا يمكن أن تفهم هذه الأمور إلا إذا أدخل فيها البعد الإيماني الأخلاقي، وليس السياسي فقط.
ولما كان يعلم قطز ﵀ أن الناصر يوسف قد يتشكك في أمر الوحدة الكاملة بين الدولتين، أو يخاف أصلًا من القدوم إلى مصر عرض على الناصر يوسف أن يقوم قطز ﵀ بإمداده بالمساعدة لحرب التتار؛ فتتحقق المصلحة المشتركة في هزيمة التتار، وإن لم تتحقق الوحدة الكاملة بين مصر والشام، فقال له: لو أردت أن نتوحد نتوحد، ولو أردت أن أساعدك على محاربة التتار دون توحد ساعدتك؛ لأن الهدف في النهاية واحد وهو هزيمة التتار.
ثم قال له في رسالته في أدب جم وخلق رفيع: وإن اخترتني مساعدًا لك خدمتك، وإن اخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك، لمساعدتك في حرب القادم عليك، يعني: التتار، وإن كنت لا تأمن حضوري وتخاف أن آتي بالجيش لأحتل بلادك، سيرت لك العساكر صحبة من تختاره، فهو يعطي الناصر يوسف صلاحيات اختيار القائد للجيش المصري الذي سيذهب لمساعدة الناصر يوسف في حربه ضد التتار، وسيبعث له الجنود في إمرة من يختار؛ ليساعدوه في حرب التتار، أو نتوحد ونحارب التتار سويًا.
ولكن الناصر يوسف لم يكن ليعي هذا الكلام أبدًا، ولم يستجب لهذه النداءات النبيلة من قطز، وآثر التفرق على الوحدة؛ لأنه لم يكن له نية للحرب ألبتة، فهو لم يكن محتاجًا للجنود من أجل أن يحارب، فجيش الشام أعداده كبيرة، وجيش مصر تحت إمرته، بل كان تفكيره أن التتار متى ما وصلوا إلى دمشق فسوف يهرب مثل ما عمل بالفعل، فقضية الجهاد كانت ممحية تمامًا من ذهنه، ومرت الأيام وسقطت حلب وهددت دمشق، وفر الناصر فراره المخزي إلى فلسطين، وفي فلسطين حدث الذي كان لا بد أن يحدث منذ زمن، فعندما فر الناصر بجيشه إلى فلسطين خرج جيشه عن طوعه، وآثر الانضمام إلى جيش مصر حيث القائد المحنك المسلم المخلص قطز ﵀، وحيث القضية الواضحة والهدف الثابت: الجهاد في سبيل الله، وليس في سبيل الكرسي، فلما وجد الناصر نفسه وحيدًا اضطر إلى الفرار إلى الكرك ثم إلى الصحراء، وسوف ننظر كيف كانت نهايته.
ازداد قطز ﵀ قوة بانضمام جيش الناصر الشامي له، فعندما فر الناصر إلى الصحراء ذهب هذا الجيش بكامله إلى مصر وانضم إلى قطز ﵀، وهذه قوة أضيفت إلى جيش المسلمين بسبب الوحدة بين الجيشين، ولم يكتف قطز ﵀ بهذه الجهود الدبلوماسية مع الناصر، بل راسل بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماه، وقد كانت حماه إمارة مستقلة على رأسها المنصور، فجاء إلى مصر بفرقة من جيشه لينضم إلى جيش مصر الذي سيقاتل بعد ذلك التتار.
وأرسل أيضًا رسالة إلى
8 / 14