306
وتَخَوُّفَ الأَنْصَارُ مِنْ بَقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ، فَقَالَ ﷺ: "كَلَّا، إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ".
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ بِمَكَّةَ لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَلَسَ لَهُمْ عَلَى الصَّفَا، ثم بَايَعَ النِّسَاءَ، وفِيهِنَّ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ. وأقام ﷺ عام الفتح بمكة تسعة عشر يومًا على الأرجح.
وفي رمضان بعث رسول الله ﷺ عمرو بن العاص إلى سواع ليهدمه، وسواع صنم لقوم نوح ﵇، ثم صار بعد ذلك لقبيلة هذيل المضرية، وظل هذا الوثن منصوبًا تعبده هذيل وتعظمه، حتى إنهم كانوا يحجون إليه، حتى فتحت مكة ودخلت هذيل فيمن دخل في دين الله أفواجًا، وكان موضعه برهاط على قرابة ١٥٠ كيلو مترًا شمال شرقي مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن: ما تريد؟ قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أهدمه قال: لا تقدر على ذلك قال: لم؟ قال: تُمنع. قال: حتى الآن أنت على الباطل؟ ويحك فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئًا، ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله.
ولما اطمأن رسول الله ﷺ بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من هذا الشهر الكريم ليهدمها وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وهي أعظم أصنامهم. وكان سدنتها بني شيبان؛ فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها. ولما رجع إليها سأله رسول الله ﷺ:"هل رأيت شيئًا؟ " قال: لا، قال: "فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها". فرجع خالد متغيظًا قد جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره، فقال: "نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدًا".

1 / 337