النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق

Hasan Ismail Abdel Razeq d. 1429 AH
129

النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق

النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق

ناشر

دار الطباعة المحمدية القاهرة

ایڈیشن نمبر

الأولى ١٤٠٣ هـ

اشاعت کا سال

١٩٨٣ م

پبلشر کا مقام

مصر

اصناف

منزلة المتردد، وذلك إذا قدم له في الكلام ما يلوح له بالخبر، فيستشرف له استشراف الطالب المتردد، وحينئذ يحسن تأكيد الخبر له بمؤكد واحد يزيل تردده. انظر إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ (١) فمطلع الكلام وهو قوله: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ معناه: لا تدعني يا نوح في شأن قومك، واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك، وهذا كلام يوحي بالخبر، ويهيئ النفس لأن تظن بأنهم مغرقون، وخصوصًا بعد أن تقدم قوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا، فقد أوحى الله إليه بأن قومه لن يؤمنوا، ثم أمره بصنع الفلك، فالإيحاء بأنهم لن يؤمنوا: إشارة إلى أنهم سيقع بهم عذاب، والأمر بصنع الفلك: إشارة واضحة إلى أنهم مغرقون لا محالة. ولما تضمن سابق الكلام هذا الإيحاء بالخبر، صار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكومًا عليهم بالإغراق أم لا؟ وبطلبه، فنزل منزلة السائل، وقيل: "إنهم مغرقون" مؤكدًا، أي: محكوم عليهم بالإغراق. ويكثر هذا الأسلوب في القرآن الكرين، حتى إنه - كما يقول عبد القاهر - لا يدركه الإحصاء، ويأتي بعد الأوامر والنواهي. استمع إلى قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (٢).

(١) ... هود: ٣٧، والمؤمنون: ٢٧. (٢) ... الحج: ١.

1 / 132