ولا ريب أن التركيب الذي اشتمل على إسنادين أقوى وأكد مما اشتمل على إسناد واحد.
ثانيًا: التفصيل بعد الإجمال، وذلك لأنه لما قال: (لبيك يزيد) فأسند الفعل إلى نائب الفاعل، وقد أبهم الفاعل، ولكنه لما قال: (ضارع) وكان التقدير: (يبكيه ضارع) قد نص على ذلك الفاعل، ولهذا يكون الشاعر قد أجمل ذكر الفاعل أولًا، ثم فصله ثانيًا.
ولا ريب أن الإيضاح بعد الإبهام، أو التفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس، لما هو مركوز في الطباع، من أن إبهام الشيء أو إجماله مما يشوق إلى إيضاحه وتفصيله.
ثالثًا: أن نائب الفاعل هنا - وهو: (يزيد) هو المقصود من المرئية، لأنها إنما قيلت من أجله لتعداد مناقبه وبيان مآثره، فناسب أن يطوي ذكر الباكي ويذكر المبكي عليه وهو: (يزيد) ويصير عمدة في الكلام، ولو لم يسلك به الشاعر هذا الصنيع لصار (يزيد) فضلة لا عمدة في الكلام، ولأصبح الاهتمام موجهًا إلى الباكي لا إلى المبكي عليه، وذلك مما لا يناسب مقام الرثاء، ولا يتفق وغرض الشاعر.
رابعًا: أن الشاعر لما قال: ليبك يزيد، فأسند الفعل إلى نائب الفاعل كان الكلام بذلك قد تم وليس محتاجًا إلى فاعل ليتم به، ولكنه لما ذكر الفاعل بعد ذلك فقال: (ضارع) كان مجيئه كالغنيمة غير المتوقعة، وذلك أشهى عند النفس، وأحلى عندها موقعًا.
ولكنه لو بنى الفعل للفاعل، فقال: (ليبك يزيد) بنصب "يزيد" لأصبح الفاعل مترقبًا ذكره، لأنه لابد للفعل من فاعل، فلا يكون موقعه في النفس - عند مجيئه- ذلك الموقع الذي أسلفنا.
٢ - ذكر المسند:
ذكر البلاغيون أن المسند يذكر لنفس الأغراض التي اقتضت ذكر المسند إليه ومنها: