The Pure Rhetoric in Meanings, Clarity, and Elocution
البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
ناشر
المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة
ایڈیشن نمبر
سنة ٢٠٠٦ م
پبلشر کا مقام
مصر
اصناف
وقد رأيت مما أسلفنا لك أن الاستعارة في المشتقات يجرى التشبيه- أولًا- في مصادرها لا في ذواتها، ولهذا فإن الاستعارة إنما سميت بهذا الاسم، لأنها قد جرت في الفعل والمشتقات تبعًا لجريانها في المصادر. لأن المصدر هو المعنى القائم بالذات فهو أسبق في الاعتبار وأولى.
ومثال الاستعارة في الحرف: قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] فلام العلة: موضوعة لترتب ما بعدها على ما قبلها ترتب العلة على المعلول، وعلى هذا، فاللام في قوله تعالى: "ليكون" مستعملة في غير ما وضعت له، لأن ما بعدها- وإن كان مترتبًا على ما قبلها- ليس على باعثة عليه، لأن آل فرعون لم يلتقطوا موسى- ﵇ ليكون لهم عدوًا وحزنًا، وغنما التقطوه ليكون لهم حبيبًا وسرورًا، ولكن لما كانت النتيجة المترتبة على الالتقاط هي العداوة ولحزن لا المحبة والسرور، شبه العداوة والحزن المترتبين على الالتقاط في الواقع بالمحبة والسرور واللذين كان ينبغي أن يترتبا عليه ثم استعملت فيه اللام تجوزًا.
وإجراء الاستعارة فيه أن تقول: شبه العداوة والحزن المترتبين على الالتقاط بالعلة الحقيقية وهي المحبة والسرور، وبجامع الترتب على الالتقاط في كل منهما فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب العلة الحقيقية عليه بجامع مطلق ترتب شيء على شيء، ثم استعيرت اللام الموضوعة لترتب العلة الحقيقية على الالتقاط، لترتب غير العلة الحقيقية عليه على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
قرينة الاستعارة التبعية
ترجع قرينة الاستعارة التبعية- في الفعل والمشتقات- غالبًا، إلى ما يأتي:
أولًا: الفاعل: وذلك أن يكون بإسناد الفعل إليه غير صحيح، فيدل ذلك على أن المراد بالفعل: معنى يناسب الفاعل، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١] إذ الطغيان بمعناه الحقيقي يستحيل صدوره من
1 / 48