160

The Prophetic Biography between Narrated Traditions and Quranic Verses

السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية

اصناف

التي حلت عليها في تلك السنة الشهباء، وما عاشوا فيه من بركاته إلى أن ردته إلى أمه.
وبركاته الحالة عليهم بغض النظر عن صحة هذه الرواية بالذات ليست مما ينكره الواقع والعقل والشرع، فقد ذكرنا في قصة عيسى ﵇ الشرع الذي لم ينكره الواقع، ولم يدفعه العقل في قوله ﵊: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: ٣١] فتلك بركات السيد الجليل عيسى ﵇ فما بالك ببركات النبي الخاتم الذي بشر به عيسى نفسه عليهم صلوات الله وسلامه، وعليه يمكن أن نقول بظهور تلك البركات، فخلال حياته ﷺ في رعاية حليمة السعدية وقعت للنبي ﷺ إرهاصات دلت على تلك البركات، وعلى عناية الله به، وحفظه إياه، حيث درَّ ثديها باللبن بمجرد حلول الرسول ﷺ عليها، فارتوى هو وابنها الذي كانت تحمله بعد أن كان يبكي من الجوع لجفاف ثدي أمه، ولا ينام هو وأهله، وامتلأ ضرع راحلتها باللبن بعد أن كان يابسًا، فشبعت هي وزوجها، وسبقت راحلتها الركب بعد أن كانت عجفاء تسير في مؤخرة الركبان، وحيثما حلَّت أغنام حليمة تجد مرعى خصبًا، ولا تجد أغنام غيرها شيئًا، وكان ينمو نموًا سريعًا لا يشبه نمو الغلمان، وكل ذلك كما أشرنا شيءٌ يسير في قدرة الله، ووقوعه لأصفيائه من البشر.
نعود إلى حديث حليمة، فقد ذكر المحدثون المحققون أن الحديث ضعيف السند مع أنه خبر مستفيض في كتب السيرة، قديمها وحديثها. (١)
وأقدم من أورده من كتَّاب السيرة ابن إسحاق (ت١٥١ هـ) (٢)، وقال فيه الإمام الذهبي: "هذا حديث جيد الإسناد" (٣)، وقال الحافظ بن كثير: "وهذا الحديث قد روي من

(١) أكرم العمري، "صحيح السيرة"، (١٠٢/ ١) وغيرها.
(٢) ابن هشام "السيرة" (١٤٩ - ١٥٣/ ١)، وابن حبان "موارد الظمآن" (٥١٢، ٥١٣)، وأبو نعيم "دلائل النبوة" (١٩٣ - ١٩٦/ ١) وغيرها.
(٣) السيرة النبوية (٨).

1 / 167