The Night Prayer in Ramadan: Virtue, Performance, and Legality of Congregation with a Valuable Study on Retreat (I'tikaf)
قيام رمضان فضله وكيفية أدائه ومشروعية الجماعة فيه ومعه بحث قيم عن الاعتكاف
ناشر
المكتبة الإسلامية-عمان
ایڈیشن نمبر
الطبعة الثانية ١٤٠٤هـ
پبلشر کا مقام
الأردن
اصناف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله، وصلاة وسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن اتبع سنته وهداه.
أما بعد، فهذه هي الطبعة الثانية لرسالتي "قيام رمضان" أقدمها إلى القارئ الكريم بمناسبة قرب شهره المبارك سنة "١٤٠٦ هـ" بعد أن نفدت نسخ الطبعة الأولى، وكثرت الطلبات عليها، فأعدت النظر فيها، فهذبتها ونقحتها، وألحقت بها تخريجات عديدة، وفوائد جديدة تسر الناظرين إن شاء الله تعالى، ومن أهمها ما يراه القارئ في "الاعتكاف".
والله ﷾ أسأل أن يجعل الصواب حليفي، وأن يغفر لي ما نَبَا عن الصواب فهمي، ونَدَّ عنه قلمي، وأن يجعله خالصًا لوجهه، إنه عفو كريم.
عمان ٧ شعبان سنة ١٤٠٦ هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني
1 / 3
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد، فقد صح عن ابن مسعود موقوفًا، وهو مرفوع إلى النبي ﷺ حُكْمًا، أنه قال:
"كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة، إذا ترك منها شيء" قيل: تركت السنة؟ قالوا: ومتى ذاك؟ قال: "إذا ذهبت علماؤكم، وكثرت قُراؤكم، وقَلَّت فقهاؤكم، وكَثُرت أمراؤكم، وقلَّتْ أمناؤكم، والتُمِسَتِ الدنيا بعمل الآخرة، وتُفُقهَ لغير الدين"١.
قلت: وهذا الحديث من أعلام نبوته ﷺ وصدق رسالته، فإن كل فقرة من فقراته، قد تحقق في العصر الحاضر، ومن ذلك كثرة البدع وافتتان الناس بها حتى اتخذوها سنة، وجعلوها دينًا
_________
١ رواه الدارمي ١/٦٤ بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، والحاكم ٤/٥١٤ وغيرهما.
1 / 4
يُتَّبع، فإذا أعرض عنها أهل السنة حقيقة، إلى السنة الثابتة عنه ﷺ قيل: تُركت السنة!
وهذا هو الذي أصابنا نحن أهل السنة في الشام، حينما أحْيَيْنا سنة صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة مع المحافظة فيها على الاطمئنان والخشوع والأذكار المتنوعة الثابتة عنه ﷺ، بقدر الإمكان، الأمر الذي ضيعته جماهير المحافظين على صلاتها بعشرين ركعة، ومع ذلك فقدت ثائرتهم، وقامت قيامتُهم حينما أصدرنا رسالتنا "صلاة التراويح"١، وهي الرسالة الثانية من رسائل كتابنا "تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة"، لما رأوا ما فيها تحقيق:
_________
١ لقد أعاد طبع هذه الرسالة طبعة ثانية أخونا زهير الشاويش، سنة ١٤٠٥ هـ، وبحرف جديد، ولكن لم تقدم تجاربها إليَّ لأتولى بنفسي تصحيحها، لصعوبة الاتصال بين بيوت وعمان، فوقع فيها قليل من الأخطاء المطبعية بعضها تبعًا للطبعة الأولى، منها ما في ص٣٢ وفي الطبعة الأولى ص٣٧: كمن يصلي مثلًا الظهر خمسًا، وسنة الفجر أربعًا! والصواب: "سنة الظهر خمسًا.." بدليل المعطوف عليه وسنة الفجر، والسباق والسياق. وقد استغل هذا الخطأ المطبعي بعض المبتدعة، وبنوا عليها علالي وقصورًا في رسالاتهم الآتي ذكرها، ولكنها ﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ...﴾ .
1 / 5
١- أن النبي ﷺ لم يُصَل التراويح من إحدى عشرة ركعة.
٢- وأن عمر ﵁ أمر أٌبَيَّا وتميمًا الداري أن يصليا بالناس التراويح إحدى عشرة ركعة وفق السنة الصحيحة.
٣- وأن رواية: أن الناس كانوا يقومون على عهد عمر في رمضان بعشرين ركعة، رواية شاذة ضعيفة مخالفة لرواية الثقات الذين قالوا: إحدى عشرة ركعة؛ وأن عمر ﵁ أمر بها.
٤- وأن الرواية الشاذة لو صحت لكان الأخذ بالرواية الصحيحة أولى لموافقتها للسنة في العدد، وأيضًا؛ فإنه ليس فيها أن عمر أمر بالعشرين، وإنما الناس فعلوا ذلك، بخلاف الرواية الصحيحة ففيها أنه أمر بإحدى عشرة ركعة.
٥- وأنها لو صحت أيضًا لم يلزم من ذلك التزام العمل بها، وهجر العمل بالرواية الصحيحة المطابقة للسنة بحيث يعد العامل بالسنة خارجًا عن الجماعة! بل غاية ما يستفاد منها جواز العشرين مع القطع بأن ما فعله ﷺ وواظب عليه هو الأفضل.
٦- وبينا فيها أيضًا عدم ثبوت العشرين عن أحد من الصحابة الأكرمين.
٧- وبطلان دعوى من ادعى أنهم أجمعوا على العشرين.
1 / 6
٨- وبينا أيضًا الدليل الموجب لالتزام العدد الثابت في السنة، ومن أنكر الزيادة عليه من العلماء، وغيره من الفوائد التي قلما توجد مجموعة في كتاب.
كل ذلك بأدلة واضحة من السنة الصحيحة، والآثار المعتمدة، الأمر الذي أثار علينا حملة شعواء من جماعة من المشايخ المقلدة، بعضهم في خطبهم ودروسهم، وبعضهم في رسائل ألفوها في الرد١ على رسالتنا السابقة، وكلها قَفْراء من العلم النافع، والحجة الدالة عليه، بل هي مُسَوةٌ بالسباب والشتائم، كما هي عادة المبطلين حينما يثورون على الحق وأهله، ولذلك لم نر كبير فائدةٍ في أن نضيع وقتنا بالرد عليهم، وبيان عوار كلامهم؛ لأن العمر أقصر من أن يتسع لذلك لكثرتهم، هداهم الله تعالى أجمعين.
ولا بأس من أن نضرب على ذلك مثلًا بأحدهم - هو عندي من أفضلهم وأعلمهم٢ - ولكن العلم إذا لم يقترن معه الإخلاص
_________
١ وآخرهم - فيما أعلم - محمد علي الصابوني في رسالته التي سماها على قاعدة "يسمونها..": "الهدي النبوي الصحيح في صلاة التراويح"، وأنظر للرد عليه مقدمة الجزء الرابع من كتابي "سلسلة الأحاديث الصحيحة"! !
٢ هو الشيخ إسماعيل الأنصاري الموظف في دائرة الإفتاء في مدينة الرياض.
1 / 7
والنزاهة في الأخلاق، كان ضرره على صاحبه أكثر من نفعه، كما يشير إلى ذلك قوله ﷺ:
"مثل الذي يُعَلّم الناس الخير وينسى نفسه، كمثل السراج يُضيء للناس ويحرق نفسه"١.
فقد ألف المشار إليه رسالة تحت عنوان "تصحيح حديث صلاة التراويح عشرين ركعة، والرد على الألباني في تضعيفه"! قد خرج فيها صاحبه عن طريقة أهل العلم في مقارعة الحُجَّةِ بالحجة، والدليل بالدليل، والصدق في القول، والبعد عن إيهام الناس خلاف الواقع، وها نحن نُشير إلى شيء من ذلك بما أمكن من الإيجاز في هذه المقدمة فنقول:
١- إن كل من يقرأ العنوان المذكور لرسالته يتبادر إلى ذهنه أنه يعني الحديث المرفوع في العشرين وهو ضعيف اتفاقًا، فإذا قرأ صفحات من أولها، تبين له أنه يعني الأثر المروي من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة!
_________
١ رواه الطبراني والضياء المقدسي في "المختارة" عن جندب وإسناده جيد. وأنظر "صحيح الترغيب" ١/٥٦/١٢٧.
1 / 8
وبذلك يعلم القارئ أن موضوع الرسالة شيء، وعنوانها شيء آخر، وذلك هو التدليس بعينه، نسأل الله السلامة والعافية.
٢- ومن ذلك أنه سود ثلاث صفحات منها "١٤- ١٦" في الدفاع عن يزيد بن خصيفة المذكور، وإثبات أنه ثقة، وذلك ليوهم القراء - الذين يجدون فيها عددًا من الأئمة قد وثقوه - أنني قد خالفتهم جميعًا بتضعيفي إياه! وليس الأمر كذلك، فإني قد تابعتهم في التوثيق، كما يأتي.
٣- بل إنه جاوز حد الإيهام والتدليس بذلك إلى التصريح المكشوف بالكذب وبخلاف الواقع، فقال
"ص١٥": "إن الألباني زعم تضعيفه".
وهذا كذب فاضح، فإن الحقيقة أنني صرحت في رسالتي "ص٥٧" أنه ثقة! وغاية ما قلت فيه:
"إنه قد ينفرد بما لم يروه الثقات، فمثله يرد حديثه إذا خالف من هو أحفظ منه، ويكون شاذًا كما تقرر في علم المصطلح، وهذا الأثر من هذا القبيل..".
ومثل هذا الكلام وإن كان يعد غمزًا في الثقة عند العلماء، ولكنه لا يعني أنه ضعيف يرد مطلقًا، بل هو على العكس من ذلك، فإنه إنما يعني أن حديثه يقبل مطلقًا إلا عند المخالفة، وهذا
1 / 9
ما صرحت به في آخر الكلام المذكور بقولي: "وهذا الأثر من هذا القبيل".
وعلى ذلك يدور كل كلامي المشار إليه في رسالتي، فتجاهل الطاعن ذلك كله، ونسب إليَّ ما لم أقل، فالله تعالى حسيبه!
٤- ولم يكتف الشيخ المُومَأٌ إليه بالفرية المذكورة، بل إنه نسب إلي فضيحة أخرى فقال (ص٢٢":
"فليس من اللائق لمن يترك رواية يزيد بن خصيفة الذي احتج به الأئمة كلهم أن يقبل الاحتجاج برواية عيسى بن جارية الذي ضعفه يحيى بن معين و.. و..".
والحقيقة أنني لم أحتج مطلقًا برواية عيسى المذكور، بل أشرت إلى أنه لا يحتج به، وذلك حين قلت
"ص٢١":
"سنده حسن بما قبله".
لأنني لو احتججت به كما افترى الشيخ لم أقل: " ... بما قبله" فإن هذه الكلمة قرينة قاطعة على أن هذا الراوي ليس ممن يحتج به عند قائلها، بل هو عنده ضعيف يستشهد به فحسب، ويحسن حديثه، إذا وجد ما يشهد له، وقد وجُد، وهو الحديث المشار إليه بقولي: "بما قبله"، وهو حديث
1 / 10
عائشة ﵂ قالت: ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.. الحديث أخرجاه الشيخان وغيرهما.
فهل الشيخ من الجهل بعلم الحديث إلى درجة أنه لا يفهم مثل هذه الجملة: "سنده حسن بما قبله"؟!
ولا سيما وقد زدتها بيانًا حينما أعدت الحديث بتخريج آخر "ص ٧٩-٨٠" ونقلت عن الهيثمي أنه حسن، فتعقبته بقولي ما نصه:
"وسنده محتمل للتحسين عندي، والله أعمل"!
أم هو التجاهل المتعمد والافتراء المحض؛ لضغينة في قلبه؟ ورحم الله من قال:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبةُ أعْظَمُ
ومما يدل القارئ على أن الشيخ يدري..! قوله "ص٤٦" وقد ذكر حديث جابر: "لا تنتفعوا من الميتة بشيء" مقلدًا لقول من حسنه:
"فليس من اللائق للألباني تضعيف حديث حسن بوجود طرق له أٌخرى ضعيفة، فإن ذلك خلاف ما قرره أئمة الفن"!
فإذن؛ فأنا لما حسنت حديث عيسى بن جارية المتقدم
1 / 11
بشهادة حديث عائشة له كان الشيخ على علم بأنني موافق في ذلك لما قرره أئمة الفن! ولذلك لم يستطع هو أن يخطئني في ذلك، فلجأ إلى اختلاق القول بأنني احتججت له ليروي غيظ قلبه، فالله ﷿ حسيبه.
ثم ألا يلاحظ القارئ الكريم معي تلاعب هذا الشيخ بالحقائق العلمية، فإنه إذا كان لا يليق بي
- كما زعم - تضعيف حديث جابر: "لا تنتفعوا من الميتة بشيء"، لأن له - بزعمه - طريقًا أخرى وهي ضعيفة باعترافه ولو تقليدًا، فهل يليق به هو أن يضعف حديث جابر أيضًا المتقدم في صلاة النبي ﷺ لتراويح إحدى عشرة ركعة، وله شاهد صحيح من حديث عائشة ﵂ في الصحيحين يراه فيهما بعينه؟!!
أليس معنى هذا أن الشيخ يلعب على الحَبْلين، ويكيل بكيلين؟! فالله هو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأزيد الآن فأقول تبيانًا لحقيقة من الحقائق التي فاتت الشيخ إسماعيل الأنصاري - هداه الله -:
إنما قلت آنفًا: "بزعمه" إشارة مني إلى أن هذه الطريق التي نقل عن بعضهم تحسينها، وأخذ عليّ
تضعيفها، وهو يرى بعينه أن فيها عنعنة أبي الزبير عن جابر، هي نفسها الطريق الأخرى التي
1 / 12
قوَّى الأولى بها، فإن مدارها على أبي الزبير أيضًا، كما في "نصب الراية" "١/١٢٢"!
فهل أحاط علم الشيخ بأن من "ما قرره أئمة الفن" أنه يجوز تقوية الضعيف بنفسه وليس بمثله! أم هو إتباع الهوى ومحاولة الانتصار للأشياخ ولو بمخالفة الحق! أم هو التقليد لمثل الشوكاني في "النيل" الذي يكثر فيه النقل والتقميش، ويقل منه فيه التحقيق والتفتيش في مجال الكلام على الأحاديث.
لكن هذا لا يمنعني - بفضل الله وتوفيقه - من التصريح بأنني وجدت فيما بعد شاهدًا قويًا لحديث جابر هذا وبلفظه من حديث ابن عُكيم ﵁، لم أر أحدًا قبلي قد ذكره أو أشار إليه، وهو صحيح الإسناد عندي، كما تراه مشروحًا في كتابي "إرواء الغليل" "١/٧٨".
فلو أن الشيخ الأنصاري أراد العلم والنصح والإرشاد، لم يسئ بجعل الطريق الواحد طريقين، ولأحسن إلينا بالدلالة على هذا الشاهد، ولكن الأمر كما قيل: "فاقد الشيء لا يعطيه"، فقد رايته ذكر في رده "ص٤٨" أن حديث ابن عكيم عند الدارقطني، وأن معناه ومعنى حديث جابر واحد!
ومع أنني لا أدري والله - ولا أظن أنه هو يدري - لماذا خص الدارقطني بالذكر دون سائر أصحاب السنن مع أن لفظه ولفظهم
1 / 13
واحد: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"، وأن دعواه أنه بمعنى حديث جابر غير مُسَلَّمٍ لأنه أخص منه كما هو ظاهر، فقد فاته اللفظ الذي هو بلفظ حديث جابر بالحرف الواحد.
فالحمد لله الذي هداني- ولو بعد حين - إليه، ولم يسلط أحدًا - بسبب غفلتي السابقة عنه - عليّ، وإلا.. نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.
٥- ولم يقتصر الشيخ على ما سبق من الافتراء عَلَيَّ، فقد نسبني "ص٤١" إلى تجهيل السلف!
﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] .
والحق أنه لا ذنب لي عند الشيخ وأمثاله من المقلدة والحاقدين إلا أنني أدعو إلى إتباع السلف الصالح والتمسك بمذهبهم، لا بمذهب أشخاص معينين منهم، فذلك هو الذي حمل الشيخ أن يقف مني موقف الخصم الحاقد، مسايرة منه للجمهور المقلد، الذي لا يعرف من الدين إلا ما وجد عليه الآباء والأجداد، إلا من عصم الله، وقليل ما هم.
ومن عجيب أمر هذا الشيخ أنه مر بكل تلك المسائل التي سبقت الإشارة إليها، وحققنا القول فيها، ولا شك أنه معنا في بعضها على الأقل أو جلها، فلم يبين موقفه منها، مثلًا قولنا: إنه لا يلزم من ثبوت أثر العشرين ترك العمل بالرواية الأخرى المطابقة
1 / 14
حديث عائشة أن النبي ﷺ كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، وهل الأفضل العمل بسنته ﷺ أو بما فعله الناس في عهد عمر على فرض ثبوت ذلك عنهم؟!
لم يُظهر الشيخ موقفه من ذلك، لأنه إن رجح خلاف السنة انفضح أمره بين أهل السنة، وإن رجح السنة وافق الألباني، وهذا مما لا تسمح به نفسه لسبب أو لأكثر مما لا يخفى على القارئ اللبيب!
هذا مثال من الردود التي اطلعنا عليها، مما رُدَّ به على رسالتنا "صلاة التراويح" وهو من أمثل الردود، ومع ذلك، فقد عرف القارئ الكريم نماذج مما جاء فيه، مما يتجلى فيه التجرد عن الإنصاف، والبعد عن سبيل أهل العلم الذين لا يبتغون سوى بيان الحقيقة، وإذا كان هذا من أفضلهم وأعلمهم، فما بالك بغيره ممن لا عم عنده ولا خُلُق؟!
ذلك، ولما كانت رسالتنا المذكورة "صلاة التراويح" قد مضى على طبعها زمن غير قصير، ودعت الحاجة إلى إعادة طبعها، وكانت من حيث أسلوبها قد حققت أهدافها، وأدت أغراضها، التي أهمها تنبيه الجمهور إلى السنة في صلاة التراويح، والرد على المخالفين لها، حتى انتشرت هذه السنة في كثير من مساجد سورية والأردن وغيرهما من البلاد الإسلامية،
1 / 15
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، لذلك فقد رأيت أن أختصرها بأسلوب علمي محض، دون أن أتعرض فيها لأحد برد، على حد قول من قال: "ألق كلمتك وامْشِ"، ملخصًا كل الفوائد العلمية التي كانت في "الأصل"، مضيفًا إليها فوائد أخرى إتمامًا للفائدة، والله سبحانه المسؤول أن ينفع بها كما نفع بسابقتها، وأن يأجُرني عليها إنه أكرم مسؤول.
1 / 16
قيام رمضان
فضل قيام ليالي رمضان:
١- قد جاء فيه حديثان:
الأول عن أبي هريرة ﵁ قال:
كان رسول الله ﷺ يُرَغبُ في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول:
"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
فتوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك١، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر ﵁، وصَدْرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه٢.
_________
١ أي على ترك الجماعة في التراويح.
٢ أخرجه مسلم وغيره، وعند البخاري منه المرفوع من قوله ﷺ، وهو مخرج في "الإرواء" ٤/١٤/٩٠٦ وفي "صحيح أبي داود" ١٢٤١، يسر الله لي إتمام تأليفه ثم طبعه. وقول الأخ زهير في تعليقه على رسالتي "صلاة العيدين" ص٣٢ وقد أعاد طبعها سنة ١٤٠٤ هـ: "وقد يسر الله طبع الجزء الأول من "صحيح أبي داود" لأستاذنا الألباني" (زهير فلا أدري والله وجهه، فالجزء عندي،
ولم آذَنْ لأحد بتصويره وطبعه ونشره. ونحوه ما ذكره في طبعته الرابعة لكتابي "التوسل" سنة ١٤٠٣ هـ ص٢٢ أنه صدر المجلد الثالث من "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، وهو إلى هذا التاريخ رجب - ١٤٠٦ لم يصدر بعد!
1 / 17
والآخر: حديث عمر بن عمرو بن مرة الجهني قال:
جاء رسول الله ﷺ رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي ﷺ: "من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء" ١.
ليلة القدر وتحديدها:
٢- وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ، لقوله ﷺ:
"من قام ليلة القدر ثم وُفقَتْ له، إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" ٢.
_________
١ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" وغيرهما بسند صحيح، انظر تعليقي على "ابن خزيمة" ٣/٣٤٠/٢٢٦٢ و"صحيح الترغيب" ١/٤١٩/٩٩٣.
٢ أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة، وأحمد ٥/٣١٨ من حديث عبادة بن الصامت، والزيادة له، ولمسلم عن أبي هريرة.
"تنبيه": كنت ذكرت في الطبعة الأولى في آخر الحديث زيادة أخرى بلفظ: " وما تأخر " اعتمادًا مني على تصحيح المنذري والعسقلاني وغيرهما إياها، ثم يسر الله تعالى لي تتبع طرق الحديث ورواياته عن أبي هريرة وعبادة تتبعًا مستفيضًا لم أراه لغيري فتبين لي أنها زيادة شادة عن أبي هريرة، ومنكرة عن عبادة، وأن من حسّن هذه وصحح تلك فقد وهم لوقوفه مع ظاهر رجال الإسناد وعدم تتبعه للروايات، وقد حققت ذلك في بحث واسع جدًا، قد أودعته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" برقم ٥٠٨٣، ولذلك لم أذكر هذه الزيادة في حديث أبي هريرة لمَّا أوردته في "صحيح الترغيب والترهيب" ٩٨٢ ولا ذكرت معه حديث عبادة خلافًا لأصله "الترغيب" والله تعالى ولي التوفيق.
1 / 18
٣- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حُبَيش قال: سمعت أٌبيَّ ابن كعب يقول - وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر! - فقال أٌبَيٌّ ﵁: ﵀، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله ﷺ بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم١.
مشروعية الجماعة في القيام:
٤- وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من
_________
١ أخرجه مسلم وغيره. وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (١٢٤٧) .
1 / 19
الانفراد، لإقامة النبي ﷺ لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر ﵁ قال:
صمنا مع رسول الله رمضان، فلم يقم بنا شيئًا من الشهر، حتى بقي سَبْعٌ فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نَفَّلتنا قيام هذه الليلة، فقال:
"إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيام ليلة".
فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة١ جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفَلاح. قال: قلت:
ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر٢
السبب في عدم استمرار النبي ﷺ بالجماعة فيه:
٥- وإنما لم يقم بهم ﵊ بقية الشهر خشية
_________
١ يعني ليلة سبع وعشرين، وهي ليلة القدر على الأرجح كما سبق، ولذلك جمع فيها النبي ﷺ أهله ونساءه، ففيه استحباب حضور النساء هذه الليلة.
٢ حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في "صلاة التراويح" ص١٦-١٧ و"صحيح أبي داود" ١٢٤٥و "الإرواء" ٤٤٧.
1 / 20
أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما١ وقد زالت هذه الخشية بوفاته ﷺ بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولذلك أحياها عمر ﵁ كما في"صحيح البخاري"وغيره٢.
مشروعية الجماعة للنساء:
٦- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق، بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر ﵁ لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال:
كان علي بن أبي طالب ﵁ يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إمامًا وللنساء
إمامًا، قال: فكنت أنا إمام النساء٣.
_________
١ انظر سياقه وتخريجه في "التراويح" ص١٢-١٤.
٢ انظر تخريجه وكلام ابن عبد البر وغيره عليه في المصدر السابق ص ٤٩-٢٥.
٣ أخرجه والذي قبله البيهقي ٢/٤٩٤، وأخرج الأول منهما عبد الرزاق أيضًا في "المصنف" ٤/٢٥٨/٨٧٢٢، وأخرجهما
ابن نصر أيضًا في "قيام رمضان" ص٩٣، ثم احتج بهما على ما ذكرنا ص٩٥.
1 / 21
قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعًا، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.
عدد ركعات القيام:
٧- وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعًا لرسول الله ﷺ، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة ﵂ عن صلاته ﷺ في رمضان؟ فقالت:
ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا١.
٨- وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله ﷺ وقوله:
أما الفعل، فقد سئلت عائشة ﵂: بكم كان رسول الله ﷺ يوتر؟ قالت:
_________
١ أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "صلاة التراويح" ٢٠-٢١ و"صحيح أبي داود"١٢١٢.
1 / 22