The Nature of Innovation and Its Rulings
حقيقة البدعة وأحكامها
ناشر
مكتبة الرشد
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
كما قال ابن القيم ﵀: (.. أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام، ولا يخرجون بذلك عن الإيمان، وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين، وأكمل الأمة إيمانًا.. ولكن - بحمد الله - لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء، والصفات، والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة، كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلًا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلًا ولم يبدوا لشيء منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يدفعوها في صدورها، وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها، وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوا بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمرًا واحدًا، وأجروها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع، حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها، من غير فرقان مبين..) .
هكذا كان عصر خيرة أمة محمد ﷺ: اتباع عن طواعية ومحبة، وبعد عن البدع والجدل والخصومات، والمشكلات والمشتبهات، وكل ما فيه مغبة، وانتصار للحق الذي يؤمنون به، ودعوة إلى الله وجهاد في سبيله.
وإن كان قد حدث بعض الميل عن هذا الخط العام، والصراط الواضح، فإنما كان ذلك من بعضهم - عليهم رضوان الله - وكان بمثابة قزعة صغيرة من السحاب، في ليلة بدر ساطعة، لاحت ثم راحت، وأطلت ثم اضمحلت، فمن ذلك ما أراده النفر الثلاثة - عليهم رضوان الله - حين سألوا عن عبادة الرسول ﷺ فكأنهم استقلوها، فقال أحدهم: أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: لا أتزوج النساء، وقال الثالث: لا آكل اللحم، فنهى النبي ﷺ عن ذلك، وأخبرهم بالسنة، فانتهوا - عليهم الرضوان.
وحين تكلم بعض الصحابة في القدر، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فنهاهم عن ذلك الصنيع فانتهوا، ومنعهم من هذا ومثله فامتنعوا.
1 / 90