لإمام يحكم عليهم، كما هو حال العربان في البوادي البعيدين عن حكم السلطان، ففي نصب الإمام إثارة للفتنة، لأن الأهواء متخالفة فيميل كل حزب إلى واحد، وتقوم الحروب، وما كان هذا شأنه لا يجب، بل كان ينبغي أن لا يجوز، إلا أن احتمال الاتفاق على الواحد أو ترجحه من بعض الجهات منع الامتناع وأوجب الجواز (١). وأجاب الإيجي عن هذا الدليل بقوله: «إن هذا وإن كان ممكنًا عقلًا فممتنع عادةً، لما يرى من ثوران الفتن والاختلافات عند موت الولاة، ولذلك صادفنا العربان والبوادي كالذئاب الشاردة والأسود الضارية لا يبقي بعضهم على بعض ولا يحافظ في الغالب على سنة ولا فرض، فقد اختل أمرهم في دنياهم، وليس تشوفهم - أي تطلعهم - إلى العمل بموجب دينهم غالبًا فيهم بحيث يغنيهم عن رياسة السلطان عليهم، ولذلك قيل ما يزع السلطان أي يكفه أكثر مما يزع القرآن» (٢). ومن أحسن ما يُقال لهم ردًا عليهم إضافة - لما سبق - أنَّ رأيهم جاء بعد خلافة سيدنا علي ﵁ أي بعد انعقاد الإجماع، ونقض الإجماع بعد انعقاده لا يجوز. وقد كان الإمام علي ﵁ يرى أنَّ أمر الأمَّة لا ينتظم إلا بوجود أمير مهما يكن هذا الأمير؛ فقد قال لما سمع قومًا يقولون لا حكم إلا لله: «نعم لا حكم إلا لله ولكن لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل فيه المؤمن ويستمتع فيه الكافر ويبلغ الله فيها الأجل» (٣)، ونُقِلَ نحوه عن أبي بكر ﵁ (٤).

(١) شرح المقاصد للتفتازاني: ٥/ ٢٤٣. المواقف للإيجي: ٣/ ٥٨١ - ٥٨٢. شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٧. (٢) المواقف للإيجي: ٣/ ٥٨٢. شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٧ - ٣٤٨. والحديث مروي من قول عمر ﵁ وعثمان ﵁؛ أما قول عمر ﵁ فيرويه ابن عمر ﵁ قال: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ يقول: «لَمَا يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن». انظر تاريخ بغداد: ٤/ ١٠٧. وأما قول عثمان فذكره القرطبي في تفسيره: ٦/ ٣٢٥ فقال: كان عثمان بن عفان ﵁ يقول: «ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن». وانظر التمهيد لابن عبد البر: ١/ ١١٨. (٣) سنن البيهقي الكبرى: ٨/ ١٨٤ كتاب قتال أهل البغي، باب القوم يظهرون رأي الخوارج، بدون رقم. مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٨/ ٢٩٧. منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ١/ ٣٣٩. كنز العمال: ٦/ ٣٩ رقم (١٤٧٥٥). المعجم الكبير للطبراني: ١٠/ ١٣٢ رقم (١٠٢١٠) عن ابن مسعود. (٤) الإمامة للآمدي: ص ٧٢. شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٦. وانظر خصائص التشريع للدريني: ص ٣٢٦.