The Key to Understanding the Principles of Explaining the Summary of Principles
مفتاح الوصول إلى علم الأصول في شرح خلاصة الأصول
تحقیق کنندہ
الدكتور إدريس الفاسي الفهري
ناشر
دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
پبلشر کا مقام
دبي - الإمارات العربية المتحدة
اصناف
سلسلة الدراسات الأصولية (٢١)
مفتاح الوصول إلى علم الأصول
للشيخ محمد الطيب الفاسي
في شرح خلاصة الأصول
للشيخ عبد القادر الفاسي
تقديم وتحقيق
الدكتور إدريس الفاسي الفهري
نامعلوم صفحہ
افتتاحية
نستفتح بالذي هو خير، حمدا لله، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فيسر دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي أن تقدم للباحثين كتابها الحادي والعشرين في «سلسلة الدراسات الأصولية» تحت عنوان «مفتاح الوصول شرح خلاصة الأصول».
وهذا التقديم مقرون بالشكر والعرفان لأسرة «آل مكتوم» حفظها الله تعالى، التي ترعى العلم، وتشيد نهضته، وتحيي تراثه، وتؤازر قضايا العروبة والإسلام، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الذي أنشأ هذه الدار لتكون منار خير، ومنبر حق على درب العلم والمعرفة، تجدد ما اندثر من تراث هذه الأمة، وتبرز محاسن الإسلام فيما سطره الأوائل، وفيما يمتد من ثماره، مما تجود به القرائح، في شتى مجالات البحوث الإسلامية، والدراسات الجادة، التي تعالج قضايا العصر، وتؤصل أسس المعرفة، على مفاهيم الإسلام السمحة: عقيدة، وشريعة، وآدابا، وأخلاقا، ومناهج حياة، مستلهمة الأدب القرآني، في الدعوة إلى الله على بصيرة ﴿اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. . .﴾.
وكذلك مؤازرة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، وزير المالية والصناعة، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، وزير الدفاع.
1 / 5
ولا يفوت الدار أن تشكر من أسهم في خدمة هذا العمل العلمي من العاملين بالدار، وهو:
- مساعد باحث: الشيخ/سامح علي ناصر الناخبي، الذي قام بتصحيح هذا الكتاب، ومراجعة تجارب الطبع والتنفيذ.
سائلين الله العون والسداد، والهداية والتوفيق، ونرجو من الله ﷾ أن يعين على السير في هذا الدرب، وأن يتواصل هذا العطاء من حسن إلى أحسن.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دار البحوث
1 / 6
التقديم
ويشمل:
- التعريف بالمصنف والشارح.
الشيخ: عبد القادر بن علي الفاسي الفهري.
الشيخ: محمد الطيب بن محمد الفاسي.
- التعريف بكتاب مفتاح الوصول.
- ورقة وصفية لعملية التحقيق.
- اصطلاحات التحقيق.
1 / 7
تقديم:
١ - التعريف بالمصنف والشارح
جمعت المصنف والشارح الذين نترجم لهما (^١) فيما يلي خمسة وعشرون عاما؛ حضر الشارح خلالها منذ تفتق وعيه مجالس المصنف ودروسه. ويتعدى الرابط بينهما حد المعاصرة، والمجاورة، والمشيخة، فالشيخ محمد الطيب بالنسبة للشيخ عبد القادر هو: «. . . حفيده المباشر، وقريبه المعاشر» (^٢).
وقد انتسب سيدي محمد الطيب إلى جده وتولد منه روحيا وسلوكيا فضلا عن الولادة الأولى. حيث جمعهما رابط الزاوية التي تعرف إلى اليوم باسم المصنف سيدي عبد القادر الفاسي، والتي تصدرها الشارح في فترة لا حقة لموت جده: يعلم العلوم، ويفتي في المعضلات، ويرشد الأصحاب، كما كان جده ثم عمه ثم أبوه.
فهذه بيئات ثلاث ربطت بين المصنف والشارح: العصر، والزاوية، والأسرة؛ وما يقال في التمهيد لترجمة كل واحد منهما في موضوعها؛ يقال في التمهيد لترجمة الآخر. ولذلك فإنني سأجعل الكلام عنها بالنسبة إليهما معا كلاما واحدا مجتمعا.
_________
(^١) ما يأتي في ترجمتيهما هو تلخيص لما كتبته في تقديم فهرستيهما. وأرجو أن يتم العمل فيه قريبا بحول الله. وهو ما يبرر وجود بعض المعلومات من غير ذكر لمصادرها.
(^٢) نشر المثاني: ٢/ ٢٩٠.
1 / 9
البيئات الثلاث للمصنف والشارح
الأولى: عصر المصنف والشارح:
ما بين ولادة المصنف في ٢ رمضان ١٠٠٧ هـ الموافق ٢٩ مارس ١٥٩٩ م إلى وفاة الشارح في ١٩ ربيع الثاني ١١١٣ هـ الموافق ٢٣ سبتمبر ١٧٠١ م زهاء قرن من الزمان. هو جملة القرن السابع عشر الميلادي والحادي عشر الهجري مع طرف من بداية الثاني عشر.
وقد شهد مطلع هذا القرن بقية من عهد الاستقرار والرخاء الذي عرفه المغرب أيام المنصور الذهبي. ثم استغرقت معظمه أي زهاء ثمانية عقود منه، فتن متلاحقة، ومخاض طويل. ولكننا لا نكاد نصل إلى العقود الأخيرة من هذا القرن حتى نشهد انتهاء ذلك العهد العصيب، وتوحيد مجموع التراب المغربي تحت راية الدولة العلوية.
ومن أوفى النصوص التاريخية التي تختصر أحداث هذا القرن ما جاء في رسالة السلطان المولى إسماعيل بن الشريف إلى علماء المشرق. حيث قال:
«وحين جاء الله بنا لهذا المغرب (^١)، وولانا أمره، وأقامنا فيه بمحض فضله واختياره؛ جئناه على حين فترة من الملوك، ووجدناه فارغا من الجيش
_________
(^١) هذه إشارة إلى قدوم جد المولى إسماعيل مولاي الحسن بن قاسم من بنبوع النخل بالحجاز إلى سجلماسة أوائل المائة السابعة بدعوة من أهلها وقد قسم الشيخ عبد القادر الفاسي شرفاء المغرب بحسب القوة والضعف إلى خمسة أقسام، الأول المتفق على صحته، ومثّله بجملة من الأسر في طليعتهم السادة السجلماسيون.
1 / 10
والعيش؛ وخفيف العمارة، بعيد العهد بالخلافة والإمارة. فبسبب تلك الفترة التي اعترته، ودامت فيه نحو الثمانين سنة، حتى تنوسي فيها أمور المملكة وسياستها، واضمحلت فيها الأوضاع الملكية وتوالت فتن وأوجاع وهرج كثير لا أعاد الله ذلك على المسلمين. فصرنا نحن - حيث أقامنا الله، ونصبنا لهذا المنصب المبارك، المحفوف بالخير المتدارك - نبتدئ السيرة والطريقة من أولها، ونعقدها من أصلها» (^١).
فقد توالدت الحروب بين أبناء أحمد المنصور الذهبي وأبنائهم حتى صار ملكهم الذي كان يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى أقاصي الصحراء الإفريقية الكبرى مجرد إمارة صغيرة في حدود أسوار مدينة مراكش.
وافتقد الناس الأمن على أنفسهم وأموالهم في الحواضر والبوادي.
وسقطت كثير من الثغور في أيدي الإمبريالية الأوربية. وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية إلى درك سحيق.
وقد تأثرت الحواضر والبوادي بحالة التمزق في السلطة، والحروب المستمرة بين طلابها من وجوه:
أحدها: فقد الأمن الذي كان في حد ذاته من أهم أسباب المعاناة التي عاشها الناس، فقد انتشرت أعمال السلب والنهب والقتل من غير رادع.
_________
(^١) كتاب «الفقيه أبو علي اليوسي: نموذج من الفكر المغربي في فجر الدولة العلوية» للدكتور الوزير عبد الكبير العلوي المدغري: ص ٤٢، عن مخطوط الرسالة بالخزانة الملكية برقم ٣٩٨٤.
1 / 11
ثانيها: ما يتولد عن فقد الأمن من انقطاع الطرق مما عاق الحركة التجارية وأنواع الصناعات التي تمدها. ومن أهم ذلك التجارة عبر الصحراء التي كانت إلى عهد قريب الشريان الأكبر للازدهار الاقتصادي في عهد المنصور. وقد تحولت هذه التجارة ذاتها عبر الطريق البحري لصالح الأوربيين، وساعدهم على انتظامها وتدفق خيراتها تمركزهم بالشواطئ المغربية، مما أمد سفنهم بمرافئ ومحطات للتزود باحتياجاتهم وتأمين رحلاتهم.
ثالثها: تعطل الفلاحة بسبب تجنيد الرجال في الحروب الدائرة، وإهمال المزارع. وهو من الأسباب التي أدت إلى مجاعات متكررة.
وقد نبتت في هذا المناخ نوابت لم يعد ما يمنع من ظهورها: كترؤس ابن مشعل اليهودي بتازة؛ وظهور طائفة العكاكزة (^١) المارقة عن الدين؛ وادعاء ابن محلي المهدوية. . . .
وتحركت في المقابل جهود المصلحين ممن تأهل للرئاسة وتوفرت فيه شروطها: فنهض بجبال الأطلس محمد الحاج الدلائي؛ وبالجنوب سيدي محمد ابن الشريف؛ وبالغرب المجاهد أبو عبد الله العياشي؛ كل على حدته.
وإلى جوار هذه الزعامات الثلاث الكبرى كانت هنالك إمارات صغيرة متفرقة كبقايا دولة السعديين بمراكش، وإمارة أبي حسون السملالي
_________
(^١) كتب بشأنهم الفقيه العلامة أبو الحسن اليوسي رسالة إلى المولى إسماعيل يستدل فيها على كفرهم، ومما جاء فيها: «. . . ومن ذلك ما ارتكبوه من رفض المأمورات من الصلاة والصيام والضحية ونحوها، واقتحام المنهيات كالزنا وأكل الميتة وقتل المسلمين ونهب أموالهم ونحو ذلك» (رسائل أبي علي الحسن اليوسي: ١/ ٢٨٠).
1 / 12
في سوس، وأبي محمد عبد الله أعراس في الريف، وأحمد النقسيس في تطوان، والخضر غيلان بالفحص.
وظهر في خضم هذه الأحداث والصراعات أحد القواد البارزين في التاريخ المغربي، وهو المولى الرشيد الأخ الأصغر لمولاي الشريف. وقد انعقد النصر برايته حتى وحد الدولة المغربية تحت إمرته. وكان أبرز انتصاراته هو نصره على الدلائيين سنة ١٠٧٩ هـ، ثم تداعت الإمارات الصغيرة المتعددة بأنحاء المغرب بعد ذلك أمام جيوشه. ولكن المنية لم تمهله حيث توفي سنة ١٠٨٢ هـ وبويع بالخلافة من بعده لأخيه المولى إسماعيل.
وواجهت المولى إسماعيل مهام لا تقل شأنا عما مهده أخوه من أمر الملك. فقد تصور كثير ممن انهزم بين يدي أخيه المولى الرشيد أنهم قد ينالون منه ما لم يستطيعوا من أخيه. كما واجهته صراعات عائلية على السلطة عانى منها مثل ما عاناه من غيرها.
وواجهته في أثناء ذلك مهام كبرى أبلى فيها أحسن البلاء منها مهمة استرداد الثغور من يد الأجانب، ومهمة تأمين البلاد، ومهمة صياغة نظام مالي وإداري محكم للدولة، ومهمة تكوين جيش نظامي، وغيرها من المهام. . . .
1 / 13
الثانية: الزاوية الفاسية:
أولا: مفهوم الزاوية:
تعد الزاوية في العصر والمصر الذي نتحدث عنه ضمن المساجد التي تؤدى فيها الصلوات الخمس. ولا تكون مسجدا جامعا تقام بها صلاة الجمعة إلا إذا لم يكن بالبلدة مسجد غيرها، تجنبا للطائفية والتحزب.
ويمكن تحديد المقومات الظاهرة للفضاء الروحي الذي يعبر عنه بالزاوية في أربع:
طرفان: وهما: أولا: الشيخ، وثانيا: المريدون.
ورابطتان: وهما: أولا: الطريقة، أي: المنهج أو المقومات النظرية؛ وثانيا: السلوك، أي: التربية العملية اليومية.
ثانيا: الزوايا المغربية في القرن الحادي عشر:
اضطلعت الزوايا في العصر الذي نتحدث عنه بأدوار روحية وعلمية واجتماعية وسياسية في غاية الأهمية. ولعل أهم الزوايا التي تعايشت في هذه الفترة هي:
١ - الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد (^١).
_________
(^١) أسسها سيدي محمد الشرقي، في حدود سنة ٩٦٠ هـ ولينظر تفصيل في تاريخ تأسيسها فيما حرره د. أحمد بوكاري في كتاب «الزاوية الشرقاوية: زاوية أبي الجعد، إشعاعها الديني والعلمي» ص ٦٨ وما بعدها.
1 / 14
٢ - الزاوية الفاسية بفاس وتطوان والقصر الكبير (^١).
٣ - الزاوية الدلائية بالأطلس المتوسط (^٢).
٤ - الزاوية الناصرية بدرعة (^٣).
٥ - الزاوية الحمزوية بسفح جبل العياشي (^٤).
وكانت عامتها متصلة السند بالإمامين: سيدي محمد بن سليمان الجزولي (ت ٨٧٠ هـ) (^٥)، وسيدي أحمد زروق (ت ٨٩٩ هـ) (^٦). ويتصل
_________
(^١) قدمت في موضوعها رسالة لنيل الدكتوراه في التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط بعنوان: «الزاوية الفاسية: التطور والأدوار حتى نهاية العهد العلوي الأول» أنجزتها الدكتورة نفيسة الذهبي، واعتنت بطبعها رابطة أبي المحاسن ابن الجد.
(^٢) أسسها أبو بكر بن محمد بن سعيد الدلائي حوالي ٩٧٤ هـ ولينظر تفصيل خبر تأسيسها وموقعها في كتاب الزاوية الدلائية: ص ٣٠ وما بعدها.
(^٣) أسسها أبو حفص عمر بن أحمد الأنصاري سنة ٩٨٣ هـ بتامكرت. وقد نسبت الزاوية إلى سيدي محمد بن ناصر الدرعي الذي تولى مشيختها بعد قتل حفيد المؤسس سنة ١٠٥٢ هـ. (م. س. ص ٥٧ وما بعدها).
(^٤) أسسها سيدي محمد بن أبي بكر العياشي عام ١٠٤٤ هـ، وقد عرفت الزاوية نشاطا علميا كبيرا على يد ولده أبي سالم، ثم على يد حمزة بن أبي سالم الذي تعرف الزاوية إلى اليوم باسمه (م. س. ص ٦٤ وما بعدها).
(^٥) خصص سيدي محمد المهدي بن أحمد بن يوسف الفاسي (ت ١١٠٩ هـ) كتاب «ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع ومن لهما من الأتباع» لترجمة الإمام الجزولي وأتباعه كما هو واضح من عنوانه.
(^٦) خصص سيدي محمد المهدي كتاب «تحفة أهل الصديقية بأسانيد الطريقة الجزولية والزروقية» لذكر طرق هذين الإمامين كما هو واضح من عنوان الكتاب. وتوجد منه عدة نسخ، ومنها نسخة الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: ٧٦ ج.
1 / 15
سندهما بالإمام أبي الحسن الشاذلي (ت ٦٥٦ هـ) (^١).
ولا أملك أن أذكر تلك الزوايا في هذه الورقات ولا تفصيلات تلك الطرق، والتعريف برجالاتها، ولكنني أكتفي بتسجيل ثلاث ملاحظات:
أ - توحد الطريقة الصوفية في أنحاء المغرب في ذلك العصر. ويمكننا أن نطلع عند مراجعة أسانيد رجالات الزاوية الفاسية مثلا على اتصال أسانيد متصوفة المغرب بمختلف الطرق المعروفة في العالم الإسلامي (^٢)، ولكن أخذهم بتلك الطرق لم يتجاوز قصد التبرك، ومعنى التسليم للرجالات السالكين.
ب - الالتئام على نهج السنة، والنفور من تعقيدات التصوف الفلسفي. في انسجام مع التشبث بالمذهب المالكي في الفروع، والمذهب الأشعري في الأصول. وكانت هذه من أعظم المهمات التي أبلى فيها مشايخ تلك الزوايا من علماء الإسلام البلاء الحسن. إذ لا يمكننا اليوم أن
_________
(^١) يمكن الاطلاع على عامة طرق الشاذلية بالمغرب من خلال كتاب سيدي عبد الحفيظ بن محمد الطاهر بن عبد الكبير الفاسي (ت ١٣٨٣ هـ) والذي سماه: «الترجمان المعرب عن أشهر فروع الشاذلية بالمغرب». وتوجد نسخة المؤلف بخطه في الخزانة بالرباط تحت رقم: ٤٤٠٠ د.
(^٢) بلغت تلك الطرق ستة وسبعين طريقا في فهرسة سيدي محمد الصغير بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي التي سماها «المنح البادية في الأسانيد العالية والمسلسلات الزاهية والطرق الهادية الكافية» وقد قام بتحقيقها الدكتور سيدي محمد بن عبد الرحمن بن جعفر الصقلي الحسيني - حفظه الله تعالى - وهي أطروحته لنيل دكتوراه الدولة من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة ١٤١٦ هـ/١٩٩٥ م.
1 / 16
نتصور ما راج في ذلك العصر من البدع والخرافات والانحرافات وضروب الشعوذة، وما كان يلزم في حربها من التبصر والجهد.
ج - وهو في حكم الناتج عن الملاحظتين السابقتين: تمهيد قاعدة سلوكية وروحية لتوحيد الدولة المغربية، واستقرار خلفية ثقافية لتميزها كأمة قائمة.
ثالثا: الزوايا الفاسية:
هنالك مجموعة من الزوايا الفاسية يمكن تقسيمها إلى قسمين: مجموعة الزوايا الفاسية القديمة، وزاوية حديثة نسبيا.
أما الزاوية الحديثة فهي زاوية الدور الجدد بحي القلقليين من مدينة فاس الإدريسية (^١)، وتنسب لمؤسسها الإمام العارف أبو محمد عبد القادر بن أبي جيدة بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي (١١٧١ - ١٢١٣ هـ) (^٢). وهي زاوية نقشبندية.
_________
(^١) لما كان جل الدارسين الذين تعرضوا لتاريخ الزوايا الفاسية قد أغفلوا ذكر هذه الزاوية فقد أردت أن أشير إليها هنا وإن كان تاريخها لا حقا للفترة التي نتحدث عنها.
(^٢) ظهر عليه الفتح العميم منذ حال الصبا، ونبغ في أصناف العلوم، من شيوخه أبو عبد الله القادري، ومحمد بن عبد السلام الفاسي، وعبد الرحمن حسين وعبد الكريم اليازغي، ومحمد بناني، واختص بزين العابدين العراقي، وتلقى الذكر عن مولاي إدريس بن علال الدباغ. حج مرتين والتقى بجملة شيوخ المشرق في عصره. خلف تآليف متعددة منها «ذوق البداية ولمحة النهاية» وشرح على فصوص ابن العربي، وشرح على مسند السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وله شرح على الصلاة -
1 / 17
وأما الزوايا القديمة فهي تنقسم إلى مجموعتين:
ترجع المجموعة الأولى إلى نفس التاريخ تقريبا، بل يمكننا أن نرجعها جميعا إلى نفس المؤسس وهو الشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي. وتضم هذه المجموعة ثلاث زوايا:
الأولى: بحي المخفية من عدوة الأندلس بفاس. وقد باشر تأسيسها أبو المحاسن بنفسه في حدود سنة ٩٨٩ هـ.
والثانية: بحي القطانين بمدينة الكبير لا نعرف تاريخ تأسيسها على وجه التحديد وإن كنا نعلم أن تاريخ تأسيسها مقارب لتاريخ تأسيس الزاوية السابقة، وأن المباشر لتأسيسها هو سيدي علي بن أبي المحاسن بأمر من والده.
وتعرف اليوم باسم ولده سيدي محمد أبي عسرية لأن مدفنه بها.
والثالثة: بحي العيون بتطوان أسست بأمر من أبي المحاسن أيضا سنة ١٠٠٣ هـ.
وتضم المجموعة الثانية ثلاث زوايا بنفس المدن الثلاثة المذكورة، في مواقع قريبة من مواقع الزوايا الثلاثة السابقة. وترجع جميعها إلى فترة واحدة لاحقة لتاريخ المجموعة الأولى، وإن لم يكن يفصلها عن المجموعة الأولى إلا بضعة عقود:
_________
- المشيشية. ولعل أهم مخلفاته تصليته على رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، والتي مطلعها: «اللهم صل بكمال سعتك في إطلاقك. . .» ولينظر ما ترجم له به السلطان مولاي سليمان في عناية أولي المجد: ص ٦٩. والدراسة التي قام بها الزعيم علال الفاسي في كتابه «التصوف الإسلامي في المغرب»: ص ٥٥ وما بعدها.
1 / 18
الأولى: بفاس وقد أسسها الأخ الأصغر لأبي المحاسن وهو الشيخ عبد الرحمن العارف، ولكنها اشتهرت باسم حفيد أخيه سيدي عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن.
والثانية: بالقصر وتعرف باسم سيدي أحمد بن أحمد بن أبي المحاسن (١٠٢١ - ١٠٩٤ هـ).
والثالثة: بتطوان أسسها سيدي عبد العزيز بن علي بن أبي المحاسن (٩٩٩ - ١٠٨٩ هـ).
رابعا: ملامح من أحوال مشايخ الزوايا الفاسية:
كان مشايخ الزوايا الفاسية انطلاقا من شيخ مشايخها سيدي عبد الرحمن المجذوب «ملامتيون» أي أنهم يعتنون بإصلاح الباطن ويتسترون على أحوال القلب. بحيث لا يظهر الملامتي للناس من الأحوال الخاصة شيء بل إن من سلوك بعض الملامتية التستر على الأحوال بإظهار ما يخالفها. وينبني سلوك الملامتية على أصلين هما: مجانبة الرياء، وتطلب الخمول. جاء في ترجمة سيدي عبد الرحمن المجذوب أنه كان: «. . . كثير الفرار واللجوء إلى الله، شديد الميل إلى الانفراد به عما سواه. مبالغا في كتم الأسرار، مولعا بخمول الذكر وعدم الاشتهار، ويقول:
الخمول كله نعمة ... والنفوس كلها تأباه
والظهور كله نقمة ... والنفوس كلها تهواه» (^١)
_________
(^١) ابتهاج القلوب بأخبار الشيخ أبي المحاسن وشيخه المحذوب لأبي زيد عبد الرحمن -
1 / 19
وكان مشايخ الزاوية الفاسية في عمومهم جماليون يأخذون الناس من باب سعة الرحمة، ويذيعون مبشرات قبول التوبة، ويدخلون الحضرة من باب المحبة؛ ولكنهم يستعملون الخشية لاتقاء الخيبة، ويركبون نجائب الخائفين لاتقاء هول يوم الدين. ويسمعون مقطعات الأشعار لترقيق الطبع وتجيب الخير؛ ولكنهم لا يأذنون باستماع الأشعار إلا بعد استيفاء كل لورده من القرآن وحزبه من الأذكار (^١). وينبني سلوك الجمالية على أصلين هما: التبشير من غير تنفير، والتيسير من غير تعسير.
خامسا: ملامح من سلوك مشايخ الزاوية الفاسية:
قال الشيخ أبو المحاسن مؤسس الزاوية الفاسية الأولى: «رتب الأئمة الوظائف والأحزاب لما قصرت المقاصد، وذهبت المشارب والموارد. ولو كانوا على القدم الأولى من سلامة الدين، والرسوخ في اليقين، لم تر لهم أورادا موظفة، وأحزابا مكلفة. هذا هو الأصل» (^٢).
وكذلك كان الشيخ عبد القادر:
قال ولده الحافظ عبد الرحمن في أثناء ترجمته: «. . . ومتابعته للسنة في الأقوال والأفعال والأحوال إلى الغاية، وكثرة صلاته على النبي ﷺ، وأمره
_________
- الفاسي: ص ٢٣ مخطوط الخزانة العامة برقم: ٢٣٠٢ ك.
(^١) قال سيدي عبد الرحمن بن عبد القادر (تحفة الأكابر: ٢/ ٣٢١) يحكي عن الزاوية الفاسية في عهد والده، وعن نشاط أصحابه بها: «. . . ولا يستعملون شيئا من السماع حتى يقدموا قبله قراءة قرآن أو بعده أو فيهما».
(^٢) تحفة الأكابر: ١/ ٤٨.
1 / 20
بها، مما يحقق أن طريقته محمدية، إلا أنه كان لا يتقيد بورد معين إلا ما عينته آداب السنة، والعمل على المحبة، وكثرة تلاوة القرآن بالحضور مع الحق والغيبة عما سواه (. . .) وعدم التميز بشيء زائد على الفرض والسنة المعتادة» (^١).
وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن يعقوب الولالي في كتابه «مباحث الأنوار في أخبار بعض الأخيار» عن الشيخ عبد القادر أيضا: «لم يقبل تلقين الذكر على عادة مشايخ الفقراء، إلا أن يكون ذلك على وجه الرواية» (^٢).
سادسا: المدرسة العلمية بزاوية الشيخ عبد القادر الفاسي:
كانت مجالس العلم بالزاوية حافلة تستغرق أغلب أوقات أصحابها.
ويمكننا أن نلحظ أهم السمات لهذه المدرسة العلمية من خلال ثلاث مميزات:
أولا: كانت المعارف التي تلقن بالزاوية في غاية الكثرة والتنوع.
والبرنامج التعليمي المنظوم الذي يوجد بين أيدينا من ذلك العهد يثير الدهشة فعلا. وهو كتاب ضخم يسمى ب «الأقنوم» من نظم الحافظ أبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي. ويشتمل على أربعة عشر ومائة علم (^٣).
_________
(^١) تحفة الأكابر: ١/ ٨٢.
(^٢) عن كتاب «ناطح صخرة» ص ٩٨ عن مخطوط الكتاب المذكور.
(^٣) عددت في نسختي الخاصة من هذا الكتاب قريبا من سبعة عشر ألف بيت.
1 / 21
ثانيا: أن المدرسة العلمية للزاوية قد امتد أثرها العلمي في عصرها إلى سائر أنحاء المغرب. قال القادري: «قلما تجد عالما أو متعلما بإفريقية والمغرب إلا من تلامذته [أي الشيخ عبد القادر الفاسي]، أو من تلامذتهم، أو يروم التمسك في الانتساب إليه بأي وجه أمكنه» (^١).
ثالثا: العناية الخاصة بالسنة المشرفة وعلومها قال أبو محمد عبد السلام ابن الخياط القادري في معرض الترجمة للشيخ عبد القادر الفاسي: «. . . اعتنى [يعني الشيخ عبد القادر الفاسي] بتدريس علوم الحديث، والمغازي والسير، فإن أهل فاس كانوا اشتغلوا بطلب علم الفقه والعلوم العقلية وتركوا علوم الحديث، فاعتنى المترجم بها حتى أحياها» (^٢).
الثالثة: الأسرة الفاسية:
نسب هذه الأسرة «فهري» باتفاق النسابين والمؤرخين في المغرب والأندلس. يقول في ذلك الملك المغربي العلامة مولاي سليمان العلوي (ت ١٢٣٨ هـ): «. . . ولم يزل وصفهم الذاتي من النسب إلى فهر ملازما لهم فيما استوطنوه بالعدوة [يعني المغرب الأقصى] من حاضرة فاس والقصر، يحوزونه بما تحاز به الأنساب، في السؤال والجواب، والكتابة والخطاب؛ والرسوم والظواهر، والكراسي والمنابر؛ حتى تواتر فيهم هنا [يعني بالمغرب] تواتره في أسلافهم هناك [يعني بالأندلس]» (^٣).
_________
(^١) نشر المثاني: ٢/ ٢٧١.
(^٢) عن فهرس الفهارس للشيخ عبد الحي الكتاني: ٢/ ٧٦٧.
(^٣) عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد: ص: ٦. وقال النسابة الشريف مولاي -
1 / 22
وقد عرفوا في الأندلس بلقب «ابن الجد» مع النسبة الفهرية. قال المقري (ت ١٠٤١ هـ): «وفي الأندلس (. . .) كثير من قريش المعروفون بالفهريين من بني محارب بن فهر، وهم من قريش الظواهر، ومنهم عبد الملك بن قطن سلطان الأندلس، ومن ولده بنو القاسم الأمراء الفضلاء، وبنو الجد الأعيان العلماء» (^١).
وقد انتقل عبد الرحمن وأحمد ابنا أبي بكر ابن الجد الملقب ب «الحفيد» عن مالقة بالأندلس في حدود سنة ثمانين وثمانمائة بسبب الفتنة الناشئة بها (^٢). واستقرا بمدينة فاس.
وأبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المذكور هو أول من لقب ب «الفاسي» من هذه الأسرة: كان يتردد من فاس إلى مدينة القصر الكبير بقصد التجارة، ثم تزوج بالقصر واستوطنه. فعرف هناك لقدومه من مدينة فاس بلقب «الفاسي» (^٣). وقد اشتهرت أسرته في المغرب بهذا اللقب إلى
_________
= إدريس الفضيلي: «. . . وأما نسبهم فإلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بلا خلاف» (الدرر البهية: ٢/ ٢٥٢).
(^١) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: ١/ ٢٩٠ - ٢٩١. وقد وقع خلاف قديم في الفرع الذي ينتسب إليه بنو الجد من فروع فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وليس هنا متسع لتفصيله.
(^٢) نشأت تلك الفتنة عن ثورة القائد القرسوطي، وكانت آخر النزاعات على الحكم بالأندلس، حيث سقطت مالقة بيد النصارى أواخر شعبان سنة ٨٩٢ هـ. ثم أجلي المسلمون عن غرناطة آخر معاقلهم بالأندلس بعد مالقة بخمس سنين. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(^٣) عن «مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن»، للعلامة المجتهد أبي حامد محمد العربي الفاسي الفهري (ت ١٠٥٢ هـ): ص ٢٠٢.
1 / 23
الآن، واكتفى رجالاتها به في توقيعاتهم غالبا استغناء بما اشتهر (^١).
وولد لمحمد بن أبي الحجاج يوسف (٩١٢ - ٩٧٤ هـ) بمدينة القصر أبو المحاسن يوسف (٩٣٧ - ١٠١٣ هـ) (^٢) الذي انتقل إلى فاس وأسس بها زاويته، وبقي بها إلى حين وفاته، وانتشر منها علمه وأثره، وبها مدفنه. وهو الذي تشعبت منه فروع هذه الأسرة بالمغرب، فكان - رحمه الله تعالى - قعددها المبارك: نسبا، وعلما، وسلوكا. قال المولى سليمان: «هذا الشيخ هو قطب رحى بني الفاسي، وطود مجدهم الراسي، وبيت عددهم، وأصل مددهم» (^٣).
_________
(^١) قال في مرآة المحاسن (ص ٢٠٢): «. . . كما جرت كثيرا النسبة إلى الأوطان - كما ذكره المحدثون - قالوا: ولا سيما في المتأخرين. وهو نوع من أنواع علوم الحديث، وبه ختم ابن الصلاح ومن تبعه في الترتيب كتابه، وجعله الشراطي والسمعاني وغيرهما من مقاصد كتبهم. ولما وقعت المعرفة والشهرة بهذا [يعني بلقب الفاسي] تنوسي ما كان قبله، لأن المقصود إنما هو ما يحصل به التعارف».
(^٢) خصصت لترجمته مؤلفات منها: «مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن» المذكور في هامش سابق. وكتاب «ابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن وشيخه المجذوب» لحفيد ولده أبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر بن علي، اعتنت بتحقيقه الباحثة حفيظة الدازي ضمن رسالة جامعية تحت إشراف الدكتور محمد حجي نوقشت بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط خلال السنة الجامعية ١٩٩١ - ١٩٩٢ م. وكتاب «روضة المحاسن الزهية بمآثر أبي المحاسن البهية» لحفيد ولده أبي عيسى المهدي بن أحمد بن علي (ت ١١٠٩ هـ) واختصره في نحو كراستين بعنوان «الجواهر الصفية من المحاسن اليوسفية»، وله عدة نسخ خطية بمختلف الخزانات المغربية، وبيدي منها نسختان.
(^٣) عناية أولي المجد: ص.١٦.
1 / 24