The Jewish Question
وجهة العالم الإسلامي - المسألة اليهودية
ناشر
مكتبة الأسد
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
پبلشر کا مقام
آفاق معرفة متجددة
اصناف
مشكلات الحضارة
مالك بن نبي
وجهة العالم الإسلامي
الجزء الثاني (المسألة اليهودية)
آفاق معرفة متجددة
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلات الحضارة
وجهة العالم الإسلامي
المسألة اليهودية
1 / 2
وجهة العالم الإسلامي / مالك بن نبي دمشق: دار الفكر، ٢٠١١.- ج ٢ (١٦٠ ص)؛ ٢٥ سم.-
(مشكلات الحضارة).
ISBN: ٩٧٨ - ٩٩٣٣ - ١٠ - ٣١٤ - ٩
١ - ٢١٨،٨ ب ن ن و٢ - العنوان ٣ - بن نبي ٤ - السلسلة
مكتبة الأسد
1 / 3
مشكلات الحضارة
مالك بن نبي
وجهة العالم الإسلامي
الجزء الثاني
(المسألة اليهودية)
دار الفكر
آفاق معرفة متجددة
1 / 4
الطبعة الأولى: ١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
1 / 5
المحتوى
_________
كلمة الناشر ...................................................................................... ٧
مقدبة الترجمة العربية ............................................................................. ٩
العصر الحديث ووجهة العالم الإسلامي ............................................................ ١١
بداية تاريخية ...................................................................................... ١١
القضية مشكلة حضارية .............................................................................. ١٣
هذا الكتاب ..................................................................................... ٢٧
مقدمة المؤلف ............................................................................... ٢٩
القسم الأول
لغز العصر الحديث وما يستبطن
الفصل الأول: اليهود والحضارة الأوربية ............................................... ٤١
أولا: السر الخفي للعالم الحديث ......................................................... ٤١
ثانيا: معنى ومفهوم اتجاه الشتات اليهودي نحو أوروبا ..................................... ٤٨
ثالثا: جغرافية مسار اليهودي في أوروبا ................................................... ٥٥
رابعا: اليهودي التائه في نفسية الأوروبي .............................................. ٦٠
الفصل الثاني: صورة اليهودي كمحور في تطور الحضارة الغربية ....................... ٦٤
١ - اليهودي المثقف ................................................................... ٦٤
٢ - اليهودي المواطن .................................................................. ٦٨
٣ - اليهودي المودرن ..................................................................... ٧١
٤ - اليهودي المذهبي المتزمت ................................................................ ٧٥
1 / 6
_________
٥ - اليهودي العالمي .......................................................................... ٧٩
٦ - اليهودي الذي رمى القناع .......................................................................... ٨٨
٧ - نهاية عصر .......................................................................... ٩١
٨ - الحرب .......................................................................... ١٠٢
٩ - استراتيجية الحرب القادمة .......................................................................... ١٠٤
الفصل الثالث: الحياد الإسلامي .......................................................................... ١٠٩
أولا: العالم الإسلامي والحياد .......................................................................... ١٠٩
ثانيا: الحياد الإسلامي والدبلوماسية الغربية .......................................................................... ١١٤
ثالثا: نتائج دولية للحياد الإسلامي .......................................................................... ١٢٠
القسم الثاني
العالم الحديث
قضية حضارة .......................................................................... ١٢٧
صدمة عودة الحرب .......................................................................... ١٣٠
تخطيط وتبشير الإسلام .......................................................................... ١٣٥
خطة المسلم .......................................................................... ١٣٧
أخوة وتآخ .......................................................................... ١٤٤
خاتمة
المسارد
١ - مسرد الأعلام (يشمل الأشخاص والدول والأمكنة) .......................................................................... ١٥٣
٢ - مسرد الشعوب والجماعات والمذاهب .......................................................................... ١٥٨
٣ - مسرد المعاهدات والمؤتمرات والاتفاقيات .......................................................................... ١٥٩
كلمة الناشر (ربما الأوفى أن أخص بالصفحات القادمة جيلا سيأتي؛ يعقب جيلي، لنؤكد لهم- وهم بين أنقاض عالمنا - أن عليهم واجب بناء عالم خاص بهم) [المقدمة ص ٣٠]. ربما كانت الحرقة البادية في كلمات مالك بن نبي هذه، وراء قراره الذي اتخذه يوم ٢٢ - ١ - ١٩٥٢ بحجب كتابه هذا عن النشر، عند فراغه من كتابة السطر الأخير منه. وإذ يتولى، الأستاذ عمر مسقاوي، الوصي على فكر مالك الآن؛ الإفراج عن هذا الكتاب الوثيقة؛ ليصدر في ٢٢ - ١ - ٢٠١٢، بعد ستين عاما من حجبه، فإن ذلك يثير التساؤل أكان قد آنس في الجيل الجديد رشدا؛ يؤهله لوعي الرسالة التي يحملها؟! وهذا التساؤل يثير بدوره سؤالا آخر: أكانت أعمال مالك بن نبي الأخرى؛ المنشورة على مدى ستين عاما، قد استقرت في وعي الأجيال التي تعاقبت خلالها، فتلمست عبرها طريق النهوض؟! لقد أفنى مالك بن نبي عمره في استنهاض الإنسان المسلم، وتأهيله لاستلام راية الحضارة الإنسانية، التي أخذت تترنح في أيدي الغرب، لكن حجم الرواسب التي حملها المسلم معه إبان نكوصه الحضاري، كانت أكبر من طاقة مالك على تصحيح المسار؛ فعاش عمره غريبا يغرد خارج السرب، شأن كل الأنبياء والمصلحين.
كلمة الناشر (ربما الأوفى أن أخص بالصفحات القادمة جيلا سيأتي؛ يعقب جيلي، لنؤكد لهم- وهم بين أنقاض عالمنا - أن عليهم واجب بناء عالم خاص بهم) [المقدمة ص ٣٠]. ربما كانت الحرقة البادية في كلمات مالك بن نبي هذه، وراء قراره الذي اتخذه يوم ٢٢ - ١ - ١٩٥٢ بحجب كتابه هذا عن النشر، عند فراغه من كتابة السطر الأخير منه. وإذ يتولى، الأستاذ عمر مسقاوي، الوصي على فكر مالك الآن؛ الإفراج عن هذا الكتاب الوثيقة؛ ليصدر في ٢٢ - ١ - ٢٠١٢، بعد ستين عاما من حجبه، فإن ذلك يثير التساؤل أكان قد آنس في الجيل الجديد رشدا؛ يؤهله لوعي الرسالة التي يحملها؟! وهذا التساؤل يثير بدوره سؤالا آخر: أكانت أعمال مالك بن نبي الأخرى؛ المنشورة على مدى ستين عاما، قد استقرت في وعي الأجيال التي تعاقبت خلالها، فتلمست عبرها طريق النهوض؟! لقد أفنى مالك بن نبي عمره في استنهاض الإنسان المسلم، وتأهيله لاستلام راية الحضارة الإنسانية، التي أخذت تترنح في أيدي الغرب، لكن حجم الرواسب التي حملها المسلم معه إبان نكوصه الحضاري، كانت أكبر من طاقة مالك على تصحيح المسار؛ فعاش عمره غريبا يغرد خارج السرب، شأن كل الأنبياء والمصلحين.
1 / 7
وقد استحكمت غربة مالك بن نبي على الساحة الفكرية؛ نتيجة منهجيته الصارمة التي رتب أفكاره عليها؛ ورؤيته البعيدة التي تضع مشروعه النهضوي في إطاره الإنساني الشامل، وفي موقعه على مسار الدورات الحضارية، متميزا بذلك عن مفكري حركة النهضة؛ بشقيها: السلفي العاكف على تراثه يحاول تكييفه مع حاجات العصر، والحداثي الذي يروم قطع صلاته بالتراث؛ ميمما شطر تجارب ليس لها في أرضه جذور، فلم يفهمه أي من التيارين، ولم يمكن تصنيفه ضمن واحد منهما، فكان مرفوضا منهما كليهما ..
لكن غربة مالك بن نبي قد آذنت بالأفول على ما يبدو، فأفكاره التي استعصت على الفهم لدى أجيال النكبة والانتكاس الحضاري، قد أخدت طريقها الآن إلى جيل الشباب الذي استهدفه مالك، وخصه بهذا الكتاب، فأصبحنا نرى كتبه في أيديهم ينهلون منها نظريا، ونرى أفكاره تتحقق نبوءاتها على أيديهم عمليا، بداية لعصر جديد أمسكوا فيه بزمام المبادرة، وأطلقوا عليه اسم (الربيع العربي).
1 / 8
مقدمة الترجمة العربية
عمر مسقاوي
في الصفحات الأخيرة من كتابه الذي سماه (Vocation de l'Islam) الجزء الأول والثاني. نظر مالك بن نبي إلى المشكلة من مكوناتها التاريخية، وكان هذا التقرير يلخص عمق التحدي الذي يواجه العالم الإسلامي، الذي انطلق من المشكلة نفسها؛ القضية الفلسطينية.
هذه الصفحات هي المدى الذي انطلق منه مشروع بن نبي في معالجة القضنة اليهودية وهو يتأمل مصير العالم الإسلامي والعربي واتجاهاته انطلاقا من بداية القرن العشرين.
فكتاب (وجهة العالم الاسلامي) في جزئه الأول ثم في جرئه الثاني؛
حاول الجواب عن سؤال الهيمنة اليهودية بصورة مختلفة عما تناولها مختلف الباحثين.
لقد تحدث مالك بن نبي من شرفة قضية فلسطين منذ نكبة عام ١٩٤٨ م، فبسط رؤيته في صورة وصفيه رؤيوية لمساحة السنين القادمة من القرن العشرين.
ولقد تناولها بن نبي من زاوية (القابلية للاستعمار) في تحليله الذي جاء من منابع أخرى، لم تقف عليها من قبل دراسات حول القضية كنتيجة تاريخية لا يملك العالم العربي حلا راهنا لها في العمق، ما دام الموقف التاريخي من بروز فكرة الاستعمار لم يأخذ سبيله إلى وضع تلك المشكلة
في مدار الحل التاريخي.
1 / 9
وهذا ما يبدو من المقدمة التي افتتح بها مالك بن نبي دراسته في الجزء
الثاني من كتابه (وجهة العالم الإسلامي). يقول بن نبي:
(إن قدرا تميز بطابعه الغريب أحاط بالكاتب؛ يدعونا إلى أن نتمهل قبل أن نكتب مقدمة خاصة لهذه الدراسة التي استرسلنا فيها بعيدا عن حدودها، لنرى أولا إذا كان ما نكتبه يمكن نشره؛ فالقسم الأول من هذه الدراسة (وجهة العالم الإسلامي) الذي نشر في كانون الثاني / يناير ١٩٥١، والقسم الثاني الذي نحن بصدده الآن مختلفان من حيث طبيعتهما.
فالقسم الأول يمكن أن يعتبر في العمق اختصارا لدراسة داخلية للعالم الإسلامي، وبالخصوص (القابلية للاستعمار)، وهذا قد اقتضى العودة إلى استعراضنا خط تطور العالم الإسلامي من قيام حالة القابلية للاستعمار (عصر ما بعد الموحدين) إلى قيام حالة الاستعمار حينما استعمرت أوروبا المسيحية البلاد الإسلامية.
وبالمقابل فهذه الدراسة في القسم الثاني من (وجهة العالم الإسلامي) هي دراسة خارجية مستقبلية تركز على القضية الإسلامية في إطار القضية العامة التي سوف تأتي). فدراسة الجزء الأول من (وجهة العالم الإسلامي) تناولت شؤونا داخلية انتهت إلى الطرق الجديدة في التجدد النفسي والروحي، وهنا تلاقت دراسة الجزء الثاني من (وجهة العالم الإسلامي) مع الجزء الأول في قسمه الخاص بالتخطيط للدعوة الإسلامية، لكن القسم الأول من كل منهما بدا منفصلا عن موضوع (وجهه العالم الإسلامي) في جزأيه؛ لأنه انصرف إلى عميق رؤيته في مكونات العصر الحديث، وسره الخفي في لغز تأثير الفكر اليهودي في بناء العالم الأوروبي وظاهرة الاستعمار،
ولأن هذا العالم الغربي الأوروبي سيظل في مسيرة النصب الثاني من
1 / 10
القرن العشرين مهيمنا على أي نهضة أو تحرك في العالم الإسلامي والعربي ما دام طريقه لم يستقم في الخروج من مرض القابلية للاستعمار، فقد تبين له أن من تمام دراسته في الجزء الأول التي أفاض فيها نقدا لليقظة الإسلامية على سرير القابلية للاستعمار؛ أن يبسط في الجزء الثاني للجيل القادم معالم الطريق في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ هذا العالم الذي سوف يفرز مسارا جديدا للاستعمار إذا لم يحل العالم الإسلامي والعربي مشكلته الأساسية، لأن الخروج من الاستعمار المباشر نحو الاستقلال السياسي؛ لا يكفي إذا لم يكن نتيجة الخروج من مرض القابلية للاستعمار في الجانب التربوي والثقافي ليرفع من كفاءته في مواجهة مستقبله.
العصر الحديث ووجهة العالم الإسلامي
بداية تاريخية
مع نشوء مصطلح (Renaissance) في بداية القرن التاسع عشر، كما تجلى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كانت هنالك عملية إحياء تاريخي محدد المعالم والصفات، كامل الوجود والمقومات، ينسحب من عمق التراث اليوناني والروماني، ومن خلال هذه التطورات في نظم تطور أوروبا؛ انتقل مفهوم الثقافة إلى إطار أكثر تخصصا وتجريدا في بناء العلوم الاجتماعية والنفسية التطورية، وبدأ مصطلح (Renaissance) يشير إلى بعث وقيامة جديدة استقرت مع آلية عصر الأنوار تتمسك بمفهوم التقدم انطلاقا من المعطيات المضمرة للثقافة الغربية التي ارتبطت بالأرض والنزعة الكمية مع (أوجست كمت) والمادية الوثنية.
فكتاب شروط النهضة الجزائرية هو خلاصة انعكاس هذا الواقع على رؤية بن نبي في تحديد المنطلقات الرئيسية لسلسلة كتبه (مشكلات الحضارة).
1 / 11
كانت الجزائر مساحة التحليل التي انتهت إلى مفهوم القابلية للاستعمار؛ كواقع نفسي يحدد مرحلة معينة من واقع المعنى (المضمر) الذي رسخته الحضارة الإسلامية في عمق الجزائر، في مرحلة الأفول والانسحاب من المسار التاريخي للحضارات،
وكان كتاب (Vocation de L'islam) (وجهة العالم الإسلامي) تحديدا تنطلق فيه استراتيجية مماثلة لاستراتيجية ولادة أوروبا من جديد فى إطار مفهوم (Renaissance)؛ أي إعادة النظر في التراث القديم بعد تصفيته من جميع مؤثرات الحضارة الإسلامية التي أفلت بعد سقوط الأندلس.
فبن نبي في كتابه شروط النهضة الجزائرية تحدث عن الشروط السابقة للحمل، من أجل ولادة جديدة لنهضة الحضارة الإسلامية بعد تصفيتها من جميع مؤثرات عالم ما بعد الموحدين، والمصطلح الأوروبي هنا تحدث عن الوليد الجديد في عصر النهضة، في حين انطلق كتاب (شروط النهضة الجزائرية) من مفهوم القابلية للاستعمار؛ أي واقع الجزائر القائم، وشروط الحمل أولا ثم ولادة النهضة.
إن استراتيجية مفهوم تجديد النهضة (Renaissance) في كتاب شروط النهضة الجزائرية تختلف عن استراتيجية مصطلح تجديد النهضة كمفهوم (Conception) في التاريخ الغربي، رمن هنا (كما تحدث بن نبي في مقدمة الكتاب) كان أثر الاستهجان الذي لقية كتاب شروط النهضة من قرائه المتأثرين بالثقافة الغربية - كما ذكر في مقدمة الكتاب - ناشئا من اعتبار الغرب المصدر الوحيد لرؤية العالم، من هنا بدأت فكرة النهضة في المشروع العربي والإسلامي؛ تتجه نحو الخروج من هذا الواقع القائم؛ كدليل على الإحساس بالفارق بين واقع التخلف لديه وواقع نهضة أوروبا. لذا فهم يفكرون بالنهضة التي يرون نماذجها، ولا يفكرون في بناء نقد نهضوي للخروج من الواقع الذي يعيشونه.
1 / 12
ومن هنا كان شعار القابلية للاستعمار شعار صدمة أطلقه بن نبي للتفكير في بناء النهضة الإسلامية من جديد، لكن صدمته أدت إلى موجة الاستهجان هذه التي لقيها صدور كتابه (شروط النهضة)، وبات من خلال هذه الصدمة مدعوا لطرح المشكلة من جديد في كتابه (وجهة العالم الإسلامي)، حيث الولادة الجديدة (Renaissance) لا بد أن تنطلق من خارج الدائرة التي رسمها الاستعمار، أي خارج القابلية للاستعمار، في الإطار الذي يتصل بالاطراد التاريخي لفاعلية الفكرة الإسلامية التي انطلقت من عاملين أساسيين: الفكرة الإسلامية التي هي أصل الاطراد، ثم المسلم الذي هو السند المحسوس لهذه الفكرة.
القضية مشكلة حضارية
فنشوء الدورة الحضارية يرتبط صعودا وهبوطا من حيث الأساس بالعلاقة العضوية التي تربط الفكرة بسندها، ومن هنا يبدأ دور الإنسان في بناء عالم محيط حوله تتحدد في إطاره قيم الأخلاق ومدى ارتباطها بالمثل العليا والجمال، ومدى التعبير عنها طبقا لهذه المثل بالفاعلية، وارتباطها بالمنطق العملي في تفعيل الوسائل ذات الارتباط الوثيق بالقيم الأخلاقية والجمالية والعمل التقني.
فالعناصر الأربعة: المبدأ الأخلاقي - المبدأ الجمالي- المنطق العملي ثم التقنية، هي الأساس التربوي الذي يحدد معيار الصعود والهبوط بقدر تضامن هذه العناصر في بيئه الفرد الذي هو السند الأساسي لمسار الحضارة.
فالاقتباس من أوروبا، والاتصال بالتطور الكمي في الهيمنة على مسيرة الإنسانية، يتطلب من القابلية للاستعمار أن تنظر إلى الظواهر الغربية الأوروبية على أنها مسألة نسبية لا تعبر عن الحقيقة المطلقة فى مسيرة
1 / 13
التقدم، ومن خلال ذلك يستطيع العالم العربي والإسلامي أن يعرف وجوه النقص في الحضارة الغربية، كما سيتعرف عظمتها الحقيقية، وبهذا تصبح الصلات والمبادرات مع هذا العالم أعظم خصبا، وحينئذ نستطيع أن نبقي مفهوما تبادليا تنسج عليه الولادة الجديدة للنهضة وخياراتها.
وهنا استكمل كتاب (وجهة العالم الإسلامي) نتائجه حينما انتهى إلى بناء طرائق جديدة في سبل النهضة التي بها يدخل العالم الإسلامي مسيرة
العصر، ومن هذه الزاوية بدا الجزء الثاني من وجهة العالم الإسلامي يعالج موضوعا في البنية الفوقية التي هي أساس تكوين الغرب وهو يسير إلى نهايته بعد الحرب العالمية الثانية.
فموضوع الجزء الثاني يعالج مسيرة العصر الحديث خارج نسق دراسة الجزء الأول. وإذا كان الجزء الأول من كتاب وجهة العالم الإسلامي قد انطلق من القضية الفلسطينية وهزيمة العالم العربي والمسلم أمام إسرائيل باعتبارها إحدى نتائج القابلية للاستعمار، لكن قيام دولة إسرائيل في فلسطين من ناحية أخرى بداية مؤشر انهيار الحضارة الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، أي في مسيرة النصف الثاني من القرن الماضي؛ من هنا يأتي كتاب وجهة العالم الإسلامي في جزئه الثاني يراقب من بعيد هذا الانهيار في معطيات نتائجه، ويعالج في الوقت نفسه خطط مستقبل العالم الإسلامي بعد نشوء دولة إسرائيل، وقد تأهل نفسيا للخروج من مرض القابلية للاستعمار.
ولأن المراقبة المنهجية تعود إلى البدايات، لذا فهو يطرح القضية اليهودية في عمقها التاريخي من بداية تجسيدها في مسار الحضارة الغربية ومنهجها الاستعماري، ليستشرف تقلبها بكل موضوعية في سني النصف الثاني من القرن العشرين انطلاقا من معطيات الحاضر، وهكذا يضع سيناريو مبنيا على تتابع تاريخية ظاهرة الشتات اليهودي، ثم الحركة اليهودية وهي في هزيم
1 / 14
الحضارة الغربية الذي أرهصت به الحرب العالمية الأولى، ثم قضت الحرب العالمية الثانية على تماسكه في تفصيل تحليلي دقيق.
وفي إطار من التوقع المنطقي لمستقبل حركة اليهود، ابتداء من ظاهرة الشتات اليهودي في أوروبا إلى نهاية العصر الحديث، كان القسم الثاني من الدراسة مهتما والمدى الذي يستطيع فيه العالم الإسلامي، انطلاقا من تجربة الحاضر، أن يمارس دوره في طرائق جديدة لحضوره في المستوى العالمي حين يتأهل حاضره كحامل رسالة هي بلاغ الله إلى الإنسانية في بناء مستقبلها.
ومما زكى الجزء الثاني من الدراسة تلك التفاؤلية التي انصرف إليها
فكر بن نبي عقب نكبة فلسطين كبارق أمل لاح في أحداث برزت دفعة واحدة في المغرب والمشرق؛ وهي الثورة في مراكش ضد الاستعمار الغربي، وموقف محمد الخامس، وسياسة الوفد في عهد نحاس باشا ضد الوجود البريطاني في مصر، وإلغاء معاهدة ١٩٣٥، وقد أخذ ذلك مسارا ثوريا، ثم سياسة مصدق في إيران وتأميم مصافي عبادان ضد الشركات البريطانية، تحديدا في عام ١٩٥١، وهو التاريخ الذي آثار تفاؤل بن نبي، كما عبر عنه في مقدمة الكتاب فقال:
(إن الأحداث التي مرت عام ١٩٥١ رسمت للإنسانية عاما مفصليا على وجه العموم؛ حين أبرزت القضية المراكشية وحدة مسار غدت ضائعة وإلى الأبد منذ عهد تخلف العالم الإسلامي،
هذا الحدث الهام قد داهمني وبالخصوص على مستوى وجودي الشخصي، وقد فرض علي هذا كله فكرة هذا القسم الثاني من الدراسة كعمل مستقل نسبيا عن القسم الأول من (وجهة العالم الإسلامي)؛ إذ ربما الأوفى بي أن أخص بالصفحات التالية جيلا سيأتي ويعقب جيلي لنؤكد لهم، وهم بين أنقاض عالمنا، أن عليهم واجب بناء عالم خاص بهم.
1 / 15
فالعالم الإسلامي سوف يشفى مع الزمن بدون شك من القابلية للاستعمار، وغضبته الحاضرة (أي أحداث عام ١٩٥١) ضد الاستعمار ستساعده بالتأكيد، ولكن كيف؟ ومتى سيشفى؟ إذا لم يبن على وعي منهجي له مقدماته ونتائجه).
ويؤكد بن نبي من خلال تجربته في عقدي الثلاثينيامت والأربعينيابت من القرن المنصرم مخاطر الولوج في دراسة كهذه؛ تكشف سر هذا العصر الحديث:
(ولدت في عصر يدرك نصف الذي يقال بوضوح، لكن الذي يقول كلمة حول النصف الثاني يحاكم بكل قسوة).
(بكل أسف! الاستعماريون فهموني بالنصف الآخر من كلمتي،
ونلت منهم ما أستحق، فأنا في أعينهم لا أسب الاستعمار بل أقتله وهو داخل البيضة، أخنقه من جذوره التي تمتد في مساحة القابلية للاستعمار).
هنا يؤكد مالك بن نبي أن مواجهة الحدث الأبرز فلسطين في العالم العربي والإسلامي؛ ليست في سب الاستعمار، كما أن أحداث عبادان في إيران (مصدق)، ومواجهة بريطانيا في قناة السويس لا تزال كلها مجرد حماس شعبي من روح القابلية للاستعمار، وإذن فالمشكلة لدى بن
نبي هي الخروج من هذا المرض من خلال وعي منهجي له مقدماته ونتائجه.
هذه المعطيات هي التي تقود نحو القضية اليهودية وأساسها في بناء أوروبا والعصر الحديث الذي يلخص مفهوم الاستعمار والعنصرية.
فالذي هو غائب عن الفضاء العربي حول دولة إسرائيل هو المنهج في الرؤية المستقبلة بعد الحرب العالمية، وهنا يقبل بن نبي المخاطرة؛ لأن خبرته نشأت من وعي عميق للمدى الذي يمارسه الاستعمار في الجزائر
1 / 16
كما في العالم العربي والإسلامي، كنموذج رصد للأفكار في المدى الاستخباراتي انتهى إلى سيادة العصر الإسرائيلي.
هذا العصر تنبأ به مالك بن نبي منذ العشرينيات في عبارته الشهيرة؛ في شهادته التي استعرضناها حين قال: إن القرن العشرين هو قرن اليهود -الدولار - المرأة.
ومن هذا التقديم الموجز لفكرته في الجزء الثاني من كتابه (وجهة العالم الإسلامي) يدخل بن نبي في صلب الموضوع، وهنا تتبدى لنا المشكلة اليهودية في معظم صفحاته من خلال بناء أوروبا التاريخي تحت شعار الاستعمار في سائر مظاهر حضوره العسكري أو العلمي أو الثقافي الذي أحاط بفراغ القابلية للاستعمار.
وبن نبي هنا يحاول أن يكشف السر الخفي للعالم الحديث الذي نجده مبسوطا في فصول هذا الكتاب، وهو يبدأ من اتجاه الشتات اليهودي مع بداية العصر المسيحي، وقد مكن ذلك لليهود القادمين ما لم يكن مألوفا
في الشرق؛ فقد جاؤوا أوروبا مشتتين منبوذين غير فاتحين، لكن الشعب الأوروبي أوسع لهم الإقامة، وغدوا في النهاية هم المسيرين الحقيقيين للعمل الأوروبي والثقافة والسياسة والحياة الاقتصادية، ومن هنا تبدأ فصول القسم الأول من الكتاب تتدرج في تفاعل الخطة التاريخية لليهودي من ناحية وللغوييم من ناحية أخرى، وقد تجسد ذلك في النهاية في الحضارة الغربية مع ظاهرة الاستعمار في كامل قوة هيمنتها على رؤية العصر الحديث.
إن القسم الأول من فصول الكتاب خارج موضوع الجزء الأول من كتاب وجهة العالم الإسلامي، لكنه بدا لازما لجيل الغد الذي اجتاز عقبة القابلية للاستعمار ليبني - بكل انفتاح - عالما جديدا في خطط جديدة طرحها في القسم الثاني الذي يصل القارئ بموضوعه الأساس في الجزء
1 / 17
الأول من الكتاب، فقد تابع خطط اليهود في بناء الحضارة الغربية، في سائر مراحلها وبكل موضوعية، حين كان بن نبي يراها جلية أمامه عام ١٩٥١ كمشهد مستمر ومتفاعل في مسيرة الحضارة الغربية إلى نهاية القرن العشرين، وها إن مختلف الدراسات التي ظهرت مؤخرا في مساحة العقود التي تلت؛ قد طرحت تأييدا علميا وتاريخيا حول دراسة بن نبي، لذلك السر الخفي الذي انتهى إلى فوضى ما بعد الحداثة كما تصورها؛ نتيجة حرب عالمية ثالثة تنتهي بقوة التقدم في الأسلحة المدمرة، وقد توقع انهيار الاتحاد السوفسيتي أولا في كلا الحالين.
بقي السؤال المطروح دائما: لماذا أخرج بن نبي هذا الكتاب من التداول فبقي وديعة لدى أصدقائه وغاب عن عناوين إنتاجه؟ إذا نحينا جانبا مصاعب نشر الكتاب في ظل الرقابة الفرنسية الاستعمارية، يبدو بن نبي في سائر إنتاجه في موقع المقاتل في معركة الخروج من القابلية للاستعمار في ثورته ضد الاستعمار، وهنا نراجع مقدمة مذكراته (العفن) (Pourriture) وكان قد أنهى كتبه الثلاثة - أو كاد -في الأول من آذار/ مارس ١٩٥١، حيث قال:
(ولدت في عام ١٩٠٥؛ أي في زمن بدأت تظهر فيه الخطوط الأولى لمجتمع جديد ... فأنا إذن أنتمي إلى جيل أصيب بلعنة الزمن، حين أقفلت فيه دورة حضارة الإسلام القديمة، لتفتح دورة عهد جديد تتضامن فيه في عصرنا القابلية للاستعمار من ناحية والاستعمار من ناحية أخرى. وإذ يظهر أي منهما في مسار الأيام فتلك علامة نظام جديد لكنه غير قابل للتحديد.
لكن هذا النظام في شقين متضامنين ومترابطين في النهاية.
الشق الأول: القابلية للاستعمار نتيجة غروب حضارة الإسلام.
وهي بطبيعتها تبقى على الجمود.
1 / 18
الشق الثاني: الاستعمار الذي نشأ مع عالم الحضارة الغربية وهو يستغل جمودها وسكونها لصالحه).
هذه المقدمة لكتاب (العفن) (Pourriture) التي تزامن شخها مع
تاريخ كتابه هي التي تفسر لماذا كتب بن نبي الجزء الثاني من كتابه (وجهة العالم الإسلامي)، في قريته في فرنسا (Luat) في ٥/ ١٢/ ١٩٥١. أي إن الجزء الثاني الذي تناول قضية اليهود كأحد طرق الكفاح ضد الاستعمار؛ جاء في إطار منهج وضعه بن نبي منذ البداية لمشروعه النهضوي رغم مصاعب الطريق، فهو لا يكتب كمستكشف ليخرج على جمهور القراء بمعلومات جديدة، بل ليعد ما استطاع من قوة المنهج والمنطق، في بناء جيل يستعيد للإنسانة حضارة الإسلام، إثر انهيار مرتقب للعالم الحديث، ومن هنا انصرف إلى كتابه، وقد بدأ يخطه في حماس إلى أن فرغ من إنجازه كما أرخ في ٢٢/ ١/ ١٩٥٢ وهو يوقع آخر صفحة فيه (١).
_________
(١) نشير إلى ما كتب بالفرنسية في مذكرات الكاتب عام ١٩٥١؛ يتحدث عن قضائه الليلة الأخيرة من شهر رمضان في منزل عائلته في تبسة:
(في منتصف رمضان تركت فيليفيل إلى تبسة، كنت سعيدا إذ أمضيت آخر يوم من رمضان مع والدي وأختي عتيقة وابن عمي صلاح وجمع من الأصدقاء. في تبسة أصبحت تحت الرقابة الشديدة من البوليس. لذا لم أخرج من البيت طيلة النهار، وأمضيت في النادي السهر مع (سي صدوق وحشيشي ومختار) [أصدقاؤه]
وهذا الأخير آنس في وجهي إذ يحدثني علامات القلق. فمال إلي، وكنا جالسين وحدنا على مقعد في النادي، وقال لي:
سي مالك ... يجب أن تصبر وتتحمل، ساعدك الله، لا شك أنك متألم، إنما عليك المزيد من الصبر، إذ لو انهزمت وأنت في المقدمة تواجه بفكرك فماذا أصنع وأنا من عموم الشعب؟.
لقد أضافت كلمات مختار إلى متاعبي عبئا، ففي هذه اللحظات لم ألاق يأسا مظلما وبغير أفق كما لاقيته عام ١٩٥١، لكن رغم هذا الضغط من البوليس الذي أرهقني وأرهق أعصابي، فقد أحيت هذه الكلمات شعورا من المقاومة متجددا =
1 / 19
لكنه ما إن انتهى من صفحات كتابه الجزء الثاني حتى تبين له - على ما يبدو لنا - أن الأمر ما زال يقتضي بيان تفصيل في المشكلات الداخلية التي عرضها في الجزء الأول من كتابه (وجهة العالم الإسلامي) فاسترسل في طرح مضمون كتابه المنشور، وترك كتابه هذا إلى ما سوف يأتي في مساحة النصف الثاني من القرن العشرين (١).
فقد رأى بن نبي أن الشفاء من مرض القابلية للاستعمار يتطلب مزيد وعي في الحياة الداخلية في الثقافة والانضباط والتربية كما حددها في كتابه (شروط النهضة)، وفي المدى العالمي فالأمر يحتم بداية خروج آسيا وإفريقية (محور طنجة - جاكرتا) (أي جغرافيا القابلية للاستعمار) من
_________
= حين أشاعت في نفسي ارتياحا فلجأت إلى الصلاة ....)
ثم يضيف: (كانت الأخبار المتفائلة في المدى العالمي قد دفعتني لأن أستقل الباخرة عائدا إلى فرنسا إلى Luat) .
ونعتقد أن الأخبار المتفائلة التي أشار إليها في بداية الكتاب هي نفسها التي أشار إليها هنا، وهي التي صاغت فكرة القسم الثاني من كتاب (وجهة العالم الإسلامي). Mémoires d'un Temoin du siècle l'ecrivain p.p ٣٠٩ ed: samar.
مالك بن نبي مذكرات شاهد للقرن بالفرنسية.
(١) في مذكرات شاهد للقرن قسم " الكاتب " كتب بن نبي:
(لقد فرغت منذ أسبوعين أو ثلاثة من القسم الثاني من كتاب Vocation de) l'Islam) الذي لم أتوقع إنهاءه العام الماضي. لقد أوقفت كتابته فنحن الآن يوم الأحد ٢٤ شباط ١٩٥٢، وأنا أجهل نهاية هذه المأساة، فإذا كان لما كبت نتيجة ما فإنني أظن أن القارئ سوف يعرفها بطريقة أو بأخرى). نستطيع أن نفهم من وراء هذه العبارة لماذا أوقف نشر هذا القسم من كتابه بتاريخ ٢٤ شباط ١٩٥٢ بعد أن أنهى الكتابة فيه بتوقيعه في ٢٢/ ١/ ١٩٥٢ وتركه لجيل قادم سيأتي بعد انهيار الحضارة الغربية، وهذا ما يعبر عن تصور بن نبي لقيام عصر جديد بريء من القابلية للاستعمار - وكذلك لعالم بريء من الاستعمار.
1 / 20