الأَكِيدَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً ما رُوِيَ في قِصَّةِ بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ ابنُ إسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: لمَّا اجْتَمَعَتِ الأوْسُ والخَزْرَجُ في العَقَبَةِ، لِيبايِعُوا رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ العَبَّاسُ بنُ عُبَادَةَ بنِ نَضْلَةَ الخَزْرَجِيُّ ﵁: يا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ، هلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبايِعُونَ هذَا الرَّجُلَ؟
قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: إنَّكُمْ تُبايُعَونَهُ عَلَى حَرْبِ الأحْمَرِ والأسْوَدِ مِنَ النَّاسِ.
. . . قَالُوا: فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ إنْ نَحْنُ وَفَيْنَا؟
قَالَ ﷺ: "الجَنَّةُ".
قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ، فَبَسَط يَدَهُ ﷺ فبَايَعُوهُ (١).
وقَدْ صَدَقُوا ﵃ ما عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ، وبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وقَدْ قَالَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ ﵁ لِلنَّبِيِّ ﷺ عَلَى لِسَانِ الأَنْصَارِ يَوْمَ بَدْرٍ:
فَوَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ (٢).
فكَانُوا ﵃ صَادِقِينَ مِنَ اللَّحْظَةِ الأوُلَى، وقَدْ تَجَلَّى هَذَا الصِّدْقُ في العَزْمِ، والجِدِّ في العَمَلِ، ورُوحِ الامْتِثَالِ لِلْحَقِّ.
٤ - وَمِنْهَا أنَّ العَرَبَ كَانُوا بِمَعْزِلٍ عَنْ أدْوَاءِ المَدَنِيَّةِ والتَّرَفِ، التِي يَصْعُبُ عِلَاجُهَا، والتِي تَحُولُ دُونَ التَّحَمُّسِ لِلْعَقِيدَةِ والتَّفَانِي في سَبِيلِهَا.