The Hereafter - Omar Abdelkafy
الدار الآخرة - عمر عبد الكافي
اصناف
صبر أبي بكر بعد موت النبي
وبعد موت رسول الله ﷺ حصلت ضجة في المدينة كلها، فانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، فبدأ الصحابة يتجمعون، فـ عمر بن الخطاب لم يتمالك نفسه فقال: لا، لقد ذهب ليلقى ربه، كما لقي موسى ربه وسوف يعود، ومن قال: إن محمدًا قد مات لأفصلن عنقه عن جسده.
وكان سيدنا عثمان بن عفان مثل التائه يؤخذ من يده فيجر ويؤخذ يمينًا وشمالًا، فقد حصل عنده ذهول، وقعد علي بن أبي طالب على الأرض ولم يستطع أن يقف على قدميه، فما تمالك من الصحابة إلا أبو بكر، وقد كان حب أبي بكر لرسول الله ﷺ شديدًا ورغم ذلك تمالك نفسه، وذلك لأن رصيد الإيمان الذي عند أبي بكر كان عظيمًا، فقام وخطب الناس وقال: أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران:١٤٤].
قال سيدنا عمر: وكأني أسمع هذه الآية لأول مرة، فهدأ أبو بكر الصحابة، ثم دخل على رسول الله ﷺ فكشف عن وجهه الشريف وقبل جبينه، وقال: طبت حيًا وميتًا يا رسول الله، وانقطع لموتك ما لم ينقطع بأحد من الرسل من قبلك.
يعني: أن الأنبياء والرسل كانوا إذا مات الواحد منهم كان جبريل ينزل مرة أخرى بعده إلى الأرض، وجبريل عندما دخل على سيدنا الحبيب في آخر حياته قال له: لن يسوؤك ربنا في أمتك، وبكى جبريل، فقال: لماذا تبكي يا جبريل؟! قال: هذه آخر مرة أنزل فيها إلى الأرض، على من أنزل بعدك يا رسول الله؟ فقد انقطع الوحي وتمت الرسالة، واكتمل الكتاب، وأكمل الله الدين، وأتم النعمة، وقضي الأمر.
فهذا معنى: وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من النبيين من قبلك.
وقال سيدنا علي: كنت أمشي ذات مرة بالليل في ثاني يوم انتقل فيه الرسول للرفيق الأعلى، فوجدت عمر قاعدًا إلى جنب القبر الشريف ويبكي ويقول: يا رسول الله! لو آكلت كفؤًا لك ما آكلتنا، ولو جالست كفؤًا لك ما جالستنا، ولو تزوجت كفؤًا لك ما تزوجت منا، ولكن تواضعًا منك جالستنا وآكلتنا وجلست معنا، والله ما أحد أشرف على الله ﷿ منك يا رسول الله! فانظر إلى حب الصحابة للرسول كان كيف؟ وانظر أيضًا إلى هذه الدرجة العظيمة للرسول ﷺ.
2 / 10