The Harmony of Reason and Revelation in Ibn Rushd
العقل والنقل عند ابن رشد
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
السنة الحادية عشرة-العدد الأول
اشاعت کا سال
غرة رمضان ١٣٩٨هـ/١٩٧٨م
اصناف
خلاصة رأي ابن رشد في هذه المسألة أن الواجب هو الإيمان بالبعث بعد الموت، وأن هناك معادًا، وأما كون المعاد يكون للأرواح أو للأجسام فليس بمهم عند ابن رشد بل لكل إنسان أن يعتقد ما أدى إليه نظره واجتهاده.
والحق أن هذه المسألة من المسائل التي لم يوفق فيها ابن رشد بل أخطأ في دعوى أن المقام مقام اجتهاد بل الصواب أن المقام مقام نص، ولا اجتهاد مع النص طبعًا، فنصوص الكتاب والسنة تصرخ دون خفاء وبأعلى صوت: بأن المعاد للأجسام والأرواح معًا، فلنستمع إلى الآيات التالية وهي تستنكر على الإنسان حين ينسى أو يتناسى بأن الله خلقه من نطفة ويستصعب متسائلًا من يحيي العظام وهي رميم!!؟
﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ . ١ والآية التالية وهي تصف يوم القيامة ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾،٢ وإلى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ (الروم: ٢٧) .
وإذا انتقلنا إلى السنة نجدها تصرح بالمعاد الجسماني بما لا يترك مجالًا للشك أو الجدل، من ذلك قوله ﵊: "تبعث أمتي يوم القيامة غرًا محجلين"، وقوله: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا بهمًا".
دلالة الحديث الأول على البعث الجسماني واضحة جدًا، لأن الوصف بالغرة والتحجيل إنما هو وصف للجسم والروح تابعة طبعًا!.
وأما الحديث الثاني فلا تقل دلالته على المراد من الحديث الأول؛ لأن الأوصاف الأربعة كلها أوصاف لا تليق إلا بالجسم كما لا يخفى، والروح تدخل تبعًا، والله ولي التوفيق.
وبعد:
أعتقد أن الموضوع قد وضح، وليس بحاجة إلى تعداد أدلة أخرى غير ما تقدم من أدلة الكتاب والسنة، والعقل لا يستبعد ذلك طبعًا، لأنه لم يستبعد المبدأ، ولقد رأينا كيف ربطت بعض الآيات السابقة المعاد بالمبدأ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ .
_________
١ سورة يس.
٢ سورة الأنبياء.
1 / 96