The Fundamentals of the People of the Sunnah and the Community
أصول أهل السنة والجماعة
اصناف
توبة الأنبياء من الصغائر
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: إذا كان بعض الأنبياء نسي أو خرج عن حد الاعتدال بسبب فرط غضبه؛ فإن ذلك لا يؤثر في نبوته ولا رسالته، فإن المرء إذا وقع في ذنب تاب منه توبة نصوحًا، واجتهد على نفسه بالدعاء والاستغفار وسائر القربات ما لم يكن قد اجتهد قبل وقوعه في الذنب، إذا كان هذا في عامة البشر، فهو في حق الأنبياء أحرى وأولى، ولذلك قال تعالى في حق آدم: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه:١٢٠ - ١٢١].
أو في نوح ﵇: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود:٤٥]، فلامه ربه على مقالته هذه، وأعلمه أنه ليس من أهله، وأن هذا منه عمل غير صالح: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود:٤٦]، حينئذ استغفر نوح ربه من ذنبه وتاب وأناب: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود:٤٧].
وموسى ﵇ أراد نصرة الذي من شيعته فوكز الذي من عدوه ولم يقصد قتله، إنما ضربه بمجمع كفه: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص:١٥ - ١٦].
وداود ﵇ تسرع في الحكم قبل سماع قول الخصم الثاني، وهم أصحاب الغنم، لما أتوا إلى داود ﵇ ليحكم بينهم، تسرع داود لما سمع من أحد الخصمين ولم يسمع من الآخر، فكان قضاؤه مخالفًا للحق باجتهاد منه، ولما عاتبه الله ﷿، استغفر ربه وخر راكعًا وأناب فغفر الله له ذلك.
كما أن نبينا ﵊ لما حرم على نفسه العسل، وهي قصة طويلة مشهورة في أوائل سورة التحريم عاتبه الله ﷿ وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ [التحريم:١]، لو كان النبي ﵊ غير معصوم في التبليغ لأخفى وكتم هذه الآية، ولكنه ذكرها بأمانة ﷺ، وكذلك عاتبه الله ﷿ بقوله: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى﴾ [عبس:١ - ٥] أي: من صناديد الكفر والشرك: ﴿فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [عبس:٦] فأنت له تصدى يا محمد، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف:٢٨] عن بلال وصهيب وغيرهما ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف:٢٨].
ولقد هم الرسول ﵊ أن يصلي الجنازة على أحد المنافقين فقال عمر ﵁: لا تصل عليه يا رسول الله، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة:٨٤]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [الحجر:٩٧] وكل هذه أعراض بشرية وغيرها لا تؤثر في الرسالة والنبوة.
وإنما دعا من دعا إلى العصمة المطلقة في الكبائر والصغائر بسبب شبهتين: الشبهة الأولى: قالوا: إن الله أمر باتباع الرسول ﵊، والتأسي به والاقتداء، ولو أننا اتبعناه فيما أخطأ فيه لكان هذا أمرًا منافيًا للتأسي والاقتداء؛ لأننا لم نؤمر بالباطل واتباع ما خالف الصواب.
والرد عليهم: أن ذلك في حال ما إذا لم يظهر هذا الخطأ الذي وقع فيه النبي،
1 / 8