The Encyclopedia of Purification Rules - Al-Dubyan - Vol. 3
موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط ٣
ناشر
(بدون ناشر)
ایڈیشن نمبر
الثالثة
اشاعت کا سال
١٤٣٦ هـ (صرح المؤلف بأن هذه الطبعة ناسخة لما قبلها)
اصناف
موسوعة
أحكام الطهارة
أدلة ومسائل وقواعد وضوابط
القسم الأول
طهارة الحدث
المجلد الأول
أحكام المياه
تأليف
دبيان بن محمد الدبيان
1 / 4
مقدمة الطبعة الثالثة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، القائل في كتابه:
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: ٧٩].
وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، محمد بن عبد الله، وعلى آل بيته، وعلى صحابته، ومن اقتدى بهديهم إلى يوم الدين، أما بعد.
فقد كان كتابي أحكام الطهارة، أول كتبي تأليفًا، وكأي عمل تطرقه لأول مرة يكون فيه ما يوجب المراجعة، ذلك أن الإنسان كل ما كثرت ممارسته للكتابة زادت مهارته، وارتقت خبرته، لهذا كنت أمارس النقد على كتابتي، وأكتشف الأخطاء بنفسي، فكان ذلك يجمع في نفسي النقيضين: كراهة الخطأ والفرح بالتغير الذي يمن الله به على عبده، وكنت قد كتبت أحكام الطهارة وأنا شاب في منتصف الثلاثينيات من عمري، فكنت كل ما راجعت بعض مسائله التي بحثتها أدركت حاجة الكتاب إلى مراجعة شاملة، وكنت أعتذر لنفسي عن مراجعته بأني مشغول في كتاب المعاملات المالية، وحين من الله علي بإتمامه، وهممت أن أبدأ بكتاب الصلاة رأيت لزامًا علي أن أعيد النظر في كتاب الطهارة بعد سبع عشرة سنة من كتابة أغلب بحوثه، لهذا عملت مراجعة شاملة للكتاب اختلف فيها هذا الكتاب عن سابقه شكلًا ومضمونًا، مما جعلني أعتبر هذه الطبعة هي المعتمدة لكتابي أحكام الطهارة، وناسخة لغيرها، وقد اشتملت هذه المراجعة على الأمور التالية:
1 / 5
(١) أضفت في مدخل كل مسألة مجموعة من الضوابط والقواعد الفقهية التي تعين على فهم الخلاف والوصول إلى الراجح، ليكون الكتاب شاملًا للأحاديث والآثار، والمسائل الفقهية، والضوابط والقواعد الفقهية والأصولية.
فما كان منها محل وفاق جزمت به، وما كان منها محل خلاف، ذكرت الصيغة إما على سبيل الاستفهام، وأغلب هذه الضوابط منقولة، وبعضها حورته ليناسب المسألة الفقهية، وفي قليل منها اجتهدت في صياغته، وفي حين أعرض هذه الضوابط على شكل سؤال لاستثارة الأفهام.
مثال:
• إذا اختلط طاهر بماء مطلق، فتغير به، فهل يسلبه الطهورية بمطلق التغير؟ أو لا حتى يغلب على أجزائه؟
• اختصاص الماء بالطهورية، هل هو تعبد لا يعقل معناه، أو لاختصاصه بنوع من الرقة واللطافة والنفوذ؟
• ما غلب على لون الماء، فإن كان موافقًا للماء في الطهارة والتطهير كالتغير بالتراب لم يسلبه واحدة منها، وإن كان مخالفًا للماء في الطهارة والتطهير كالتغير بالنجاسة سلبه الوصفين معًا، وإن كان موافقًا للماء في الطهارة دون التطهير لم يسلبه الطهارة لموافقته لها، وهل يسبله الطهورية بمطلق التغير، أو لا حتى يغلب على أجزائه؟
وربما أشرت إلى الخلاف بقولي: على الصحيح، أو في الأصح.
مثال ذلك:
-الحكم بنجاسة الماء هو تغيره بالنجاسة، لا اتصاله بها على الصحيح؟
- كل عين نجسة فإنه يجوز الانتفاع بها في غير الأكل على الصحيح على وجه لا يتعدى.
1 / 6
-الاستحالة لها تأثير في الأحكام على الصحيح، فاستحالة الطيب إلى خبيث تجعله خبيثًا، كذا استحالة الخبيث إلى طاهر تجعله طاهرًا.
وفي أحيان قليلة يكون الخلاف ضعيفًا فلا أشير إليه في ذكر القاعدة.
ولم أتعرض إلى شرح الضوابط والقواعد، ولا إلى توثيقها لأن ذلك سوف يزيد من حجم الكتاب، والكتاب لا يشكو من قلة حجمه، خاصة أن الكتاب لم يكتب في القواعد، وإنما أضيفت لتخدم المسألة الفقهية، فهي ثانوية في مادة الكتاب.
وقد أكرر القاعدة والضابط في أكثر من موضع؛ لأنه من المعلوم أن القاعدة والضابط يدخل فيهما فروع فقهية كثيرة، فقواعد الماء المتغير يشمل مسائل كثيرة، منها الماء المتغير بمكثه، والماء المتغير بما يشق صون الماء عنه، والماء المتغير بممازج وبغير ممازج، والماء المتغير بالمجاورة، وقواعد هذه المسائل متكررة، لهذا حاولت قدر الإمكان أن أقسم القواعد على تلك المسائل بعدًا عن التكرار، أو أن أغير من صيغة القاعدة عند التكرار بحيث تشتمل على زيادة معنى ليس في غيرها إن أمكن ذلك، وإلا أعدتها بصيغتها، ويدرك القارئ طبيعة تكرار القواعد للفروع المتشابهة.
(٢) أعدت تخريج جميع الأحاديث التي سبق أن خرجتها، فكان هناك مجموعة تراجعت فيها عن حكمي السابق، وما لم أراجع فيه حكمي فقد أعدت صياغته بطريقة تكون الصناعة الحديثية أوضح وأسهل للطالب.
(٣) راجعت بعض ترجيحاتي الفقهية السابقة اتباعًا للحق متى ما ظهر، وابتعادًا عن التعصب.
(٤) حاولت قدر الإمكان التقليل من الأخطاء، والتي كانت كثيرة في الطبعة السابقة.
1 / 7
وأسأل الله ﷾ أن يتقبل مني هذا العمل وأن يجعله خالصًا لوجهه على هدي نبيه ﷺ، وأن يتجاوز سبحانه عن الخطأ والتقصير.
دبيان بن محمد الدبيان
المملكة العربية السعودية
القصيم - بريدة
* * *
1 / 8
القسم الأول طهارة الحدث
1 / 9
طهارة الحدث
كتاب المياه
الطهارة لدى الفقهاء على ثلاثة أقسام
القسم الأول: طهارة تعبدية غير معقولة المعنى:
وهي الطهارة من الحدث، بنوعيه الأصغر والأكبر.
وقدمت دراسة هذه الطهارة لفضلها على سائر أنواع الطهارات، من ذلك:
أنها طهارة مختصة بالمسلم، بخلاف طهارة الخبث، فلا يشترط لها الإسلام، فبدن الكافر ولباسه يوصف بالطهارة الحسية، ولكنه لا تصح منه طهارة الحدث.
ولأن طهارة الحدث شطر الإيمان كما في صحيح مسلم.
وهي عبادة مقصودة لذاتها، ووسيلة لبعض العبادات كالصلاة، والطواف ومس المصحف.
وإذا توضأ المسلم فقد جمع في ذلك بين طهارة بدنه من الحدث، وطهارته من صغائر الذنوب، فقد جاء في صحيح مسلم أنها تخرج مع الماء أو مع آخر قطر الماء.
لهذه الأسباب وغيرها قدمتها على طهارة الخبث.
ويدخل في طهارة الحدث الكتب التالية:
الكتاب الأول: أحكام المياه، وقدمته باعتباره الوسيلة للحصول على طهارة الحدث.
الكتاب الثاني: جعلته في فعل التطهير، وبدأته في الطهارة الصغرى، تناولت فيه الوضوء، فرائضه وسننه ونواقضه.
الكتاب الثالث: طهارة المسح بالماء في الطهارة الصغرى، وهو جزء من طهارة الوضوء؛ إلا أنها طهارة مخففة يكفي فيها المسح بدلًا من الغسل، من خف وعمامة وجورب، وجبيرة.
1 / 10
الكتاب الرابع: في الطهارة من الحدث الأكبر، وتناولت فيه الغسل، موجباته، وسننه، وصفته.
الكتاب الخامس: في طهارة التيمم، وهي مختصة بطهارة الحدث على الصحيح، وأخرتها باعتبارها طهارة بدل، لا تصح إلا عند عدم الماء أو التضرر من استعماله، وتدخل في الطهارة الصغرى والكبرى.
وبهذا تنتهي طهارة الحدث لننتقل إلى القسم الثاني من الطهارة.
القسم الثاني من الطهارة: وهي الطهارة الحسية
وهي محصورة في الطهارة من النجاسات، وهذا القسم يشمل الكتب التالية:
الكتاب الأول: معرفة الأعيان النجسة وكيفية الطهارة منها،، وقدمت هذا الكتاب في الطهارة من النجاسة؛ لأنه يتعين قبل الدخول في التطهر من النجاسات أن نتعرف على أعيانها، ثم ندخل إلى كيفية التطهر منها.
الكتاب الثاني: الطهارة بالاستنجاء والاستجمار. وهذا الكتاب داخل في قسم كيفية الطهارة من النجاسة، إلا أنه مختص بنوع من النجاسات وهي البول والغائط.
الكتاب الثالث والرابع: الحيض والنفاس. وهو مختص في الطهارة من الدماء الطبيعية، وهذه الطهارة تجمع بين طهارة الحدث وطهارة الخبث، وإنما جعلتها في طهارة الخبث؛ لتقدمها على طهارة الحدث، ولترتب طهارة الحدث عليها.
القسم الثالث: طهارة التفث
وهي ملحقة بالطهارة الحسية إلا أنها ليست عن حدث، ولا عن خبث، وسميت شرعًا، بسنن الفطرة، كتقليم الأظفار، والختان، والاستحداد، وقص الشارب، وغسل البراجم.
ويدخل فيها كل غسل لا يوجبه حدث، ولا خبث، كغسل الجمعة، وغسل الإحرام، وغسل الطواف، والعيدين، إلا أنني ورغبة في وحدة الموضوع لم أفصل الأغسال المستحبة عن الأغسال الواجبة.
هذه الكتب التي سوف تدخل في أحكام الطهارة، وأول ما أستفتح فيه طهارة الحدث هو كتاب المياه، وإنما استفتحت طهارة الحدث بهذا الكتاب، لأن طهارة الحدث
1 / 11
تنقسم إلى قسمين:
طهارة أصلية: وهذه لا تكون إلا بالماء، فإذا كان الماء هو الوسيلة للحصول على هذه الطهارة، تعين تقديمه قبل الخوض في أحكام الطهارة؛ وذلك من أجل معرفة صفة الماء الطهور من غيره، وما يسلبه الطهورية قبل الدخول في التطهير.
وطهارة بدل: وهذه طهارة التيمم، ويشترط لصحتها عدم الماء، أو الخوف من استعماله.
• خطة البحث في هذا الكتاب
أحكام المياه يقوم على تمهيد، وأبواب، ويشتمل كل باب منها على فصول، يتفرع منه مباحث وفروع ومسائل، على النحو التالي:
التمهيد، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الطهارة.
المبحث الثاني: تعريف النجاسة.
المبحث الثالث: الأصل في المياه.
الباب الأول: في أقسام المياه.
الباب الثاني: الوضوء بالماء المحرم كالمغصوب ونحوه.
الباب الثالث: حكم رفع الحدث وإزالة الخبث من ماء زمزم.
الباب الرابع: في الماء المتغير، وفيه فصول.
الفصل الأول: في الماء المتغير بالطاهرات.
وفيه مباحث.
المبحث الأول: الماء المتغير بطاهر غير ممازج.
الفرع الأول: التغير بغير ممازج لا يشمل اللون والطعم.
الفرع الثاني: في حكم الماء إذا تغير بطاهر غير ممازج.
المبحث الثاني: الماء المتغير بطاهر يشق صون الماء عنه.
المبحث الثالث: الماء المتغير بطول مكثه.
1 / 12
المبحث الرابع: في الماء المالح.
الفرع الأول: في تغير الماء بملح موضوع فيه.
الفرع الثاني: الخلاف في طهورية ماء البحر.
المبحث الخامس: إذا تغير الماء بشيء طاهر.
وفيه فرعان:
الفرع الأول: الماء المتغير بطاهر يمكن التحرز منه.
الفرع الثاني: خلاف العلماء في الطهارة بالنبيذ.
الفصل الثاني: الماء المتغير بالنجاسة، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الماء المتغير بمجاورة نجاسة.
الفرع الأول: المقصود من التغير بالمجاورة.
الفرع الثاني: حكم الماء المتغير بالمجاورة.
المبحث الثاني: الماء المتغير بممازجة النجاسة.
الباب الخامس: في الماء المستعمل.
الفصل الأول: حكم الماء المستعمل في رفع الحدث.
المبحث الأول: في تعريف الماء المستعمل.
المبحث الثاني: خلاف العلماء في الماء المستعمل في رفع الحدث.
الفصل الثاني: الماء المستعمل في طهارة مستحبة.
الفصل الثالث: الماء المستعمل في طهارة غير مشروعة.
الفصل الرابع: الماء المستعمل في التبرد والنظافة.
الفصل الخامس: الماء المستعمل في غمس يد القائم من النوم.
الفرع الأول: حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء.
الفرع الثاني: في التماس العلة في غسل اليد قبل إدخالها الإناء.
الفرع الثالث: هل يختص الحكم في القيام من نوم الليل أو يشمل كل نوم.
1 / 13
الفصل السادس: الماء المستعمل في إزالة النجاسة.
الباب السادس: في الطهارة من فضل الوضوء.
الفصل الأول: حكم وضوء الرجال والنساء جميعًا إذا كانوا من المحارم.
الفصل الثاني: في فضل وضوء المرأة.
الفصل الثالث: في الوضوء بفضل الرجل.
الباب السابع: في الشك والاشتباه.
الفصل الأول: في حكم الماء ونحوه إذا كان مشكوكًا فيه.
الفصل الثاني: إذا اشتبه الماء الطهور بالماء النجس.
الفصل الثالث: إذا اشتبه ماء طهور بماء طاهر.
الفصل الرابع: إذا اشتبهت ثياب طاهرة بمحرمة أو نجسة.
الفصل الخامس: في الإخبار بنجاسة الماء.
المبحث الأول: إذا أخبره رجل أو امرأة بنجاسة الماء.
المبحث الثاني: إذا أخبره صبي عن طهارة أو نجاسة الماء.
المبحث الثالث: إذا أخبره فاسق عن نجاسة الماء.
المبحث الرابع: في السؤال عن الماء.
الباب الثامن: في الماء النجس.
الفصل الأول: في الماء القليل إذا لاقته نجاسة ولم يتغير.
الفصل الثاني: في الماء الكثير إذا لاقته نجاسة.
المبحث الأول: في الماء الكثير إذا لاقته نجاسة فلم تغيره.
المبحث الثاني: في الماء الكثير إذا غيرته النجاسة.
الفرع الأول: في الكلام على بئر المقبرة.
الفرع الثاني: في الوضوء من بئر ثمود.
الفصل الثالث: في المائع غير المائي تخالطه النجاسة.
1 / 14
الفصل الرابع: في الماء المسخن.
المبحث الأول: الماء المسخن بنجاسة.
المبحث الثاني: الماء المسخن بالشمس.
الباب التاسع: في تطهير الماء المتنجس.
المبحث الأول: نجاسة الماء نجاسة حكمية.
المبحث الثاني: خلاف العلماء في كيفية تطهير الماء المتنجس.
الباب العاشر: في الآنية.
تمهيد.
الفصل الأول: في الأواني الثمينة من غير الذهب والفضة.
الفصل الثاني: في الأواني من الذهب والفضة.
المبحث الأول: في حكم الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة.
المبحث الثاني: في استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب.
المبحث الثالث: في الطهارة من آنية الذهب والفضة.
المبحث الرابع: في اتخاذ أواني الذهب والفضة.
الفصل الثالث: في الأواني المضببة بالذهب والفضة.
المبحث الأول: في تضبيب الأواني بالذهب.
الفرع الأول: في تعريف الضبة.
الفرع الثاني: في حكم تضبيب الأواني بالذهب.
المبحث الثاني: خلاف العلماء في التضبيب بالفضة.
الفصل الرابع: في آنية الكفار.
الفصل الخامس: في الأواني المتخذة من جلود الميتة.
المبحث الأول: في الأواني المتخذة من جلود الميتة.
المبحث الثاني: في الآنية المتخذة من عظام الميتة وقرنها وحافرها.
1 / 15
المبحث الثالث: في الآنية المتخذة من شعر الميتة، وصوفها ووبرها.
هذه خريطة البحث في كتاب المياه سائلًا المولى ﷾ أن يجعل العمل خالصًا لوجهه، وأن يتقبله مني بقبول حسن، وأن ينفع به، وأنه يجعله من العمل الصالح الذي لا ينقطع، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
* * *
1 / 16
تمهيد
المبحث الأول تعريف الطهارة
تعريف الطهارة اصطلاحًا (^١):
_________
(^١) أما تعريف الطهارة لغةً، فسوف أذكر من التعريفات اللغوية ما يحتاج إليها في الفقه، وما يعين على ضبط الشكل، وأما بقي المعاني اللغوية فيجدها القارئ في كتب اللغة، وليس هذا من مظان بحثها طلبًا للاختصار.
الفعل: (طهر) فعل ماض على وزن (فَعَل وفَعُل) بفتح العين وضمها من بابي قتل وقرب. والمصدر: طَهَارة. والاسم: الطُّهر بضم الطاء: وهو النقاء من الدنس والنجس.
قال أهل اللغة: الطُهور بالضم التطهر (الفعل)، وبالفتح اسم ما يتطهر به من الماء أو الصعيد، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: ٤٨] وقال ﷺ: التراب طَهور المسلم. ومثله: الوَضُوء اسم للماء والوُضُوء الفعل. والسَحُور اسم لما يتسحر به من طعام وشراب، والسُحُور الفعل. ومثله السَّعوط. قال تعالى: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) [الإنسان: ٢١]. اسم للماء وقال النبي ﷺ: لا يقبل الله صلاة امرئ بغير طُهور. اسم للفعل.
قال الأزهري: الطَهور في اللغة: هو الطاهر المطهر؛ لأنه لا يكون طَهُورًا إلا وهو يتطهر به، كالوضوء: لما يتوضأ به، والفَطور لما يفطر به، وسئل رسول الله ﷺ عن ماء البحر، فقال: هو الطَهور ماؤه، الحل ميتته: أي الطاهر المطهر.
وقال سيبويه: الطَهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معًا.
وامرأة: طاهر: أي من الحيض، وإذا قيل: طاهرة أي من الأدناس، كما يقال: امرأة حامل وحائض فيما لا يشاركها فيه الرجل فلا يحتاج إلى تاء التأنيث، بخلاف حاملة أي لمتاعها فرقًا بين المذكر والمؤنث. انظر لسان العرب (٤/ ٥٠٤، ٥٠٥)، تاج العروس (١٢/ ٤٤٦)، القاموس المحيط (ص: ٥٥٤)، العين (٤/ ١٨، ١٩)، مختار الصحاح (٢/ ٣٧٩)، المصباح المنير (ص: ١٦٩)، وانظر أنيس الفقهاء (ص: ٤٦)، طلبة الطلبة (ص: ٢٤).
1 / 17
• تعريف الحنفية:
قال في الجوهرة النيرة: الطهارة: عبارة عن رفع حدث وإزالة نجس، حتى يسمى الدباغ والتيمم طهارة (^١).
فشمل التعريف طهارتين: طهارة الحدث بالماء والتراب، كالوضوء والتيمم.
وطهارة الخبث وذلك بإزالة النجاسة بمطهر، كالاستنجاء والدباغ.
• تعريف المالكية:
جاء في مواهب الجليل: تطلق الطهارة في الشرع على معنيين:
أحدهما: الصفة الحكمية القائمة بالأعيان التي توجب لموصوفها استباحة الصلاة به أو فيه أوله، كما يقال: هذا الشيء طاهر.
والمعنى الثاني: إطلاق الطهارة على التطهير، وهو رفع الحدث وإزالة النجاسة، كما في قولهم: الطهارة واجبة.
وفي كلام القرافي: أن المعنى الأول حقيقة، والثاني مجاز (^٢).
واعترض ابن عرفة على من عرف الطهارة بالمعنى الثاني فقال: وقول المازري وغيره: الطهارة إزالة النجس، أو رفع مانع الصلاة بالماء أو في معناه، إنما يتناول التطهير، والطهارة غير التطهير لثبوتها فيما لم يتنجس، وفي المطهر بعد الإزالة (^٣).
والصحيح أن الطهارة كما تكون صفة للأعيان الطاهرة، تكون نتيجة للتطهير أيضًا. قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: ٤٨]. أي طاهر. وقال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ) [الأنفال: ١١]. فالماء كما يوصف بأنه طهور في ذاته كذلك يحصل منه الطهارة بالتطهير.
_________
(^١) الجوهرة النيرة (١/ ٣)، وانظر البحر الرائق (١/ ٨)، والعناية شرح الهداية (١/ ١٢).
(^٢) مواهب الجليل (١/ ٤٣).
(^٣) مواهب الجليل (١/ ٤٣، ٤٤)، وانظر شرح حدود ابن عرفة (ص: ١٢)، الخرشي (١/ ٦٠، ٦١)، الفواكه الدواني (١/ ١٢٢).
1 / 18
• تعريف الشافعية والحنابلة:
قالوا: الطهارة: هي ارتفاع الحدث، وما في معناه، وزوال الخبث (^١).
وقد اشتمل التعريف على ثلاثة أقسام، كل منها يطلق عليه طهارة شرعية.
الأول: رفع الحدث.
الثاني: إزالة النجاسة.
الثالث: ما في معناهما.
فأما رفع الحدث: فلا شك أن ارتفاع الحدث يسمى طهارة شرعية، سواء كان الحدث أصغر أو أكبر، فإذا توضأ الإنسان أو اغتسل من الحدث فقد تطهر، قال تعالى، بعد أن ذكر طهارة الوضوء من الحدث الأصغر والأكبر، في طهارة الماء والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [المائدة: ٦].
وفي مسلم من حديث ابن عمر: لا تقبل صلاة بغير طهور (^٢).
والذي لم يتطهر يقال له محدث بنص السنة.
(١) فقد جاء في الصحيحين من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (^٣).
الثاني من أقسام الطهارة: إزالة النجاسة.
فإذا أزيلت النجاسة عن المحل فقد حصلت له طهارة شرعية من هذه النجاسة.
_________
(^١) انظر في كتب الشافعية: المجموع (١/ ١٢٣)، أسنى المطالب (١/ ٤)، شرح البهجة (١/ ١٣)، حاشيتا قليوبي وعميرة (١/ ١٩)، وانظر في كتب الحنابلة: كشاف القناع (١/ ٢٣)، المطلع على أبواب المقنع (ص: ٥).
(^٢) مسلم (٢٢٤).
(^٣) البخاري (١٣٥)، ومسلم (٢/ ٢٢٥).
1 / 19
(٢) روى مسلم في صحيحه من طريق محمد بن سيرين، وهمام بن منبه كلاهما
عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله ﷺ: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب (^١).
فالطهارة التي ذكرها رسول الله ﷺ لهذا الإناء ليست من الحدث، ولكنها طهارة من الخبث، وهي النجاسة، ومع ذلك اعتبرها الشارع طهارة شرعية، بل لو قيل: إن الطهارة من النجاسة هي الأصل في إطلاق الطهارة لم يكن القول بعيدًا من حيث اللغة؛ لأن الطاهر عكس النجس، بخلاف طهارة الحدث فإنها ليست عن نجاسة، وقد لا يزال بها وساخة.
وبهذه الأدلة تبين لنا أن رفع الحدث طهارة، وزوال النجاسة طهارة أيضًا. وقد جمع الله ﷾ طهارة الحدث، وطهارة النجاسة في آية واحدة في سورة البقرة على القول الصحيح. قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) [البقرة: ١٢٢].
فقوله سبحانه: (حَتَّى يَطْهُرْنَ). أي من النجاسة، التي هي انقطاع دم الحيض. وقوله: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ): أي من الحدث الأكبر بالغسل بعد الطهارة من الحيض.
النوع الثالث: هناك طهارة لا يرتفع بها الحدث، ولا تزال بها النجاسة، وهي مع ذلك طهارة شرعية. سماها الفقهاء: (في معنى ارتفاع الحدث)، وفي معنى إزالة النجاسة.
فالطهارة التي في معنى ارتفاع الحدث كتجديد الوضوء، فهو طهارة شرعية، ومع ذلك لم يرتفع بها الحدث؛ لأن الحدث قد ارتفع، ومثله الأغسال المستحبة شرعًا، ومثله الغسلة الثانية والثالثة في الوضوء، ومثله تغسيل الميت.
والطهارة التي في معنى إزالة النجاسة طهارة المستحاضة، فإنه يحكم لها بالطهارة
_________
(^١) مسلم (٩١، ٢٩ - ٢٧٩).
1 / 20
وإن كان الحدث مستمرًا، ومثله من به سلس بول، ومن قال: إن هذه استباحة وليست طهارة فالخلاف معه قريب من اللفظي (^١)؛ لأننا إذا أبحنا له فعل الصلاة، فقد حكمنا له بالطهارة. وقد قال الرسول ﷺ: لا يقبل الله صلاة بغير طهور.
وقد سبق تخريجه (^٢). فلما أذن له شرعًا بالصلاة علم أنها هذه طهارته.
* * *
_________
(^١) وقد يقال: إنه خلاف معنوي، وله ثمرة، حيث إنهم يوجبون على المتيمم التيمم لكل صلاة، ولو لم يحدث، والمخالف لهم يبيح له الصلاة بتيممه ما لم يحدث، أو يمكنه استعمال الماء.
(^٢) انظر تخريجه في صفحة (١٩).
1 / 21
المبحث الثاني تعريف النجاسة
تعريف النجاسة اصطلاحا (^١):
النجاسة: ضد الطهارة، وهناك تعريفات كثيرة للنجاسة نقتصر على بعضها:
• التعريف الأول:
قيل: النجاسة عين مستقذرة شرعًا (^٢).
فقوله: (عين) أي ذات وجرم محسوس، من لون أو طعم أو ريح، وخرج بهذا القيد الوصف؛ فإنه عرض من المعاني.
_________
(^١) نجس فيها لغتان: الأولى: نَجِس بكسر الجيم على وزن فَعِل مضارعه على وزن يفْعَل كعلم يعلم وطرب يطرب.
والثانية: نَجُسَ على وزن فَعُل مضارعه على وزن يفْعُل من باب شرف يشرف. قال في تاج العروس (١٦/ ٥٣٥): نَجِس ثوبه كسَمِع وكرُم. وانظر المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية مادة (نجس) (ص: ٩٤٠)، والمطلع على أبواب المقنع (ص: ١٨)، واقتصر معجم الصحاح (ص: ١٠٢٣) على (فَعِل).
وزاد صاحب المصباح المنير (ص: ٣٠٦) (نَجَسَ) ينجُس من باب قتل. فتكون هذه لغة ثالثة.
وإذا قُلْتَ: رَجُلٌ نَجِسٌ - بكسر الجيم - ثَنَّيْتَ وجَمَعْتَ، وإذا قُلْتَ: نَجَسٌ بفَتحِها لم تُثَنِّ ولم تَجْمَع وقُلْتَ: رَجُلٌ نَجَسٌ ورَجُلانِ نَجَسٌ ورِجالٌ نَجَسٌ وامرأةٌ نَجَسٌ ونِساءٌ نَجَسٌ. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة: ٢٨]. العين (٦/ ٥٥)، مختار الصحاح (ص: ٢٨)، المصباح المنير (ص: ٣٠٦)، العباب الزاخر (١/ ٢٠٢).
والنجاسة حسية وهي الأصل، ومعنوية، ومنه: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة: ٢٨]. كالطهارة حسية كالاستنجاء، ومعنوية: كقوله: ﷺ: إن المؤمن لا ينجس. ولا يقصد النجاسة الحسية فإن المؤمن كغيره تلحقه النجاسة الحسية.
(^٢) حاشية ابن عابدين (١/ ٨٥).
1 / 22
وقوله: (مستقذرة شرعًا) خرج به المستقذر بالطبع، ولم يأت الشرع بتنجيسه، كالمخاط والبصاق.
• التعريف الثاني:
النجاسة: كل عين حرم تناولها على الإطلاق، مع إمكان التناول لا لحرمتها (^١).
قال: وقولنا: (على الإطلاق) احتراز من السموم التي هي نبات؛ فإنها لا يحرم تناولها على الإطلاق، بل يباح القليل منها، وإنما يحرم الكثير الذي فيه ضرر.
قال: وقولنا: (مع إمكان التناول) احتراز من الأشياء الصلبة؛ لأنه لا يمكن تناولها.
وقولنا: (لا لحرمته) احتراز من الآدمي.
وانتقد النووي هذا التعريف، وقال النووي: يدخل في التعريف التراب والحشيش المسكر والمخاط والمني وكلها طاهرة مع أنها محرمة. وفي المني وجه أنه يحل أكله، فينبغي أن يضم إليها لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها في بدن أو عقل والله أعلم (^٢).
وزاد بعضهم قيدًا آخر، وهو كونه في حالة الاختيار؛ لأن الضرورة لا تحريم معها (^٣).
• التعريف الثالث:
النجاسة: هي كل عين جامدة، يابسة أو رطبة أو مائعة، يمنع منها الشرع بلا ضرورة، لا لأذى فيها طبعًا، ولا لحق الله أو غيره شرعًا (^٤).
_________
(^١) المجموع (٢/ ٥٦٥)، المنثور في القواعد (٣/ ٢٤٨)، الإنصاف (١/ ٢٦).
(^٢) المجموع (٢/ ٥٦٥)، المنثور في القواعد (٣/ ٢٤٨)، الإنصاف (١/ ٢٦).
(^٣) المطلع على أبواب المقنع (ص: ٧)، والمنثور في القواعد (٣/ ٢٤٨)، أسنى المطالب (١/ ٩).
(^٤) الإنصاف (١/ ٢٦).
1 / 23