The Early Recording of the Sunnah Between Dr. Subhi al-Salih and the Orientalists
التدوين المبكر للسنة بين الدكتور صبحي الصالح والمستشرقين
ناشر
بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي حول معالم التجديد في فكر الدكتور صُبْحِي الصَّالِح ﵀ (المنعقد في جامعة الجنان ٣ و٤ تشرين الثاني ٢٠٠٦ م).
اصناف
وبالرغم من أنه هو الذي روى عن ابن عباس قوله: «إِنَّمَا أَضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمُ الكَتْبُ» (٩٢)، نجده يروي عنه أيضًا: «خَيْرُ مَا قُيِّدَ بِهِ العِلْمُ الكِتَابُ» (٩٣).
ولو نظر من لا رأي له في هذه النقول لظن أنها متضاربة، ولكنها في الحقيقة تتكلم عن حالين مختلفين، فالنهي منصرف إلى كتابة الرأي المجرد، والإذن منصرف إلى جواز، بل وضرورة، كتابة النصوص النبوية.
ومن قرأ النصوص القديمة وأمعن النظر فيها يدرك أن لفظة (عِلْمٍ) يراد بها النصوص الشرعية - قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ -، ويقابل ذلك (الرَّأْيُ) وهو الفهم لهذه النصوص. وهذا المعنى واضح في كلمة جابر بن زيد: «يَكْتُبُونَ مَا عَسَى أَنْ أَرْجِعَ عَنْهُ غَدًا؟!»، لأنه نَظَرٌ مِنْهُ فِي الدَّلِيلِ، وقد يصح خلافه، فيوجب ذلك الرجوع عنه.
والنصوص على ذلك كثيرة جدًا. منها مثلًا:
- قول الإمام مالك ﵀: «الحُكْمُ الذِي يُحْكَمُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ حُكْمَانِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَا أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ، فَذَلِكَ الحَكَمُ الوَاجِبُ وَذَلِكَ الصَّوَابُ، وَالحُكْمُ الذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ العَالِمُ رَأْيَهُ فَلَعَلَّهُ يُوَفَّقُ، وَثَالِثٌ مُتَكَلِّفٌ فَمَا أَحْرَاهُ أَلاَّ يُوَفَّقَ» (٩٤).
فليُنظَر كيف فَرَّقَ الإمام مالك بين النقل، وبين النظر فيه، وبين النظر العري عن الدليل. فالأول هو المأذون بتدوينه، والثاني هو الذي لم يأذن التابعون بتدوينه، والثالث لا يعتبر أصلًا.
- ومن الأدلة عليه ما قاله الإمام الشافعي ﵀: «لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ العِلْمِ، وَِجِهَةُ العِلْمِ مَا نُصَّ فِي الكِتَابِ أَوْ فِي السُنَّةِ، أَوْ فِي الإِجْمَاعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ فَالقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الأُصُولِ مَا كَانَ فِي [مَعْنَاهَا]» (٩٥).
وهذا تصريح بمرادهم من لفظة (العِلْمِ) وأنه النص.
- ومن هذا الباب ما أخرجه الإمام عبد الرزاق الصنعاني في " مصنفه " (٩٦) عَنْ عَطَاءَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ - أي في الحج - فَقَالَ: «تُصَلِّي وَتَصُومُ، وَتَقْرَأُ القُرْآنَ، وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ، ثُمَّ تَطُوفُ». قَالَ
_________
(٩٢) " تقييد العلم " للخطيب البغدادي: ص ٤٣. وينظر " علوم الحديث ومصطلحه ": ص ٣٥.
(٩٣) " تقييد العلم " للخطيب البغدادي: ص ٩٢. وينظر " علوم الحديث ومصطلحه ": ص ٣٥.
(٩٤) " جامع بيان العلم وفضله "، الحافظ ابن عبد البر: ٢/ ٢٥.
(٩٥) " جامع بيان العلم ": ٢/ ٢٦.
(٩٦) ج١ / ص ٣١١، رقم ١١٩٤.
1 / 17