30

The Doctrine of Belief in Predestination and Decree among the Salaf and its Impact on the Believer

عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر عند السلف وأثرها على المؤمن

اصناف

١٦ - من ثمرات الإيمان بالقدر: التوبة والرجوع إلى الله: فإن العبد إذا وقع في الذنب خرج من قلبه الغلظة والقسوة والكيفية الغضبية التي كانت عنده لمن صدر منه ذنب حتى لو قدر عليه لأهلكه وربما دعاء الله عليه أن يهلكه ويأخذه غضبًا منه لله وحرصًا على ألا يعصي فلا يجد في قلبه رحمة للمذيبين الخاطئين ولا يراهم إلا بعين الاحتقار والازدراء ولا يذكرهم إلا بلسان الطعن فيهم والعيب لهم والذم فإذا جرت عليهم المقادير وخلي ونفسه استغاث الله والتجأ إليه وتململ بين يديه تململ السليم ودعاه دعاء المضطر فتبدلت تلك الغلظة على المذنبين رقة وتلك القساوة على الخاطئين رحمه ولينًا مع قيامه بحدود الله، وتبدل دعاءهم عليهم دعاء لهم، وجعل لهم وظيفة من عمره يسأل الله أن يغفر لهم فما أنفعه لهم من مشهد وما اعظم جدواه عليه والله اعلم (^١). ١٧ - من ثمرات الإيمان بالقدر: الخوف والحذر من الله: فالمؤمن بالقدر على حذر من الله، إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فلا يغتر بعمله مهما كثر؟ فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها حيث يشاء، والخواتيم علمها عند الله ﷿. ١٨ - من ثمرات الإيمان بالقدر: التوكل واليقين والاستسلام لله، والاعتماد عليه: لأن رضى العبد بتدبيره الله له يتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيًا بكل ما يفعل به. قال ابن القيم: (فصل والأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية والأمر، اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها. وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح. فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا) (^٢)، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: ١٥١]. (فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات، وحمل كله وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها، ولا يثقله ولا يكترث بها، فتولاها دونه، وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه، وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه! وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه! وإن أبى إلا تدبيره لنفسه، واختياره لها، واهتمامه بحظه - دون حق ربه - خلاه وما اختاره، وولاه ما تولى، فحضره الهم والغم والحزن والنكد والخوف والتعب وكسف البال وسوء الحال، فلا قلب يصفو، ولا عمل يزكو، ولا أمل يحصل، ولا راحة يفوز بها، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه، فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش، ولا يظفر منها بأمل ولا يتزود منها لمعاد) (^٣).

(^١) المرجع السابق (١/ ٤٢٦). (^٢) مفتاح دار السعادة ص (٢/ ٩٠)، طبعة رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض. (^٣) الفوائد ص ٨٤ - ٨٥.

1 / 29