The Concise Creed of the Pious Predecessors: Ahl al-Sunnah wa al-Jama'ah
الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة
ناشر
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢هـ
پبلشر کا مقام
المملكة العربية السعودية
اصناف
[تقديم وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد]
الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة تقديم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الحمد لله المتفرد بصفات الكمال والجمال والجلال، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته، ولا ند له في ربوبيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد كان الناس قبل مبعث محمد ﷺ في جاهلية جهلاء؛ يعيشون في ظلمات من الشرك
1 / 5
والجهل، وتسيطر عليهم الخرافات، ويتطاحنون في نزاعات وصراعات قبلية، يسبي بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، يعيشون في تخلف وهمجية وفرقة، شعارهم:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
حتى إذا أذن الله لشمس الإسلام أن تشرق بعث محمدا ﷺ ليعلن للبشرية أنه: " لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه ".
لقد جاء بالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والغاية العظمى من الخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] به بعث الرسل وأنزلت الكتب، ورفع من أجله علم الجهاد.
ثلاث عشرة سنة في مكة والنبي- ﷺ يدعو إليه، ويغرس جذوره في أعماق النفوس، ويبني أسسه ودعائمه في سويداء القلوب، ويثبت أركانه في الوجدان؛ حتى اتضحت سبيله للسالكين، وبانت معالمه للراغبين، فأظهر الله الحق وأزهق الباطل، وأضاءت القلوب أنوار التوحيد الخالص، فجلته من أوضار الشرك، وصقلته من أدران التنديد.
1 / 6
لقد جاء النبي- ﷺ والقلوب أرض جرداء فسقاها من نمير التوحيد، وأرواها من سلسبيل الإخلاص، وساقها إلى الله دليل المتابعة، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فعزت الأمة بعد ذلتها، واجتمعت بعد فرقتها، وصارت غالبة بعد أن كانت مغلوبة.
بقيت العقيدة على صفائها ونقائها وطهرها، حتى إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، ودخل في دين الله من لم يتشرب قلبه التوحيد الخالص، حدث في الناس الخلل، وتفرقت بهم السبل، وراجت المذاهب المنحرفة، والأفكار الهدامة، وأطلت الفتن برأسها، وفشت البدع ببؤسها، حتى إذا زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا؛ قيض الله من أئمة الهدى، وأعلام الدجى من يعيد الناس إلى مشكاة النبوة وقلعة الإيمان، ويكشف لهم زيوف الباطل، ويدحض شبه المبطلين، ويردهم إلى منهج السلف الصالح.
إن المتبصر في تاريخ الأمة الإسلامية؛ ليرى أن عزتها وعلوها وغلبتها ودينونة الأمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأثر النبي- ﷺ وسيرها على منهج السلف الصالح، واجتماعها على أئمتها، وعدم منازعتهم
1 / 7
في ذلك، وأن ذلها وضعفها وانخذالها، وتسلط الأمم عليها مرتبط بانتشار البدع والمحدثات في الدين، واتخاذ الأنداد والشركاء مع الله، وظهور الفرق الضالة، ونزع يد الطاعة، والخروج على الأئمة.
إن الانحرافات العقدية، والحيدة عن منهج السلف الصالح، والانخداع بزخرف قول أرباب المذاهب المنحرفة هو الذي فرق الأمة، وأضعف قوتها، وكسر شوكتها، والواقع شاهد على ذلك، ولا مخرج لها من ذلك إلا بالرجوع إلى ما كان عليه النبي- ﷺ وأصحابه وأئمة الهدى، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وإن النكوص عن جادة التوحيد، والرغبة عن منهج السلف الصالح، منافاة للعدل، ومجافاة للعقل. قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥]
وإن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وبه قوامه، وإن أظلم الظلم الشرك، قال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]
1 / 8
وعن أبي الدرداء ﵁ عن النبي- ﷺ قال: «قال الله ﷿: " وإني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري» [رواه الطبراني في " مسند الشاميين " والبيهقي في " شعب الإيمان " والديلمي في " مسند الفردوس "] .
وإن أعظم الفرية أن تشرك بالله وقد خلقك.
وإذا كان الله- ﷾ قد أمر بالإصلاح، ونهى عن الفساد والإفساد، فقال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٦]
فإن أعظم الإفساد أن تفسد عقائد الناس، وتصوراتهم، وأفكارهم، ويقطع عليهم الطريق في مسيرهم إلى الله ويحاد بهم عن الفطرة التي فطرهم الله عليها، ففي الحديث:
«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [رواه مسلم] .
ويعضده قول النبي ﷺ:
«ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي
1 / 9
هذا: كل ما نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. . .» [رواه مسلم] .
ولا شك أن هذا أعظم الظلم وأشنعه، كيف لا، وقد صار عاقبة ذلك خسران الدنيا والآخرة.
وفي هذه الأزمنة المتأخرة التي حدثت فيها الغير، وتزينت الدنيا لخطابها، كشف أهل الأهواء عن أقنعتهم، وانتشرت بدعهم، وأحييت مذاهب أسلافهم بعد أن كانت بائدة، ونبشت كتب لهم كانت منسية، وظهرت أفكار جديدة، وبرزت جماعات معاصرة متباينة في مقاصدها، مختلفة في توجهاتها، متناقضة في غاياتها ووسائلها، كلما خرجت جماعة أو فرقة لعنت أختها، وتطاول أناس على قامة التوحيد والسنة، ولوثرا أفكار الناس، وأفسدوا عليهم عقائدهم، وهونوا عليهم أمر الشرك، ورفعوا أعلام الفتن، ونازعوا ذوي السلطان في سلطانهم، وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، واتبعوا غير سبيل المؤمنين.
مما يوجب على الغيورين من علماء الأمة ودعاة السنة المقتفين للأثر؛ القيام بواجب الإبانة عن أصول الديانة، وتبيين معالم منهج السلف، وإيضاح سبيله، وتقريب كتب أئمة الهدى، وإبرازها
1 / 10
بالتحقيق وشرح عبارات الأئمة، وبيان مقاصدهم والعناية بأمر التوحيد والمنهج في دروسهم وخطبهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم، وإرشاد العباد إلى اتباع خطى النبي- ﷺ ولزوم سنته، والسير على أثر أصحابه امتثالا لقوله تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١]
وقول النبي ﷺ:
«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كبيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [رواه أبو داود] .
فهذا هو الصراط المستقيم، الموصل إلى رضا رب العالمين.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣]
وهو السبيل الذي دعا إليه رسوله محمد ﷺ قال تعالى:
1 / 11
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨]
وهو عقيدة الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي- ﷺ بقوله:
«لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» . [رواه البخاري: باب " ٢٨ "، حديث (٣٦٤١)] .
وهي التي بقيت على ما كان عليه النبي- ﷺ وأصحابه؛ ففي الحديث أنه- ﷺ قال: (. . . «وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار إلا ملة واحدة» قال- أي عبد الله بن عمرو راوي الحديث-:
من هي يا رسول الله؟ قال:
«ما أنا عليه وأصحابي» [رواه الترمذي] .
ومن هنا تأتي أهمية العناية بهذا الأمر، وتربية الناشئة عليه، وتصحيح مسيرة الصحوة إليه؛ حتى لا تتشعب بها السبل، فتضل في متاهات الأهواء والفتن.
1 / 12
وقد وفق الله- ﷾ عددا من مشايخنا، وعلمائنا، ونفرا من طلبة العلم المخلصين إلى الاهتمام بهذا الموضوع تدريسا، وتحقيقا، وتأليفا، وكان منهم:
الأخ الشيخ عبد الله بن عبد الحميد الأثري في كتابه الماتع: (الوجيز في عقيدة السلف الصالح)
وقد رغب إلي في قراءته والتقديم له، وباطلاعي عليه وقراءتي له ألفيته قد أجاد فيه وأفاد، وبذل فيه جهدا مشكورا، وذكر فيه مجمل اعتقاد السلف بأسلوب أخاذ، وعبارة سهلة، وعرض حسن، وقد وفق في تبويبه وترتيبه، وقد جاءت هذه الطبعة التي نحن بصدد التقديم لها، فظهرت منقحة ومصححة، مستدركا فيها ما فاته في سابقها من ملحوظات يسيرة.
وإن مما يميز هذا الكتاب اعتماده على المصادر الأصلية، وعنايته بذكر عبارات السلف، وحشد الأدلة من الكتاب والسنة، وذكر أقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف.
وإن هذا الكتاب وأمثاله لمما تقر به عيون الموحدين، وتفرح به قلوبهم، وتشرق به حلوق المناوئين، وتضيق به صدورهم:
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٢١]
1 / 13
والنبي- ﷺ يقول:
«ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل به الكفر وأهله» [رواه الإمام أحمد] .
وإذ أشكر لفضيلته عنايته بهذا الموضوع، وحرصه عليه، وإخراج هذا الكتاب، فإني أسال الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يبارك في جهوده، وأن يحفظ لهذه الأمة عقيدتها، وأن يوفق العلماء إلى السير بها إلى ما يحبه ويرضاه، اقتداء بالنبي- ﷺ واقتفاء لأثر أصحابه واتباعا لمنهج أئمة السلف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
جمادى الأولى ١٤٢١
1 / 14
[المقدمة]
1 / 15
إِنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَسْتَغفرُهُ، وَنَعوذُ بالله مِنْ شُرورِ أَنفسِنا، وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالنا، مَن يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فَلاَ هاديَ لَه، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحَدهُ لا شَريِكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمّدا عَبْدهُ وَرَسُولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] (١) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] (٢) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١] (٣)
_________
(١) سورة آل عمران: الآية، ١٠٢.
(٢) سورة النساء. الآية، ١.
(٣) سورة الأحزاب: الآيتان، ٧٠، ٧١.
1 / 16
أَمَّا بعد: فإِنَّ أَصْدَقَ الحَديث كَلامُ الله، وخَيْرَ الهَديِ هَديُ مُحمّدٍ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وَشَرَّ الأمورِ مُحْدَثاتُها وَكل محْدَثةٍ بدعة، وَكلَّ بدعةٍ ضلالة، وَكل ضلالةٍ في النَّار (*) (١) .
أيها الأَخُ المسلم: هذه كلماتٌ مختصرةٌ في بيان:
عقيدة السَّلف الصَّالح، أَهلِ السُّنَّةِ والجماعة " قد حَمَلَ على جمعهِ وكتابَتِهِ ما تعيشه الأمَّةُ الإِسلاميةُ اليومَ من تفرق واختلافٍ يتمثلان في الفرقِ المعاصرةِ، والجماعات الموجودة في الساحة؛ كلٌ يدعو إِلى عقيدته ومنهجه، ويزكي جماعته؛ حتى اختلط الأَمر على النَّاس، وأَصبحوا في حيرة من أَمرهم من يتبعون؟ وبمن يقتدون؟!!
ولكن- ولله الحمد- لم يُعدَمْ ولن يُعدَمَ الخيرُ في هذهِ الأمَّة، إِذْ لا تَزالُ طائِفَةٌ منها متمسكة بالهدى والحق إِلى قيام السَاعة
_________
(١) هذه الخطبة تسمى: " خطبة الحاجة " وهي تشرع بين يدي كلّ حاجة، وقد كان رسول الله ﷺ يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم، في أمور دينهم سواء كان؛ خطبة نكاح، أو جمعة، أو غير ذلك، وأَخرجتها أكثر كتب السنة على اختلاف في ألفاظها وهي في " سنن ابن ماجه " كتاب النكاح، باب خطة النكاح. وفي " سنن الترمذي " و" سنن أبي داود " و" سنن النسائي " ورواها أبو يعلى في " مسنده "، والطبراني في " المعجم الكبير " والبيهقي في " سننه " والإِمام أحمد في " مسنده "، وورد ذكر طرف من هذه الخطبة في " صحيح مسلم " كتاب الجمعة، باب خطبته ﷺ في الجمعة. وللبسط في تخريجها انظر كتاب " خطة الحاجة " للشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني.
1 / 17
كما أَخبر بذلك النَّبي- ﷺ حيث قال: «لاَ تَزَالُ طَائفَة مِنْ أمتي ظَاهِرينَ عَلَى الحق، لاَ يَضُرهُمْ مَنْ خَذلَهُمْ؛ حَتّى يأتِيَ أمْرُ الله وَهُمْ كَذلِكَ» (١) وقال- ﷺ:
«مثَلُ أمَّتِي مثلُ المَطَر؛ لا يُدْرَى أوَّلهُ خير، أَم آخِرُهُ» (٢) .
ومن هنا وجب علينا التعرف على هذه الطائفة المباركة التي تلتزم الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله ﷺ -وطبّقهُ جيل الصحابة والتابعين وأَتباعهم بإِحسان- جعلنا الله منهم- وهذه الجماعة هي الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وتوصف هذه الفرقة بأهلِ السنة والجماعة، وأَهل الحديث، وأَهل الأثر والاتباع، وهم من كانوا على ما كان عليه النبي- ﷺ -وأَصحابه.
ومن هذا المنطلق أَسرعتُ في تلخيص هذا " الوجيز " من كتابي " المُيَسرُ في عقيدة السلف الصالح " (٣) الذي استقيته من كتب أَئمة السَلف المشهودِ لهم بالعدالة والعلم، واتباع السُّنَّة والإِمامةِ فيها؛ التي اسْتَقَوْهَا من هدي النبي- ﷺ -كابرا عن كابر، وحرصتُ أَن يكون هذا " الوجيز " بعبارة موجزة وأُسلوب واضح مُيسَر، مع الالتزام بالأَلفاظ الشرعية المأثورة عن أئمة السلف قدر الإِمكان؛
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) صحيح سنن الترمذي: للألباني.
(٣) نسأل الله- ﷿ أن ييسر إِتمامه ونشره؛ فإنه يقع في مجلد كبير.
1 / 18
ليستفيد منه كل قارئ، وخصوصا الناشئين من أَبناء الصحوة الإِسلامية المباركة، ويكون عونا لتحصيل مجمل عقيدة السلف الصَّالح للشاب المستقيم والمهتدي حديثا بصورةٍ ميسرة؛ لأَن علم العقيدة أَشبه بسلسلة مربوطٍ بعضها ببعض، فإِذا لم يفهم المسلم مجمل العقيدة لا يستطع استيعاب أَجزائها.
ولم أُضفْ شيئا من عندي إِلا ما وجدتُ أَنَّ من الواجب بيانَهُ وتوضيحه، وأُنوه بأني قد وضعتُ في آخر هذه الرسالة قائمة للمصادر التي اعتمدتُ عليها في إِعداد هذا " الوجيز ".
وختاما أَحمد الله تعالى وأَشكره على توفيقه لإتمام هذا " الوجيز، وأَرجو الله أَن يُسهم هذا البحث المتواضع لي إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين، وأَن يجعله نافعا لهم، ودافعا للرجوع إِلى كتاب الله، وسنَّة رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
كما أَشكر كل من كان له فضل علي في إِتمام هذا " الوجيز، من إِبداء رأى أَو مراجعة أَو نصيحة، وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ سعود بن إِبراهيم الشريم، وفضيلة الشيخ محمد بن جميل زينو اللذان تفضلا بقراءة الكتاب والتقديم له فجزاهم الله خيرا (١) .
_________
(١) وكان من فضل الله تعالى أَن اجتمع على قراءة الكتاب وتقويمه في طبعته هذه: فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، وفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، ومعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وفضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل؛ شكر الله لهم، وأَثابهم، ونفع بعلمهم.
1 / 19
هذا هو جُهد المقل وضعته بين يدي القارئ الكريم، فإِن أَصبتُ فمن الله وحده- وهو الموفق سبحانه- وإن أَخطأتُ فمن نفسي والشيطان، وإني آمل ممَّن يجد فيه مأخذا أَن لا يبخل عليَّ بالنصح.
أَسأَلُ الله تعالى أَن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، وأَن يتقبله مني، وينفع به المسلمين، وأَبرأ إِلى الله مما خالف كتابه وسنَة نبيِّه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفهم سلفنا الصالح؛ فإِنْ وقع ذلك منّي دون قصد " فإِنِّي راجع عنه في حياتي وبعد مماتي.
وصلى الله وسلَّم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أَجمعين.
كتبه
راجي رحمة ربه الغفور
أَبو محمد عبد الله بن عبد الحميد بن عبد المجيد آل إِسماعيل الآثري
نزيل اصطنبول
عفا الله عنه
في ذي الحجة ١٤١٦ هـ
1 / 20
[تعريفات ضرورية]
[تعريف العقيدة]
1 / 21
تعريف العقيدة العقيدة في اللغة: من العَقْدِ؛ وهو الرَّبطُ، والإِبرامُ، والإِحكامُ، والتَّوثقُ، والشَدُّ بقوه، والتماسُك، والمراصةُ، والإثباتُ؛ ومنه اليقين والجزم.
والعَقْد نقيض الحل، ويقال: عَقَده يعقِده عَقْدا، ومنه عُقْدَة اليمين والنكاح، قال الله ﵎:
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩] (١) والعقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، والعقيدة في الدِّين ما يُقْصَدُ به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل. والجمع: عقائد (٢) .
_________
(١) سورة المائدة: الآية، ٨٩.
(٢) انظر معاجم اللغة: لسان العرب، القاموس المحيط، المعجم الوسيط: " مادة عقد ".
1 / 23
وخلاصته: ما عقد الإِنسانُ عليه قلبه جازما به؛ فهو عقيدة؛ سواءٌ أكان حقا، أَم باطلا.
وفي الاصطلاح: هي الأمور التي يجب أن يُصَدِّقَ بها القلب، وتطمئن إِليها النفس، حتى تكون يقينا ثابتا لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك.
أَي: الإِيمان الجازم الذي لا يتطرَّق إِليه شك لدى معتقده، ويجب أَن يكون مطابقا للواقع، لا يقبل شكا ولا ظنا؛ فإِن لم يصل العلم إِلى درجة اليقين الجازم لا يُسَمى عقيدة.
وسمي عقيدة؛ لأَنَّ الإِنسان يعقد عليه قلبَه.
والعقيدة الإِسلاميَّة: هي الإِيمان الجازم بربوبية الله تعالى وأُلوهيته وأَسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وأصول الدِّين، وما أَجمع عليه السَّلف الصَّالح، والتسليم التام لله تعالى في الأَمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
1 / 24
والعقيدة الإِسلاميَّة: إِذا أُطلقت فهي عقيدة أَهل السُّنَّة والجماعة؛ لأنَّها هي الإِسلام الذي ارتضاه الله دينا لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضَّلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإِحسان.
وللعقيدة الإِسلامية: أَسماء أُخرى عند أَهل السُّنَّة والجماعة؛ تُرادِفُها، وتَدلُّ عليها، منها:
" التوحيد "، " السُّنَة "، " أُصُول الدَين "، " الفقه الأكبر "، " الشريعة "، " ٢٢ الإِيمان ٢٢ ".
هذه أَشهر إِطلاقات أَهل السُّنَّة على علم العقيدة.
1 / 25