The Comprehensive Guide to Zakat on Shares and Investing Zakat Funds
الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة
ناشر
مكتبة الرشد
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
المقدمة
الحمد لله القائل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾ (الشمس: ٩ - ١٠)
والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، القائل: «بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، إيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا» (^١). وبعد:
فقد تناول هذا الكتاب موضوعين كل منهما في غاية الأهمية.
أولهما: الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام؛ فرضها الله على كل مسلم قادر.
وثانيهما: أسهم شركات المساهمة؛ وهي نوع جديد من المعاملات المالية، لم يسبق للفقه الإسلامي في عصور ازدهاره أن عرفها.
ولظني أنه اشتمل على معظم المسائل المهمة في موضوعه، إن لم يكن كلها سميته (الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة)
وأسهم الشركات، وما تعلق بها نازلة من النوازل الفقهية، ولها جوانب متعددة؛ ومن أهم هذه الجوانب زكاتها.
ومن أهم ما يتعلق بزكاة الأسهم معرفة من يجب عليه أداؤها، أهو المساهم أم الشركة، وقد تم بيان ذلك في الباب الأول وهو: (من تجب عليه زكاة أسهم الشركة المساهمة). وقد جاء في خمسة مباحث.
ولتنوع استثمارات أموال الشركات في هذا العصر تنوعًا كثيرًا؛ كأن تكون شركة تجارية محضة، أو أن تكون زراعية، أو عقارية، أو خدمية، أو شركة نقل، أو مواشٍ، أو غير ذلك، وكل نوع من هذه الأنواع قد يتداخل مع نوع آخر.
_________
(^١) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ١/ ٤٩.
1 / 11
ولتباين وجهات نظر المعاصرين في مسائل كثيرة من زكاة أسهم الشركات؛ من حيث شمول الزكاة لرأس المال والأرباح، أو قصره على الأرباح؛ ومن حيث التسوية بين جميع الشركات، أو عدم ذلك مراعاة لنوع نشاطها. أو بناءً على الأصل المعهود من نشاط الأفراد فيما شابهها؛ ومن حيث إن صاحب الأسهم أعدها للتجارة أو للحصول على أرباحها؛ ومن حيث مقدار الواجب فيها، تناولت هذا الموضوع في الباب الثاني وهو: (تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها).
وقد أوردت للعلماء المعاصرين خمسة آراء، يختلف كل منها عن الآخر، وقد يلتقي بعضها في جزئية محددة أو أكثر.
ولما أثير بشأن (استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها)؛ وذلك بأن تتولى إدارة معينة من قبل ولي الأمر استثمار جزء من موارد الزكاة؛ كإنشاء مصانع أو مزارع، أو متاجر لينمى هذا الجزء، وما ينتج عنه من أرباح يوزع على مستحقيها. تناولت هذا الموضوع في الباب الثالث، وجاء في أربعة فصول.
وقد أفردت مبحثًا خاصًا في كل باب أوضحت فيه رأيي مؤيدًا ذلك بالأدلة، وبنقول عن أصحاب المذاهب الفقهية.
ولست أزعم أنني لم اُسبق بالكتابة في هذه الموضوعات، بل كُتبت فيها بحوث عديدة، وصدرت في شأنها قرارات من مجامع فقهية وهيئات شرعية. وبعض البحوث كانت جيدة وعميقة، لكنها لم تستوف كل جوانب الموضوع من جهة، ومن جهة أخرى لم يسلك معظمها منهج البحث العلمي؛ كما أن لي وجهة نظر
1 / 12
لا تتوافق مع بعض آرائها، وبالنسبة لقرارات الهيئات الشرعية (^١). وإن كان فيها خير كثير، وكانت موفقة أيما توفيق، إلاّ أنها لم تتناول بعض الجوانب بوضوح.
وقد تجنبت ذكر الآراء الضعيفة والشاذة، أو الجزئيات غير المؤثرة، لأنها من جهة مستوفاة في كتب الفقه، ومن جهة أخرى ليست من أهداف البحث، ولأن من منهجي الإيجاز ما أمكن.
وفيما أرى أن الكتاب أثار مشكلات عديدة وأجاب عنها، مستفيدًا ممن سبقني، ومن واقع التطبيق العملي، والاعتماد على الأدلة والاهتداء بمقاصد الشريعة الغراء، والأخذ في الحسبان أنا أمام قضايا لها جوانب متعددة وشائكة؛ لزامًا على الباحث أن يلتمس في هدي الشريعة وسماحتها ما يجلي الصورة، ويوضح الجواب، ونأمل أن الله جلت قدرته قد يسّر ذلك.
ومنهجي في ذلك على ما يلي:
١ - جمع أهم ما يتعلق بكل موضوع من المصادر الأصيلة القديمة، ومن بحوث المعاصرين، وعرضه عرضًا جديدًا، مبوبًا ومرتبًا، يساعد على توضيحه، وعلى بيان الحكم الشرعي الذي يفضي البحث إليه.
٢ - تمحيص ما ورد في الموضوع من خلافات كثيرة، واضحة حينًا، ومتشابكة أحيانًا أخرى، وتصنيفها وضم كل صنف منها إلى صنفه؛ حتى تتجانس جزئياته مندرجة تحت كلياته.
٣ - عرض آراء الهيئات الشرعية التي لها رأي في الموضوع، وآراء العلماء المعاصرين، وتخريج هذه الآراء على ما يمكن تخريجه عليه من أقوال العلماء السابقين والأئمة المتبوعين.
_________
(^١) أعني بها مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والهيئة الشرعية العالمية للزكاة بالكويت.
1 / 13
٤ - تحرير محل النزاع، وذكر نصوص القرارات، ونقل نصوص بعض العلماء إذا دعت الحاجة.
٥ - إيراد أدلة كل فريق، وعند عدم وفاء ما ذكروه فإني أفترض لهم أدلة وأوردها، أو أكملها، وأعمل على إيضاحها، وأبين وجه دلالتها، وأذكر مصادرها، وإن كانت الأدلة حديثية فإني أبين درجة الاحتجاج بها.
٦ - مناقشة هذه الأدلة مناقشة أرجو أن تكون وافية، وفي حالة عدم وجود مناقشة لأي من الفريقين، فإني أفترض لهم مناقشة في ضوء رأيهم وأدلتهم.
٧ - بعد ما سبق أقوم بترجيح الرأي الذي أراه أقوى دليلًا، مع بيان سبب الترجيح، وأُورد الأدلة، والتعليلات التي تؤيده، وربما افترضت ما يمكن أن يورد عليها، وأُجيب عن هذا الافتراض.
٨ - اختيار سهولة العبارة، ووضوح الفكرة، مع البعد عن الإطناب.
٩ - الاتصال ببعض الشركات في المملكة العربية السعودية؛ لمعرفة كيفية تزكيتها لأسهمها.
وكما اشتمل الكتاب على الأبواب الثلاثة المذكورة، فقد اشتمل على هذه المقدمة، وعلى مبحث تمهيدي، وخاتمة، وثبت للمراجع.
اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
1 / 14
سائلًا المولى جلت قدرته أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي يوم الدين، وأن ينفع به عموم المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
تم هذا الشامل بفضل الله
يوم الاثنين ٠٧/ جمادى الآخرة/ ١٤٤٣ هـ - ١٠/ يناير/ ٢٠٢٢ م
في حي العوالي- بمكة المكرمة
1 / 15
الباب الأول
من تجب عليه زكاة أسهم الشركة المساهمة
1 / 17
ملخص الباب الأول
اختلف العلماء المعاصرون فيمن تجب عليه زكاة الأسهم أهو المساهم أم الشركة؟ على ثلاثة أقوال:
أ- تجب على المساهم.
ب- تجب على المساهم، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنه.
ج- تجب على الشركة.
والرأي الذي توصلت إليه هو أن وجوب الزكاة متوجه إلى الشركة لا إلى آحاد المساهمين، لأن الزكاة تكليف متعلق بالمال، ولذا فإنها تجب على الشخص الاعتباري حيث لا يشترط لها التكليف الذي أساسه العقل والبلوغ، كوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويدفعها عنهما وليهما، هذا إذا كانت الشركة تقوم بإخراجها، أما إذا كانت لا تقوم بذلك فيجب على المساهم أن يخرج زكاة أسهمه. وما توصلت إليه هو للأدلة التي أُوردت في المبحث الخامس ومنها عموم حديث «لا يُجمعُ بين متفرِّقٍ ولا يُفرَّقُ بين مجتمعٍ خشيةَ الصَّدقةِ» (^١)، وكذلك أخذًا بمبدأ الخلطة في أموال التجارة، ولثبوت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء، وبناءً على شخصيتها المعنوية، فيجب على ذي السلطة فيها إخراجها، وعليه فإذا كانت الشركة في دولة إسلامية تطبق نظام الزكاة، أو كانت في دولة غير إسلامية، لكنها تتمكن من أداء الزكاة لمصارفها، لزم الشركة أن تقوم بحصر الزكاة، وتسليمها إلى الجهة المختصة بها، لتقوم بتوزيعها على مستحقيها.
_________
(^١) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٣١٤، واللفظ له، سنن أبي داود ٢/ ٢٢٢. مصنف عبدالرازق ٤/ ٨ وما بعدها، والدار قطني: ١/ ٢/ ٧٧، سنن ابن ماجة ١/ ٥٧٦؛ رقم ١٨٠١، والبيهقي في سننه ٤/ ١٠٥.
1 / 19
مبحث تمهيدي
في حكم الزكاة، وحكم من لم يؤدها جحودًا أو تهاونًا
المطلب الأوّل:
حكم وجوب الزكاة:
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه، وهي حق مالي، فُرضت للمواساة والإحسان، فتجب العناية بها، والحرص على أدائها كما أوجب الله، وقد جمع الله بينها وبين الصلاة في اثنين وثمانين موضعًا من كتابه الكريم، منها قول الله ﷿ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)﴾ (البقرة: ٤٣)، وقوله سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦)﴾ (النور: ٥٦)، وقوله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة: ٥)، وكذلك جمع بينهما الرسول ﷺ في أحاديث كثيرة، منها قوله ﷺ لما بعث معاذًا ﵁ إلى اليمن: «ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، وأَنِّي رَسولُ الله، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ الله افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ» (^١).
وبهذا تبين عظم شأن الزكاة، وأنها في كتاب الله، وفي سنة رسوله ﷺ قرينة الصلاة، والصلاة لا يخفى عظم شأنها، فهي عمود الإسلام، وهي أعظم الأركان
_________
(^١) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٢٦١.
1 / 21
بعد الشهادتين، والزكاة أختها وقرينتها، فمن بخل بها حُشر مع أعداء الله، الذين آثروا المال على طاعة الله ورسوله (^١).
وقد وجبت بالكتاب والسنة والإجماع (^٢)، وقد سبق ذكر بعض آياته الدالة على ذلك، أما السنة فمنها حديث معاذ الذي سبق ذكره، ومنها قوله ﷺ: «بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَان «(^٣). وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها، واتفق الصحابة على قتال مانعها (^٤).
فيجب على كل مسلم مكلّف، إحصاء ما لديه من المال الزكوي، وإخراج زكاته إذا حال عليه الحول، وبلغ نصابًا، ويكون طيب النفس بذلك، أداءً لما أوجبه الله، وشكرًا لنعمته، وإحسانًا إلى عباده، وإذا فعل المسلم ذلك، ضاعف الله له الأجر، وأخلف عليه ما أنفق (^٥)، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (سورة البقرة: ٢٧٧). ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (سورة سبأ: ٣٩) وبارك له في الباقي، قال ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (^٦). وزكاه وطهره، كما قال الله سبحانه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: ١٠٣).
_________
(^١) الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.
(^٢) المغني ٢/ ٤٧٦.
(^٣) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ١/ ٤٩.
(^٤) المغني، موقع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.
(^٥) الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.
(^٦) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٣٠٤.
1 / 22
ويجب على المسلم أن يعظم حرمات الله، وأن يحذر من التساهل في أداء الزكاة، للأدلة التي سبق ذكرها، أما غير المكلف من المسلمين؛ كالصغير والمجنون، فالواجب على وليّه إخراج زكاة ماله (^١)، كلما حال عليه الحول، لما روي عن النبي ﷺ أنه قال: «ابتَغُوا في مالِ اليتامى لا تأكُلُها الزكاةُ» (^٢)، ولعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم مكلفًا أو غير مكلف.
ويرى الحنفية أنها لا تجب على الصبي والمجنون، وعّللوا ذلك بأنها عبادة محضة، وليسا مخاطبين بها (^٣).
والراجح هو رأي الجمهور لعموم الأدلة الشاملة للمسلم مكلّفًا أو غير مكلّف، وليس في أيٍ منها استثناء للصبي والمجنون، بل ورد الحديث المحتج به مؤيدًا لعموم الأحاديث الأخرى. كما يؤيد ذلك ما أخرجه ابن زنجويه بسنده إلى الحكم ابن أبي العاص الثقفي قال: إن عمر بن الخطاب ﵁ قال لي: هل قبلكم متجر؟ فإن في يدي مالًا ليتيم، قد كادت الصدقة أن تأتي عليه. (^٤)
_________
(^١) المهذّب مع المجموع ٥/ ٢٩٧، المغني ٢/ ٤٧٧، بداية المجتهد ١/ ٢٤٥.
(^٢) المهذّب، المغني، قال النووي: (هذا الحديث ضعيف، رواه الترمذي والبيهقي من رواية المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ، والمثني بن الصباح يضعف في الحديث، ورواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح عن يوسف بن ماهك عن النبي مرسلًا، وقد أكّد الشافعي هذا المرسل بعموم الحديث الصحيح في إيجاب الزكاة) المجموع ٥/ ٢٩٧.
(^٣) رد المحتار على الدّر المختار ٣/ ١٧٣. طبع ونشر دار عالم الكتب، الرياض، سنة ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م.
(^٤) الأموال لابن زنجويه ٣/ ٩٩٠. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير ١/ ٢/ ٣٣١ عن أبي نعيم بهذا الإسناد، وابن حزم من طريق وكيع عن القاسم بن فضيل، وعبد الرزاق ٤/ ٦٧ و٦٨، وأبو عبيد ص ٤٠٥، وأخرجه البيهقي ٤/ ١٠٧، ورواه الشافعي من حديث عمرو بن دينار وابن سيرين عن عمر مرسلًا. قال: الدكتور شاكر ديب فياض محقق كتاب الأموال لابن زنجويه: إسناد ابن زنجويه صحيح.
1 / 23
المطلب الثاني:
حكم من لم يؤد الزكاة جحودًا أو بخلًا أو تهاونًا
الفرع الأول: حكم من لم يؤد الزكاة جحودًا لوجوبها
في حكم تارك الزكاة تفصيل، فإن تركها جاحدًا لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعًا، ولو زكّى ما دام جاحدًا لوجوبها (^١)، وهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين (^٢).
فالجاحدون لوجوب الزكاة حكمهم حكم الكفرة، ويحشرون معهم إلى النار، وعذابهم فيها مستمر أبد الآباد كسائر الكفرة؛ لقول الله ﷿ في حقهم وأمثالهم: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ البقرة: (١٦٧). وقال ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ (المائدة: ٣٧). والأدلة في ذلك كثيرة، ومن السنة حديث ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، ويُؤْمِنُوا بي، وبِما جِئْتُ به، فإذا فَعَلُوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ، وأَمْوالَهُمْ إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهُمْ علَى اللَّهِ» (^٣) فدّل هذا الحديث، وما جاء في معناه، على أن الذي يمتنع من أداء الزكاة، يُباح قتاله، كما قاتل الصديق مانعيها؛ لأنه لا يكون معصوم الدم إلاّ بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا لما توفي النبي ﷺ امتنع بعض العرب من أداء الزكاة، وارتدوا عن الإسلام، وتنوعت ردتهم، فبعضهم قال: لو كان نبيًا ما مات، وجهل أن الأنبياء ماتوا قبله ﵊. وبعضهم قال: هذه الزكاة لن نؤديها، وبعضهم ارتد بأنواع أخرى، فقام أبو بكر في الناس خطيبًا ﵁ وأرضاه، وحث الصحابة على قتالهم
_________
(^١) المغني ٢/ ٢٧٧.، مجموع فتاوى ابن باز ١/ ٢٢٧، طبع ونشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الأولى، ١٤٢٠ - ١٩٩٩ م.
(^٢) المراجع السابقة.
(^٣) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ١/ ٧٥.
1 / 24
حتى يدخلوا في الإسلام كما خرجوا منه، فراوده عمر في ذلك (^١) جاء في صحيح البخاري: «لمّا توفي رسول الله ﷺ، وكان أبوبكر ﵁، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر ﵁ كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقها وحسابه على الله» (^٢). فقال: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ الله ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا» (^٣) وفي لفظ (عِقالًا).
قَالَ عُمَرُ ﵁: «فَما هو إلَّا أنْ رَأَيْتُ أنَّ الله شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ ﵁ بالقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ» (^٤). فأجمع الصحابة على هذا، وقاتلوا المرتدين، وجاهدوهم جهادًا عظيمًا، حتى أدخلوهم في الإسلام كما خرجوا منه، إلاّ من سبقت له الشقاوة فقُتل على ردته؛ كمسيلمة الكذاب وآخرون. وهدى الله من هدى منهم من بقاياهم (^٥).
وإذا طلبها ولي الأمر وجب أن تؤدى إليه، فإن لم يطلبها وزعها المسلم بين المستحقين لها. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن مانع الزكاة إذا أُخذت منه قهرًا لا يؤخذ معها من ماله شيء.
وذهب الشافعي في القديم (^٦)، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر عبد العزيز من أصحاب أحمد إلى أن مانع الزكاة يؤخذ شطر ماله عقوبةً له، مع أخذ الزكاة منه (^٧).
_________
(^١) المغني/ ٤٧٦، وانظر: موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.
(^٢) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٢٦٢ رقم الحديث (١٣٩٩)
(^٣) المصدر السابق رقم الحديث (١٤٠٠).
(^٤) الحديث السابق.
(^٥) المغني ٥/ ٤٧٦ والموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على الشبكة العنكبوتية.
(^٦) مذهب الشافعي ﵀ على قوله الجديد.
(^٧) المغني ٢/ ٤٧٧، الموسوعة الفقهية ٢٣/ ٢٣١، ط ٢ (١٤١٢ - ١٩٩٢ م).
1 / 25
يُستدل لقول الجمهور بحديث «ليس في المالِ حقٌّ سوَى الزَّكاةِ» (^١) وبأن الصحابة ﵃ لم يأخذوا نصف أموال الأعراب الذين منعوا الزكاة.
واستدل أصحاب القول الثاني: بقول النبي ﷺ: «في كلِّ إبلٍ سائمةٍ في كلِّ أربعينَ ابنةُ لبونٍ لا يفرَّقُ إبلٌ عن حسابِها من أعطاها مؤتَجرًا فلَهُ أجرُها ومن أبى فإنَّا آخذوها وشطرَ إبلِهِ عزمةٌ من عزماتِ ربِّنا لا يحلُّ لآلِ محمَّدٍ منْها شيءٌ» (^٢).
والراجحُ قول الجمهور لقوة أدلتهم، وأُجيب عن حديث «فإنَّا آخِذوها وشَطْرَ مالِهِ» بما قاله البيهقي وغيره: بأنّ حديث بهز منسوخ (^٣)، وبما أجاب به إبراهيم الحربي (بأن: لفظه وهم فيه الراوي، وإنما هو: «فإنّا آخذوها من شطر ماله» أي نجعل ماله شطرين، فيتخير عليه المصدّق، ويأخذْ الصدقة من خير الشطْرين عقوبةً لمنعه الزكاة، فأمّا ما لا يلْزمه فلا) (^٤).
ومن كان مقرًا بوجوب الزكاة، ومنعها وهو خارج عن قبضة الإمام، فعلى الإمام أن يقاتله، لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين من أدائها، فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادة على قول الجمهور كما تقدم.
ومانع الزكاة المنكر لوجوبها، إن كان جاهلًا ومثله يجهل ذلك، لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، أو نحو ذلك، فإنه يعرَّف وجوبها ولا يُحكم بكفره، لأنه معذور، وإن كان مسلمًا ناشئًا ببلاد الإسلام بين
_________
(^١) سنن ابن ماجة ١/ ٥٧٠، تلخيص الحبير ٢/ ١٦٠ وضعّف ابن حجر أحد رواته.
(^٢) سنن أبي داود ٢/ ٢٣٣، ٢٣٤، اختلف الناس في القول بظاهر هذا الحديث: (لأن أحد رواته يضعف في الحديث وهو بهز بن حكيم) فمذهب أكثر الفقهاء أن الغلول في الصدقة لا يوجب غرامة في المال، وهو مذهب الثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي. وكان الأوزاعي يقول: في الغال في الغنيمة إن للإمام أن يحرق رحله، وكذلك قال: أحمد وإسحاق. وفي تلخيص الحبير ٢/ ١٦٢ بهز بن حكيم قال أبو حاتم هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الشافعي: ليس بحجة، وهذا الحديث (لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به) وكان قال به في القديم.
(^٣) تلخيص الحبير ٢/ ١٦٠ - ١٦١.
(^٤) المصدر السابق.
1 / 26
أهل العلم فيُحكم بكفره، ويكون مرتدًا، وتجري عليه أحكام المرتد، لكونه أنكر معلومًا من الدين بالضرورة (^١).
الفرع الثاني: حكم من لم يؤدها بخلًا أو تهاونًا أو تأولًا
إن تركها المسلم بخلًا أو تهاونًا أو تأولًا، فإنه يعتبر بذلك فاسقًا، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك؛ لقول الله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (النساء: ٤٨). ولا يحكم بكفره، ولذا فإن مات في قتاله عليها، ورثه المسلمون من أقاربه وصُلى عليه.
وفي رواية عن أحمد يحكم بكفره ولا يُورثْ ولا يُصلى عليه، لما روي أن أبا بكر لما قاتل مانعي الزكاة، وعضتهم الحرب قالوا: نؤديها، قال: لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، ووافقه عمر. ولم ينقل إنكار ذلك عن أحدٍ من الصحابة فدّل على كفرهم (^٢).
وكل مالٍ لا تُؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه يوم القيامة، وقد دل القرآن الكريم والسنة المتواترة على أن تارك الزكاة يعذب يوم القيامة بأمواله التي ترك زكاتها، ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وهذا الوعيد في حق من ليس جاحدًا لوجوبها. قال ﷾: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (التوبة: ٣٤) وقال رسول الله ﷺ: «ما مِنْ صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ، صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِنْ نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ
_________
(^١) المغني ٢/ ٤٧٧، الموسوعة الفقهية ٢٣/ ٢٣١، (١٤١٢ - ١٩٩٢ م).
(^٢) المصدر السابق ص ٢٣١.
1 / 27
ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ). (^١) كما دلّت على تعذيب من لم يزك ما عنده من بهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - وأنه يعذب بها نفسها يوم القيامة. وإذا بخل بالزكاة وتهاون بأمرها، غضب الله عليه، ونزع بركة ماله، وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق في غير الحق، وعذبه به يوم القيامة قَالَ ﷺ: «تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَقَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ» (^٢)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثم يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثم يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (آل عمران: ١٨٠) (^٣).
وحُكم من ترك زكاة العملة الورقية، أو عروض التجارة، ومنها الأسهم حكم من ترك زكاة الذهب والفضة؛ لأنها حلت محلها وقامت مقامها.
_________
(^١) صحيح مسلم بشرح النووي ٣/ ١٧.
(^٢) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٢٦٧.
(^٣) المصدر السابق ص ٢٦٨.
1 / 28
المبحث الأول في تعريف الزكاة، والشركة، والأسهم
المطلب الأول: تعريف الزكاة
الزكاة لغة: مصدر زكا الشيء إذا نما وزاد؛ يقال زكا الزرع يزكو زكاءً، والمال يزكو إذا كثر وزاد (^١).
وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح (^٢). قال أبو الحسن الواحدي: والأظهر أن أصلها من الزيادة (^٣)، وقد جاء لفظ الزكاة بجميع هذه المعاني في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: ١٠٣)، وقال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ أي طهرها من الأدناس، وقال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ (النجم: ٣٢) أي لا تمدحوها. وقال ابن فارس: الأصل في الزكاة: رجوعها إلى هذين المعنيين، وهما النماء والطهارة (^٤).
فالزكاة في اللغة تطلق على النماء، وتطلق على المدح والصلاح والطهارة والبركة، فإن من يخرج الزكاة يحصل لنفسه المدح والثناء الجميل.
قال أبو علي: الزكاة: صفوة الشيء (^٥).
_________
(^١) مختار الصحاح، المصباح المنير مادة (زكا).
(^٢) لسان العرب، مادة (زكا). النهاية في غريب الحديث والأثر حرف الزاي، باب الزاي مع الكاف، المفردات في غريب القرآن ص ٢١٣ و٢١٤. المجموع ٥/ ٢٩١.
(^٣) المجموع ٥/ ٢٩١.
(^٤) معجم مقاييس اللغة ٣/ ١٧.
(^٥) المحكم والمحيط الأعظم ٧/ ٧٤. والمراد به أبو علي الفارسي.
1 / 29
واصطلاحًا: للعلماء اتجاهان في تعريف الزكاة، فمنهم من يعرفها بالمعنى الاسمي، أي باعتبار القدر المخرج، ومنهم من يعرفها بالمعنى المصدري، أي باعتبار الإخراج.
فمن تعريف الزكاة بالمعنى الاسمي، أنها «اسم لقدر مخصوص يجب صرفه لأصناف مخصوصة بشرائط» (^١).
ومن تعريفها بالمعنى المصدري، أنها: «إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابًا إن تم الملك وحال الحول» (^٢).
وقد عرف ابن عرفة الزكاة بالاعتبارين، فقال: «الزكاة اسمًا: جزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابًا، ومصدرًا: إخراج جزء … الخ» (^٣).
إذًا فهي تطلق شرعًا على إخراج مال الزكاة، كما تطلق على القدر المخرَج من المال، ولذلك عرفها ابن قدامة بأنها: «حق يجب في المال» (^٤)؛ والحق يشمل الإخراج والقدر المخرج معًا.
وترد شرعًا بالاعتبارين معًا؛ أما الأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلق أهلها بالأموال ذات النماء كالتجارة، والزراعة، كما جاء أن الله تعالى يربي الصدقة (^٥). قال رسول الله ﷺ: «مَنْ تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» (متفق عليه) (^٦).
_________
(^١) مغني المحتاج للشربيني ١/ ٢٦٨.
(^٢) جواهر الإكليل للآبي ١/ ١٨٨.
(^٣) شرح حدود ابن عرفة ١/ ١٤٠.
(^٤) المغني لابن قدامة ٤/ ٥.
(^٥) مغني المحتاج ١/ ٢٦٨، نيل الأوطار ٤/ ١١٤.
(^٦) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري ٣/ ٣٢٦، نشر دار الريان للتراث، القاهرة.
1 / 30
أما الثاني؛ فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب، كما أن معنى الثناء والبركة والصلاح مراد شرعًا.
والمناسبة بين المعنى اللغوي والشرعي للزكاة ظاهرة، قال ابن عابدين: وكلها توجد في المعنى الشرعي؛ لأنها تطهر مؤديها من الذنوب ومن صفة البخل بإنفاق بعضه؛ ولذا كان المدفوع مستقذرًا … وتنميه بالخلف (^١) قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)﴾ (سبأ: ٣٩)، ويمدح بها الدافع، ويثني عليه بالجميل (^٢) قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤)﴾ (المؤمنون: ٤).
_________
(^١) رد المحتار على الدر المختار ٢/ ٢.
(^٢) كشاف القناع ٢/ ١٦٦.
1 / 31
المطلب الثاني: تعريف الشركة:
تعريفها لغة: للشركة في اللغة ثلاثة معان وهي:
المخالطة (^١)، والاختلاط (^٢)، والخلط (^٣).
(هذه العبارات كل منها له معنى خاص، فالمخالطة مفاعلة تدل على خلط من كل من الشريكين، والخلط يدل على وجوده من أحدهما، والاختلاط هو أثر الخلط، سواء تم بصنع الشريكين، أو بدون صنعهما، بأن اختلط المالان بعامل خارج عن إرادتهما (^٤).
(فمن عبر بالخلط، أو المخالطة راعى الفعل الصادر من الشريكين، ومن عبر بالاختلاط راعى أثره. لكن لما كانت الشركة تحصل تارة في رأس المال، وتارة في الربح، كان التعبير بالاختلاط أعم؛ لأنه يشمل ما حصل بخلط، أو بدونه؛ كالحاصل في ربح المضاربة، وشركة الأبدان) (^٥).
تعريفها اصطلاحًا:
عرف الحنفية شركة العقد بأنها: (عقد بين المتشاركين في الأصل والربح) (^٦).
وعرفها الدردير من المالكية بأنها: (عقد مالكَيْ مالين فأكثر على التجر فيهما معًا، أو عقد على عمل بينهما والربح بينهما بما يدل عليه عرفًا) (^٧).
وعرفها الشافعية بأنها: (ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع) (^٨).
_________
(^١) لسان العرب، تهذيب اللغة، تاج العروس، مادة «شرك».
(^٢) فتح الباري ٥/ ١٩٥، عون المعبود ٩/ ٢٣٦، تبيين الحقائق ٣/ ٣١٢، مواهب الجليل ٥/ ١١٧، الشرح الكبير للدردير ٣/ ٣١٣، مغني المحتاج ٢/ ٢١١، تحفة المحتاج ٥/ ٣.
(^٣) فتح القدير ٥/ ٤، الدر المنتقى شرح الملتقى ١٤٩، الفقه على المذاهب الأربعة ٣/ ٦٣.
(^٤) شركات العقد في الشرع الإسلامي ص ٤، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي، رسالة ماجستير مطبوعة على الآلة الكاتبة.
(^٥) المصدر السابق.
(^٦) رد المحتار على الدر المختار ٣/ ٣٣٣.
(^٧) الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير ٣/ ٤٥٥.
(^٨) مغني المحتاج ٢/ ٢١١.
1 / 32
وعرفها الحنابلة بأنها: (اجتماع في تصرف) (^١).
وقد أضفنا لتعريف الحنابلة قيد «للكسب لهما»، فصار التعريف: «اجتماع في تصرف للكسب لهما» (^٢). وفائدة هذا القيد بيان للغرض الذي تنعقد الشركة من أجله، وهو طلب الكسب. ولتخرج الوكالة، فإنه قد يجتمع اثنان في التصرف في الوكالة.
ولعل أجمعها وأدقها عبارة تعريف المالكية.
المطلب الثالث: تعريف شركة المساهمة، والأسهم:
الفرع الأول: تعريف شركة المساهمة: (عقد يلتزم بمقتضاه شخصان، أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، بتقديم حصة من مال، أو عمل، أو منهما معًا، لاقتسام ما ينشأ عن هذا المشروع من ربح، أو خسارة) (^٣).
تناول التعريف شركات العقد، وهي التي تتم بطريق التعاقد بين أطرافها، وبين أركان الشركة، فأشار بقوله: (عقد) إلى الصيغة، وبقوله: (شخصان فأكثر) إلى العاقدين، وبقوله: (بتقديم حصة من مال، أو عمل) إلى المحل المعقود عليه.
وحيث إن الصيغة هي التي تنبئ عن رضا الأطراف، بوصفها الإرادة الظاهرة المعول عليها في إنشاء العقد، فالإشارة إليها تدل على أنه يجب أن يكون هناك تراضٍ على رأس مال الشركة، وشروطها، ومجال نشاطها، حتى يصح العقد ويترتب عليه أثره. (^٤)
ثم ذكر التعريف أهم أحكام الشركة، وهو الاشتراك في الربح والخسارة (^٥).
_________
(^١) كشاف القناع ٣/ ٤٩٧، الروض المربع ٥/ ٢٤٢.
(^٢) شركات العقد في الشرع الإسلامي ص ٥.
(^٣) نظام الشركات السعودي، المادة الثانية.
(^٤) شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي، للدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي ص ٤٠ - ٤٤.
(^٥) المرجع السابق.
1 / 33