The Collapse of Secularism in Arab Journalism
تهافت العلمانية في الصحافة العربية
ناشر
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م.
پبلشر کا مقام
المنصورة - مصر.
اصناف
تهافت العلمانية في الصحافة العربية
المستشار سالم البهنساوي
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة. ش. م. م
- عدد الأجزاء: ١.
- عدد الصفحات: ٢٨٤.
أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، - غفر الله له ولوالديه -.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].
1 / 1
تهافت العلمانية في الصحافة العربية
المستشار سالم البهنساوي
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة. ش. م. م
1 / 2
الطبعة الأولى
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
تَقْدِيمٌ:
العلمانية هى ترجمة لكلمة (SECULARISM) ومعناها القواعد التي لا تربط بالقواعد الكنسية أو الأنظمة الدينية، فلا تبالى بالدين والاعتبارإت الدينية، وقد ظهرت كمذهب أو مصطلح يناهض انحرافات الكنيسة في أوروبا بما كانت تفرضه من صكوك الغفران والحرمان، ومن تحريم البحث في العلوم التجريبية، كالطب أو الهندسة أو الصناعة والمعمار ومن قتل أو سجن من يبحث في هذه العلوم بدعوى أنه يعارض المشيئة الإلهية.
وبالتالى كان رد الفعل فى ظل الثورة الفرنسية سنة ١٧٨٩ م هو إبعاد الدين عن الحياة وعن المجتمع، فهذه الظروف تمخض عنها النظام العلماني الذي يفصل بين الدين والمجتمع، ويعزل الدين عن القوانين والتشريعات كلها فيما عدا قانون الأحوال الشخصية، بل هذا القانون اضطرت أوروبا إلى الخروج فيه على الدين هناك توصلًا إلى الطلاق الذي تحرمه ديانتهم، ولهذا نشأ نظامان للزواج، هما الزواج المدني، والزواج الكنسي.
ثم كان رد الفعل الأكثر تطرفًا وهو الشيوعية التي تبناها (كارل ماركس)، وهي تنكر الأديان، وتشترك مع شيوعية «مزدك» الذي ظهر في فارس قبل نزول القرآن الكريم، في الدعوة إلى شيوعية المال والجنس، وبالتالي فالتيار الشيوعي هو فرع من فروع التيار العلماني.
إنه على الرغم من أن هذا النوع من الحكم الديني لم تعرفه البلاد العربية والإسلامية، لأن الرسول ﷺ قد بُعِثَ ليخرج الشعوب من الظلمات، وَلِيُحِلَّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم. ولهذا فرق بين ما يخضع للتجربة - أي كان للعقل فيه مجال - وبين ما كان مصدره الوحي من الله، وهو ما لا يخضع للتجارب، أي للعقل، فأطلق حرية البحث في النوع الأول وقال ﷺ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ». وقيده في النوع الثاني وذلك لأن مصدره هو الوحي
1 / 5
من الله وليس تجارب الناس.
بالرغم من ذلك كله فإن الاحتلال الغربي للبلاد العربية والإسلامية، قد افترى على الإسلام، فربط بينه وبين الحكم الديني في أوروبا، واستطاع أن يورث هذا الضلال إلى أعراب، ليكونوا أداة للفكر الغربي وللسيادة الغربية، وأخرج من أبناء العرب دعاة للعلمانية لينوبوا عنه في رسالته.
ولقد كانت خطة المستعمر ألا يرحل من البلاد التي احتلها إلا بعد أن يعد جيلًا من المثقفين والسياسيين، يخلفه في حراسة هذه العلمانية، ليضمن تبعية البلاد العربية والإسلامية لأوروبا، فكان ما نشاهده من سيادة هذه الطبقة في السياسة والإعلام والمرافق الهامة، ومن إبعاد كل ملتزم بالإسلام والقيم الإسلامية عن هذه المراكز القيادية، أو عن أدوات التأثير في المجتمع، حتى أن الدول المسلمة، لا تستطيع أن تترك للفتاة حرية الظهور على شاشة التلفاز وهي ترتدي الحجاب الإسلامي، فكل مذيعة تحجبت تم إبعادها عن هذا العمل.
ولقد كان للصحافة دور رئيسي في حراسة العلمانية رغم ما أصابها من عفن، ولم تخرج أي صحيفة يومية عن هذا التيار العلماني، ولو كان صاحبها ممن يشهدون الصلوات في المساجد.
وقد نشطت الأقلام المسخرة لخدمة العلمانية في الدفاع عن هذا الصنم، حفاظًا على مراكزها ومصالحها، بعد شيوع الصحوة الإسلامية، وبعد فرض الهيمنة الإسرائيلية على الأنظمة العربية، وما نتج عن ذلك من رسم خطة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والمجتمعات العربية.
لهذا رأيت جمع أهم مَا نَشَرْتُهُ في الصحف العربية رَدًّا على المفتريات العلمانية وذلك في كتاب باسم " تهافت العلمانية في الصحافة العربية "، وقد تضمن ما يأتي:
• الفصل الأول: عن غسيل المخ والتيارات الفكرية، وهو يتعرض للتيارات الأوروبية الوافدة من الشرق أو الغرب، ولبعض المؤتمرات والمقالات والندوات التي تشترك كلها في إبعاد الإسلام عن المجتمع والحياة الاجتماعية والسياسية، وإحلال غيره محله.
• الفصل الثاني: عن إشهار إفلاس العلمانية العربية. وهذا الفصل يركز على أن فصل
1 / 6
الدين مع المجتمع - وهو جوهر العلمانية - هو من سمات وخصائص الإنجيل والتوراة، طبقًا للقول المأثور عنهم: «دَعْ مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا للهِ للهِ»، وكل ذلك لا وجود له في القرآن والسنة النبوية.
كما يكشف مغالطة العلمانيين، حيث خالفوا العلمانية، التي جعلت مصدر مشروعية القوانين هو قبول أغلبية الناس لها، ولكن العلمانيين العرب وغيرهم من أصحاب الأهواء والمصالح الذاتية رفضوا تطبيق هذا المبدأ في المجتمعات العربية، لأنهم على يقين أن الأغلبية الساحقة لا ترضى إلا بالتشريع الإسلامي.
• الفصل الثالث: عن الماركسية والواقع العربي حيث تشترك الماركسية مع العلمانية في إبعاد الدين عن التشريعات والقوانين، وبالتالي فانفراد الماركسية بإبعاد الدين عن الأمور الشخصية - ومنها محاربة العبادات - يجعلها أكثر مناهضة للدين من العلمانية الغربية.
• الفصل الرابع: عن القيم الأخلاقية بين الإلحاد والعلمانية. فالفكر الإلحادي يتفق مع الفكر العلماني في إبعاد الدين والقيم الدينية عن الحياة الاجتماعية، ولهذا يسعى هؤلاء جميعًا إلى تطويع القيم الإسلامية، لتساير العلمانية واللادينية.
• الفصل الخامس: عن الفكر الإسلامي بين التأويل والتعطيل. ويتناول تأثير العلمانية على بعض العلماء، مما جعلهم يبالغون في الاجتهاد لاستبعاد بعض الأحكام الشرعية، كالحدود والعقوبات، بل في استبعاد السنة النبوية في الأمور التشريعية والاجتماعية، وذلك كرد فعل لهجوم التيار العلماني على الإسلام وتشريعاته. ظَنًّا من بعض العلماء أن تعطيل بعض الأحكام أو تأويلها يقرب بين الإسلام وخصومه.
• الفصل السادس: عن الحكومة الدينية بين الإسلام والعلمانية وهي القاعدة الأساسية التي تصوب منها سهام العلمانيين نحو الحكم الإسلامي وتشريعاته.
لقد حرصت على بقاء عبارات هذه المقالات كما هي، بالرغم من مرور ربع قرن أو يزيد على بعضها، لأنها تمثل الواقع والفكر السائد في وقتها.
إن نشر هذه الفصول يكشف أبعاد الحملة الحالية ضد الصحوة الإسلامية، وهي الحملة التي يقودها المعسكر الغربي والمعسكر الشيوعي، حيث يستخدمون في ذلك القفازات العربية التي بعضها من الحديد والآخر من الحرير.
1 / 7
كما أن بعض الفصول يضع اجتهادات بعض العلماء في معارضة النصوص الشرعية في مكانها الطبيعي، من التبعية لبعض القفازات الحمراء والبيضاء.
وبالله تعالى نعتصم ونتأيد
سالم البهنساوي
٥ شوال ١٤٠٨ هـ - ٢٠ مايو ١٩٨٨ م
1 / 8
الفَصْلُ الأَوَّلُ: غَسِيلُ المُخِّ وَالتَيَّارَاتُ الفِكْرِيَّةُ:
• يوسف إدريس وموقف المثقفين.
• دور طه حسين ولويس عوض في اللعبة الدولية.
• الإسلام المفترى عليه بين الشرق والغرب.
• التخطيط الأمريكي وغسيل مخ العرب.
• ماركسية نجيب محفوظ وكاثوليكية أمين عثمان.
• لويس عوض بين السلف الصالح وجاهلية القرن العشرين.
1 / 9
غَسِيلُ المُخِّ وَالتَيَّارَاتُ الفِكْرِيَّةُ:
بتاريخ ٢٣ رمضان ١٣٩٦ - الموافق ١٧ سبتمبر سنة ١٩٧٦ طلع علينا الدكتور يوسف إدريس بمقال نشرته " القبس " و" الأهرام " في نفس اليوم، والمقال عنوانه «المسلم ماوتسي تونغ!».
وقد سرد دور الزعيم الصيني في غرس القانون الأساسي للبشرية بالصين، وهو العدالة واللاكبت واللاإرهاب حسبما يعلم الدكتور! ثم رتب نتيجة هي: أن الزعيم الصيني وقد مات فإن مصيره الجنة، وحيثيات حكمه هذا هو قوله: «أليس لي حق أن أبشر ماوتسي تونغ وأي ماوتسي تونغ آخر بأنه - مهما بلغ تفكيره - مصيره الجنة، فالجنة لم تعد لمن يعبدون الله ويظلمون الخلق، وينافقون الله كي يقتلوا روح الشرف والكرامة والمحبة في البشر».
ثم يقول الكاتب موجهًا الخطاب إلى الزعيم الصيني: «أعدك وبشرف خالقي أن أقول: لقد كنت حتى ولو لم تنطق بالشهادة: أنت المسلم».
﴿أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٠].
وقبل أن نكشف أوراق هذه اللعبة الجديدة نسائل أصحاب العقول الصحيحة.
هل يجوز لنا أن نزعم أن الماركسية تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولو كانت نصوصها الصريحة تنفي هذا الإيمان؟. وهل يقبل أن يقول بمثل هذا القول المخالف لأصول وعقيدة هذا المذهب؟.
إن كل العقائد وكل الرسالات سواءً كانت سماوية أو دعوى بشرية، هي وحدها التي تحدد صفات من ينتسبون إليها وتضع قواعد القبول أو الحرمان أو العقاب.
وإذا جاز لكل من هب ودب أن يضع لأي رسالة أو أي دين أو نظام أسبابًا ونتائج تخالف أصول هذه الرسالة، لما ظلت أي رسالة أو أي عقيدة على وجه الأرض.
فكل من آمن بفكر أوعقيدة إنما يتبع ما أتت به، لهذا لا يكون الإيمان إلا عن
1 / 11
اقتناع. قال الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (١).
ولكن يوسف إدريس وقرناءه يخرجون على العالم ببدعة جديدة وهي أن الإسلام لا يملك أن يحدد من هم أتباعه ومن هم المبعدون عن عقيدته، وبالتالي من هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار، ومن هو المسلم ومن هو الكافر.
إنه يفرض على الإسلام شروطًا وصفاتٍ ويرتب النتائج التي أنتجها خياله، وأوحى إليه بها أولئك الذين يملكون النواصي الفكرية لهذه الأقزام البشرية.
وإذا كان الكاتب ومن على شاكلته مؤمنًا، فالسؤال هو أأنتم أعلم أم اللهُ؟
فإذا كان حكم اللهِ أن من أنكر وجود الخالق فقد كفر، وكان حكم الله أن من جحد وأنكر معلومًا من الدين بالضرورة فقد كفر، فيجب أن نبحث عن مدى إسلام يوسف إدريس ومن على شاكلته إن لم يعلن التوبة عن هذا الفكر.
الإِسْلاَمُ وَالأَسْرَارُ الكَنَسِيَّةٌ:
إذا كانت الكنيسة في بعض العصور قد ادعت أنها تملك صكوك الغفران للطغاة والظالمين، فإن الإسلام كما يعلمه الجاهل قبل العالم، ليس فيه رجال دين يملكون التحليل والتحريم والتبديل والتغيير في النصوص والمناهج التي أوحى الله بها إلى نبيه، والممثلة في القرآن الكريم والحديث النبوي فقد اكتمل الدين قبل وفاة رسوله ولا يملك أحد أن يزيد فيه أو ينقص منه. قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (٢).
كما لا يحتكر تفسيره فئة من البابوات: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (٣).
بل إن النبي لا يملك أن يترخص في أمر ما ولو كان ابتغاء كسب الأنصار لدينه، لأن الله غني عن العالمين، ولا يقبل الشرك في العبادة ولا في المعاملات أو الاقتصاد أو السياسة: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ
_________
(١) [البقرة: ٢٥٦].
(٢) [المائدة: ٣].
(٣) [القمر، الآيات: ١٧ و٢٢ و٣٢ و٤٠].
1 / 12
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١). وسورة عبس تعاتب النبي ﷺ لتقديم المشركين عن الأعمى لعلهم يسلمون.
ولهذا عندما عرض بعض أغنياء قريش أن يسلموا على أن يكون لهم مجلس غير مجلس العبيد والفقراء كان جواب الله لنبيه: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ...﴾ (٢).
ولكن يوسف إدريس ابتدع أن الجنة كانت لمن يعبدون الله ولو ظلموا، واليوم يكفي العدل في مفهوم الناس وبه يدخلون جنة الله ولو أنكروا وجوده.
المُقَدِّمَاتُ الخَاطِئَةُ وَجَنَّةُ الطُّغَاةِ:
إن حيثيات فكر هؤلاء «أن الجنة ليست لمن يعبدون الله ويظلمون الخلق، ويقتلون روح الشرف».
وهذه مغالطة على الإسلام فهو لم يجعل الجنة لهؤلاء بل قال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩].
والنبي ﷺ يقول: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ... وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ...».
والنصوص في هذا من القرآن والسنة لا يحصيها العد. فمن أين كانت هذه المقدمة؟ إنها للوصول إلى نتائج خاطئة وللزعم بأن من أطاع وصلى وصام فقد نافق الله، وهذا تعبير يدل على الجهل بالدين وبمفهوم النفاق مَعًا.
الإِسْلاَمُ الرَّأْسْمَالِيُّ وَالمَارْكْسِيُّ:
لقد حدد الإسلام أركانه وشروط الانتساب له وأسباب الثواب والعقاب:
١ - من شروط الدخول في الإسلام: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ويوم الحساب. فمن أنكر شيئًا من هذا أو شك في رسالة أحد الأنبياء فليس بمسلم، فإن كان
_________
(١) [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣].
(٢) [الكهف: ٢٧ - ٢٩].
1 / 13
له نفع للناس عجل الله له الثواب في الدنيا، وأيضًا وضعه في الطبقة العليا من النار وليس في الدرك الأسفل، كما هو حكم النبي في عمه (أبو طالب).
فهل أخطأت الرسالة ونزل وحي جديد على الصحافة ومحترف الصحافة والتصحيف، فنسخ هذه الشروط والقواعد المعلومة للمسلم ولغير المسلم.
أم أن هؤلاء أصبحوا شركاء مع الله فلهم حق النسخ والتبديل ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (١).
٢ - ومن شروط الإسلام أنه لا تفرقة بين الصلاة والزكاة، فمن ادعى الإسلام وأنكر أداء حق الفقير واكتفى بالعبادة الروحية والشعائر التعبدية حوسب وقوتل حتي يفيء إلى أمر الله، ولهذا قال أبو بكر: «وَاللهِ لأُحَارِبَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالصَّلاَةِ».
فهل تبدل هذا حتى نحكم لمن أنكر الصلاة بالإسلام إن زكى؟
٣ - ومن شروط الإسلام أن كُلًاّ من العبادة والمعاملات الاقتصادية والتشريعات القانونية من عند الله ولا يد فيها للبشر، وبالتالي فالمناهج الاقتصادية يجب أن تكون تلك التي وصفها اللهُ في كتابه وسنة نبيه فلا نصلي للهِ ونزكي على مذهب (مَاوْ)، ونقيم الاقتصاد على مذهب (ماركس)، ولهذا عندما جاء عدي بن حاتم ليسلم وكان يحمل صليبًا من ذهب قال له النبي ﷺ: «أَلْقِ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» وَقَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١]، فَقَالَ عَدِيٌّ: «مَا عَبَدْنَاهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ». فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَمْ يُحِلُّوا لَكُمْ الحَرَامَ فَتَتَّبِعُوهُمْ، وَيَحَرِّمُوا عَلَيْكُمْ الحَلالَ فَتَتَّبِعُوهُمْ؟». قَالَ عَدِّيٌّ: «بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَتِلْكَ عِبَادَتَهُمْ مِنْ دُونَ اللهِ تَعَالَى» (*).
- فليس مسلمًا من قال: «أصلي على نظام الإسلام وأتخذ منهجًا سياسيًا على نظام (ميكيافيلي) - الغاية تبرر الوسيلة - أو مذهبًا اقتصاديًا ماركسيًا لعدم صلاحية الإسلام»
- وليس مسلمًا من ادعى الإسلام واختار منهجًا اقتصاديًا رأسماليًا فأحل الربا والاحتكار وأحل أكل حقوق العمال والأجراء بالباطل وأنكر حكم الإسلام.
- وليس مسلمًا من صلى واختار المادية الجدلية مذهبًا أو فضل النظام الاقتصادي
_________
(١) [الأحقاف: ٤].
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) الحديث كما ورد في " سنن الترمذي " كالآتي:
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ»، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١]، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ».
الترمذي، " السنن "، تحقيق الشيخ أحمد شاكر وآخرون (الشيخ إبراهيم عطوة عوض): (٤٨) كتاب تفسير القرآن (١٠) باب «ومن سورة التوبة»، حديث رقم ٣٠٩٥، الطبعة الثانية: ١٣٩٥ هـ / ١٩٧٥ م، ٥/ ٢٧٨، نشر دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.
قارن بما في صفحة: ١٤، ٥٠، ٢٤٨، ٢٥١، ٢٥٥ من هذا الكتاب.
1 / 14
الماركسي على نظام الله.
ولكن اللعبة الدولية الجديدة تزعم أن كل هذا الخلط من الإسلام رغم أنفه وأهله، فهل جهل الإسلام قواعده وجاء هؤلاء ليصححوها له، أم أن العلمانية التي فشلت في المشرق والمغرب تريد أن تقدم إسلامًا جديدًا هو الإسلام العلماني، والذي يتلون فيصبح ماركسيًا أو رأسماليًا. أم هو أعلم من الله؟.
﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ﴾ (١).
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ (٢).
النَّكْبَةُ العَرَبِيَّةُ الكُبْرَى:
إن أصبح لنا إسلام ماركسي وإسلام رأسمالي ثم إسلام عربي وآخر أفريقي، فلا كانت الحياة ولا كان المسلمون، فالمسخ الحاصل للإسلام هو مفتاح زوال الدول الإسلامية، ولئن جاز هذا على بعض العرب فما ذلك بغريب، فقد ادعى العميل (لورانس) أنه لورانس العرب وصدقوه هو واليهودي (ماكمهون) الذي أرسل رسائله إلى زعماء من العرب يبشرهم «بِخِلاَفَةٍ عَرَبِيَّةٍ بَدَلًا مِنَ الخِلاَفَةِ التُّرْكِيَّةِ» والسبب كما جاء في الرسالة المؤرخة في ١١ شوال سنة ١٣٣٣ - ٣٠ أغسطس ١٩١٥ «إِنَّا نُصَرِّحُ هُنَا مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ جَلاَلَةَ مَلِكَةِ بْرِيطَانْيَا العُظْمَى تَرْغَبُ بِاسْتِرْدَادِ الخِلاَفَةِ عَلَى يَدِ عَرَبِيِّ صَمِيمٍ مِنْ فُرُوعِ تِلْكَ الدَّوْحَةِ النَّبَوِيَّةِ المُبَارَكَةِ».
وهكذا كفل العرب للجيوش البريطانية الأمن والخدمات وللفرنسيين مثل ذلك بوصفهم حلفاء جاؤوا لاسترداد الخلافة العربية لتصبح في يد سلالة الدوحة النبوية، فكانت ثورة العرب المسماة بالثورة العربية الكبرى، وكانت النتيجة احتلال المنطقة وتقسيمها. وفي هذا قال (لورانس) في كتاب " أعمدة الحكمة السبعة ": «اسْتَطَاعَ الجِنِرَالْ اللَّنْبِي بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُحَقِّقَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يُرَاقَ دَمٌ إِنْجْلِيزِيٌّ».
واليوم يحدث مثل هذا في لبنان!
إن يوسف إدريس ليس وحده صاحب التيار الموجه بخطة ودقة نحو علمانية الإسلام [بماركسيته] أو تغريبه، فقد جيء للعرب بفئة من ضعاف المثقفين بعد أن تربوا على الفكر اللاديني، وكان هو الفكر الغربي قبل ظهور الفكر الماركسي في المنطقة.
_________
(١) [الرعد: ١٦].
(٢) [الشورى: ٢١].
1 / 15
وكان التمهيد لهؤلاء وهؤلاء ليتولوا مناصب القيادة الفكرية والاجتماعية وأحيانًا السياسية، وألقى في روع بعض الحكام والمسؤولين أن هؤلاء هم الحلفاء الطبيعيون لهم وللحضارة الحديثة، وبالتالي أبعدوا أهل القيم والدين الصحيح وتحالفت القوى العالمية ضد الاتجاه الديني الصحيح، وانتقلت المعركة إلى الجبهة الداخلية للأمة، فظهرت شعارات القومية والتقدمية والرجعية واليمين واليسار، وليزداد الشقاق وتنشأ الصراعات والحروب التي تمكن إسرائيل المحمية من اليمين واليسار!! وسبق أن كتب الدكتور محمد البهي: «إِنَّ الصِرَاعَ فِي المُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ المُعَاصِرَةِ بَيْنَ العِلْمَانِيَّةِ - اللاَّدِينِيَّةِ - وَالإِسْلاَمِ أَصْبَحَ صِرَاعًا دَاخِلِيًّا بَعْدَ أَنْ وَطَّنَهُ الاِسْتِعْمَارُ وَتَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَجْيَالًا مُتَتَابِعَةً، أَصْبَحَ صِرَاعًا فِي وَاقِعِ الأَمْرِ بَيْنَ قُوًى وَطَبَقَاتٍ مِنَ الوَطَنِيِّينَ غَيْرَ مُتَكَافِئَةٍ، بَيْنَ طَبَقَةٍ تَحْكُمُ وَأُخْرَى لاَ تَمْلِكُ إِلاَّ الإِذْعَانَ، وَثَالِثَةٌ تُبَارِكُ.
أ - أَمَّا الطَبَقَةُ التِي تَحْكُمُ فَهِيَ طَبَقَةُ المُثَقَّفِينَ المُوَجَّهِينَ الذِينَ يَعْرِفُونَ الأُمُورَ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ العِلْمَانِيَّةِ وَاللاَّدِينِيَّةِ.
ب - أَمَّا الطَبَقَةُ التِي لاَ تَمْلِكُ إِلاَّ الإِذْعَانَ فَهِيَ طَبَقَةُ المُتَدَيِّنِينَ مِنَ الجَمَاهِيرِ التِي تَعْتَقِدُ الإِسْلاَمَ كَدِينٍ وَلاَ تَمْلِكُ فَهْمَهُ وَعَرْضَهُ.
ج - أَمَّا الثَّالِثَةُ التِي تُبَارِكُ وَتُفَتِّشُ بِاسْمِ الإِسْلاَمِ عَنْ مُبَرِّرَاتٍ، فَهِيَ طَبَقَةُ الذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الدَّعْوَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَيَحْتَرِفُونَ العَمَلَ فِي تُرَاثِ الإِسْلاَمِ». (من كتاب " الإسلام ومشكلات الحكم ").
العِلْمَانِيَّةُ فِي مَاضِيهَا وَحَاضِرِهَا:
لقد كان يوسف إدريس وقرناؤه مسبوقين بحركات أخرى مهدت لهم، بعضها كان يحاول الدفاع عن الدين ولكنه أخطأ السبيل في بعض النواحي، كمدرسة الشيخ محمد عبده التي تنبه صاحبها في أواخر أمره ولذا رفض مسألة الدين الموجه العالمي الذي يجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية بطريقة ما، ثم كان منها خلفاء طبيعيون للمستعمر مثل حركة الكماليين بتركيا وأحمد خان بالهند، وفي هذا قال (كرومر) في كتابه " مصر الحديثة ": «إَنَّ مُحَمَّدْ عَبْدُهْ كَانَ مُؤَسِّسًا لِمَدْرَسَةٍ فِكْرِيَّةٍ حَدِيثَةٍ فِي مِصْرَ قَرِيبَةَ الشَّبَهِ بِتِلْكَ التِي أَسَّسَهَا السَّيِّدُ أَحْمَدْ خَانْ فِي الهِنْدِ، - مُؤَسِّسُ جَامِعَةَ عَلِيكْرَهْ - إِنَّ مِنْ أَهَمِّيَّتِهِ السِّيَاسِيَّةِ أَنَّهُ يَقُولُ بِتَقْرِيبِ الهُوَّةِ التِي تَفْصِلُ بَيْنَ الغَرْبِ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ وَتَلاَمِيذُهُ خَلِيقُونَ بِأَنْ يُقَدَّمَ لَهُمْ كُلَّ
1 / 16
عَوْنٍ، فَهُمْ الخُلَفَاءُ الطَّبِيعِيُّونَ لِلْمُصْلِحِ الأُورُبِيِّ».
ولقد ساهمت هذه الحركة في ظهور القاديانية بالهند وباكستان، والتي تزعم أن للإسلام نبيًا جديدًا هو غلام أحمد!! الذي نسخ الجهاد وأمر بطاعة الأجانب المستعمرين وحارب المسلمين وحكم بكفرهم.
أما تقريب الهوة بين الإسلام والغرب فيحدده المستشرق (جب) الذي كان عضوًا بمجمع اللغة الغربية!؟.
فيقول في كتابه " [إلى أين] يتجه الإسلام ": «إِنَّ جَعْلَ العَالَمَ الإِسْلاَمِيَّ غَرْبِيًّا، أَوْ حَمْلِهِ عَلَى حَضَارَةِ الغَرْبِ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى المَظَاهِرِ الخَارِجِيَّةِ لِلْتَّقْلِيدِ وَالاِقْتِبَاسِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْحَثَ عَنْ الآرَاءِ الجَرِيئَةِ وَالحَرَكَاتِ المُسْتَحْدَثَةِ التِي ابْتُكِرَتْ بِدَافِعٍ مِنَ التَّأْثِيرِ بِالأَسَالِيبِ الغَرْبِيَّةِ - وَيَنْتَهِي إِلَى ضَرُورَةِ خُضُوعِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ لِقِيَمِ الغَرْبِ وَعَادَاتِهِ». ويقول: «المَدَارِسُ وَالمَعَاهِدُ لَيْسَتْ إِلاَّ خُطْوَةً فِي الطَّرِيقِ».
وَضْعُ عَمِيدِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ:
ثم جاء طه حسين وأصبح رئيسًا لتحرير مجلة " الكاتب المصري " التي أنشأها جماعة من اليهود. وخرج على الأمة - في محنتها عند إعلان انتهاء الخلافة الإسلامية - وطبع كتابًا " في الشعر الجاهلي " زعم فيه أن الإسلام ليس دينًا سماويًا والقرآن ليس وحيًا من الله.
وقد ثارت ضده الأمة، ثم أشيع أنه تاب حيث جاء بكتابه " على هامش السيرة " وهو لم يعدل فيه من هذا الفكر، ومع هذا ما زال الكتاب موضع اقتباس وتدريس في المدارس رغم علمانيته فزعم أن السيرة ليست حقائق بل كالقصة التي ترويها الجدة لحفيدها.
وبعد ذلك يصبح عميدًا للأدب العربي، ولذا ما زالت تتكرر مهزلة كتاب " الإسلام وأصول الحكم " للشيخ علي عبد الرازق (العِلْمِانِي).
كَاثُولِيكِيَّةُ أَمِينْ عُثْمَانْ:
أمام هذا لم يتورع أمين عثمان أن يعلن أن مصر تزوجت بريطانيا زواجًا كاثوليكيًا، أي لا انفصام له وبالتالي يضفي شرعية على الاحتلال البريطاني، ولقد دفع أمين عثمان رأسه ثمنًا لهذه الكلمة بحادث الاغتيال المشهور.
1 / 17
تَوْبَةُ خَالِدْ مُحَمَّدْ خَالِدْ:
ثم جاء خالد محمد خالد وأخرج كتابه " من هنا نبدأ "، زعم فيه أن الغيرة على الفضيلة تدفعنا إلى معارضة التطور، ويجب بالتالي أن نحدد معنى الفضيلة والرذيلة. وعنده أن كل زحف إلى الوراء مهما اتسم بحسن النية، وسلامة القصد ليس سوى رذيلة في ثوب تنكري خداع. ويقول الكاتب الإسلامي!! ما هو خير وما هو شر موضوعات تتغير مع المواسم والأعياد.
الحق المطلق والخير المطلق والفضيلة المجردة توجد في عقول المتصوفين والمجاذيب والحالمين. والطريقة العصرية لبلوغ الفضيلة ليست الصلاة، إنما هو الطعام الجيد والمسكن الجيد!!.
فهل تاب خالد محمد خالد في كتابه " رجال حول الرسول "؟ أم أن الكتاب به لمسات من الفكر البشري غربيًا أو شرقيًا صيغت به ثورة المحرومين بقيادة أبي ذر الغفاري ضد الرأسماليين، الممثلين في عثمان بن عفان!. ليس هذا موضوع جوابنا، إنما نضع النقاط على الحروف (١) (وتفصيله في كتاب " الغزو الفكري للتاريخ والسيرة ").
التَّفْسِيرُ العَصْرِيُّ بَيْنَ لُبْنَانَ وَمِصْرَ:
ثم جاء خالد العظم وادعى بحرية نقد نصوص القرآن في كتاب أصدره في لبنان.
وفي فترة من الزمن جاء مصطفى محمود ووضع كتابه " نحو تفسير عصري للقرآن "، زعم فيه أن الذي ينظر إلى الفتاة التي لا يسترها إلا قطعة المايوه يكون مُسَبِّحًا بِحَمْدِ اللهِ وَجَمَالِ خَلْقِ اللهِ، ثم بدأ الدكتور في التوبة. ولقد أصبح من صلاحيات روجيه غارودي سكرتير الحزب الشيوعي الفرنسي سابقًا أن تنشر له " الأهرام " في ١٩/ ١١ / ١٩٦٩: «أَنَّ الإِسْلاَمَ يَدْعُو إِلَى العَدْلِ وَالمَارْكْسِيَّةِ تُحَقِّقُ العَدْلَ، فَالمُؤْمِنُ عِنْدَمَا يُطَبِّقُ المَارْكْسِيَّةَ إِنَّمَا يُطَبِّقُ الإِسْلاَمَ». (ولقد تاب كلاهما).
دَوْرُ لْوِيسْ عَوَضْ:
وجاء لويس عوض ونشر في " القبس " بتاريخ أول أبريل سنة ١٩٧٦ أن العودة إلى
_________
(١) نشر الأستاذ خالد محمد خالد كتابه " الإسلام والدولة " أعلن فيه أن منهجه في كتابه " من هنا نبدأ " قد تغشاه الخطأ، حيث ربط الوضع في أوروبا بإبان حكم البابوات بالحكم الإسلام ولا مجال لذلك.
1 / 18
مناهج السلف الصالح (وَهُمْ الصَّحَابَةُ) عودة إلى الرجعية ونادى بالأخذ بمدنية الغرب وتقاليده وقيمه، ومعلوم أن الإباحية واللاأخلاقية جزء لا يتجزأ منها.
فهل آن الأوان لنميز الخبيث من الطيب ولنحدد مواقع وأغراض وهؤلاء الكُتَّابِ ثم تتحدد أحجامهم تبعًا لذلك؟.
هؤلاء الكتاب الذين أريد لهم الشهرة إنما يرددون ما كتبه وأوحى به سدنة الفكر الغربي، أو سدنة الفكر الماركسي، وذلك تحقيقًا لأغراض لا تخدم أمتنا، وإن شاء هؤلاء لتتبعنا أقوال سدنتهم ونشرناها مقرونة بما تولد عنها من المقالات ليعلم القاصي والداني أنهم أبواق لجهات معلومة.
فَهَلْ يُسِّرَ لنا النشر كما هو ميسر لهم. نريد جوابًا من الصحافة العربية! التي حال بعض المحترفين فيها دون نشر هذا المقال حتى سمحت به " الوطن " (١).
غَسِيلُ مُخِّ المَرْأَةِ بَيْنَ الشُّيُوعِيَّةِ وَالأُمِّيَّةِ:
عقدت ندوة «وضع المرأة في المجتمع العربي» وجاءت ضمن أسبوع المرأة الذي نظمته جمعية الهندسة والبترول، وقد أورد الدكتور باسم سرحان أن كثيرًا من طالبات الجامعة لديهم قناعة أن العمل للمحتاجات ماديًا فقط، وأنه لا ضرورة لعملهن إذا لم توجد حاجة مادية للعمل. وهذا إحباط أصاب المرأة العربية في الدول التي لم تنعم بمثل هذه البحبوحة النفطية، فإن دخل المرأة من العمل يشكل إسهامًا أساسيًا في تحقيق مستوى معيشي لائق للأسرة.
وقد نتج هذا الفكر عن النظرة الماركسية التي تنكر الملكية، وبالتالي لم يصدر مثل هذا الرأي دفاعًا عن المرأة. ويفسر هذه الخلفية الفكرية قول الدكتور علي القراح في هذه الندوة: «إِنَّ الرَّجُلَ تَمَكَّنَ تَارِيخِيًّا بِحُكْمِ سَيْطَرَتِهِ عَلَى الإِنْتَاجِ، وَعَلَى المِلْكِيَّةِ الخَاصَّةِ مِنْ إِخْضَاعِ المَرْأَةِ إِخْضَاعًا تَامًّا وَمِنَ السَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا وَتَحْوِيلِهَا إِلَى أَسِيرَةٍ أَوْ سَجِينَةٍ عَلَى الصَّعِيدِ الاجْتِمَاعِيِّ».
_________
(١) نشر في " الوطن " يومي ٢٢، ٢٩/ ١٠ / ١٩٧٦ مع الإشارة إلى أن الدكتور يوسف إدريس قد صحح مفاهيمه بمقال نشر في " الأهرام " يوم ٨/ ٢ / ١٩٨٨.
1 / 19
وتظهر هنا عدة مغالطات منها:
١ - ادعاء أن الرجل هو المسيطر على الملكية الخاصة وعلى الإنتاج وهذا أمر لا وجود له في المجتمع العربي الذي يناقش المحاضر قضاياه. فالمرأة تملك كالرجل.
٢ - المرأة التي لا تعمل لدى الغير ليست محرومة من المشاركة في العمل والإنتاج كما يقول الفكر الشيوعي؛ لأن هذه المرأة قد تعمل في منشأتها أو تعمل في بيتها وفي تربية أولادها بدلًا من تركهم لغير الأمهات، وقد ثبت أن ترك الأطفال لدى غير الأمهات يسبب لهم أضرارًا لا ينكرها إلا من ينكر طلوع الشمس من المشرق.
٣ - أن هذا الفكر يعتبر المرأة التي تعمل لدى الغير في تربية وحضانة أولاد آخرين غير أولادها، سواء في دور الحضانة العامة أو في البيوت الخاصة، يعتبر هذه المرأة منتجة، بينما لو قامت بهذا العمل في بيتها وجعلت جهدها وثقافتها وخبرتها لتربية أولادها، أصبحت غير منتجة ومصابة بإحباط اجتماعي، كذلك لو عملت في منشأة لها.
٤ - أن هذا الفكر يعتبر المرأة التي تحصل على دراهم قليلة من عملها لدى الغير منتجة، وتحقق المستوى المعيشي اللائق للأسرة، بينما لو كان لها دخل أكبر من ميراثها عن أبويها أو من ملكيتها الخاصة أو ملكية زوجها، تصبح مصابة بإحباط ولا تحقق المستوى المعيشي اللائق للأسرة. وهذه مغالطة لا تخفى إلا على الأميين، أو من أثر غسيل المخ الشيوعي في عقولهم والذي نسب ضمان حقوق المرأة إلى (ماركس) دون سواه.
٥ - أن هذا الفكر يعتبر المرأة التي لا تعمل لدى الغير قد تحولت إلى سجينة على الصعيد الاجتماعي؛ لأنها لا تتحرر من الرق الاجتماعي إلا إذا اشتغلت لدى الغير، أما إذا كانت تملك عقارات تديرها بنفسها، أو بأجير لديها، فهي أسيرة اجتماعيًا؛ لأن هذا الفكر يحرم الملكية الخاصة، وحاصل القول في هذه الندوة حسبما نشرته عنه الصحف اليومية، أنها لا تدافع عن المرأة فيما هضمت من حقوق في أي مكان أو زمان، بل تدافع عن الفكر الشيوعي دون سواه (١).
_________
(١) نشرت في " السياسة " يوم ٢٩/ ٥ / ١٩٨٦.
1 / 20
الإِسْلاَمُ المُفْتَرَى عَلَيْهِ بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ: (*).
لقد ذهبت إلى الكويت خلال شهر سبتمبر ١٩٧٢ وأثناء اطلاعي على [الأعداد] السابقة للصحف والمجلات، لفت نظري كلمتان بجريدة " السياسة " بتاريخ ١٩/ ٨ / ١٩٧٢ بتوقيع العامل العربي «خليل أبو عطايا» يدافع عن روسيا والشيوعية، ويطلب العامل أن نطرح الدين جانبًا، ولا نستخدمه للإحراج، وفي الوقت نفسه يؤكد أن الإسلام كفل الحرية الحقيقية والعدل والمساواة، وينعى على المسلمين الانحراف عن الإسلام، ولكنه لا يطلب العودة إلى الإسلام إنما جعل تصحيح الأوضاع بالالتجاء للاشتراكية، لأنها هي جوهر الدين كما يفهم.
أما المقالة الثانية فمنشورة في ٢٧/ ٨ / ١٩٧٢ بتوقيع «تيسير عودة الله» وهي تتحمس للشيوعية أكثر من الشيوعيين. فعنوانها ومضمونها أن الشيوعية هي النظام الوحيد الذي يكفل حياة حرة للجميع، وتقول: «وهذا ما لا نجده في أي مجتمع آخر».
ولقد اندهشت لمثل هذه الكتابات، لأن قادة الشيوعية لا يكتبون مثل ذلك. فالخبير السوفياتي (زولين) يطالب بعودة روسيا إلى نوع من الملكية الفردية، و(روجيه غارودي) عندما كان سكرتيرًا عامًا للحزب الشيوعي الفرنسي كشف عن بعض أخطاء الماركسية حتى أبعد عن الحزب، كما أن الأحزاب الشيوعية في العالم انقسمت على نفسها، بسبب جمود الفكر الماركسي، وخرجت على شعوبها ببرامج لا تتقيد بالخط الماركسي أو اللينيني.
وإذا كانت الشيوعية قد لجأت في السنوات الأخيرة إلى شراء بعض الأقلام لنشر مبادئها، وأصبحت نشرات السفارات الشيوعية تصدر بأقلام عربية، فإن هذه الأقلام لم تبلغ بها الجرأة بعد لكتابة هذه الأحلام وللتبشير بهذه الأوهام.
لَمْحَةٌ خَاطِفَةٌ عَنْ إِلَهِ الشُّيُوعِيِّينَ:
لقد ابتدع الألماني (فيورباخ) دينًا جديدًا في القرن التاسع عشر (١٨٠٤ - ١٨٧٢). فقدس علم الإنسان، حتى أصبح هذا العلم هو معبود الإنسانية في مفهومه، وورث (كارل ماركس) (١٨١٨ - ١٨٨٣) هذه البدعة، ولكنه جعل المادة
_________
(*) نشر بمجلة " البلاغ " الصادرة في الكويت بتاريخ ١/ ١٠ / ١٩٧٢ م وأكثر المقال عن الشيوعية لأنها أصل العلمانية فهي أشد إنكارًا للدين.
1 / 21