The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
اصناف
موانع دخول أهل مكة في الإسلام
قبل الحديث عن خطة مكة في القضاء على الدعوة الإسلامية لابد أن نبحث في موانع الإسلام عند أهل مكة، لماذا لم يؤمن أهل مكة؟ هل لأنهم لم يقتنعوا بالدعوة؟ لماذا حاربوا الدعوة ولم ينصروها مع أن الرسول ﷺ منهم ومن داخلهم؟ ألأنهم لم يدركوا الحق الذي جاء به رسول الله ﷺ؟ أنا لا أعتقد هذا مطلقًا، على الأقل الغالبية منهم، فقد كانت الرسالة واضحة جدًا، كما قال الله ﷿ في كتابه الكريم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل:١٤]، القرآن كلام معجز، وهؤلاء هم أهل اللغة، ويعرفون أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، ويعلمون أن محمدًا ﷺ رسول الله فعلًا ولا يكذب، ومع ذلك كان أبي بن خلف يقابل الرسول ﷺ ويقول له: إني سأقتلك، فيقول له الرسول ﷺ: بل أنا أقتلك إن شاء الله.
فمرت الأيام وخرج أبي بن خلف مترددًا إلى أحد يحارب رسول الله ﷺ، فضربه ﷺ بسهم أصاب منه خدشًا في كتفه، فكان أبي بن خلف يصرخ من هذا الخدش صراخًا شديدًا، فقال له الناس: هون عليك هذا أمر سهل، فقال أبي بن خلف: إنه قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق علي لقتلني! فانظروا إلى مدى تصديقه لكلام الرسول ﷺ، فأين كان عقلك يا أبي؟ أين كان عقل الذين سمعوك ولا يزالون يقاتلون النبي ﷺ؟ إذًا: أهل مكة كانوا يوقنون أن هذا الذي جاء به الرسول ﷺ هو الحق لا ريب فيه، فلماذا كذبوه؟ ذكرنا من الأسباب: التقاليد الذي كان عند أبي طالب والجبن الذي كان عند أبي لهب.
من الأسباب أيضًا التي منعت بعض الناس من دخول الإسلام: القبلية، ففي مكة قبائل كثيرة، بل في داخل قريش بطون كثيرة، فـ أبو جهل من بني مخزوم، وكان يقول: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه.
فالتعصب لقبلية أو لقومية أو لعرق معين من شيم الجاهلية، وأعداء الأمة يستغلون هذا المدخل منذ القديم وإلى يوم القيامة، وهذه هي النقطة التي دخل منها اليهود والإنجليز لإسقاط الدولة العثمانية، عندما فرقوا المسلمين إلى عرب وأتراك.
وهي النقطة التي دخل منها الفرنسيون لإسقاط الجزائر عندما فرقوا المسلمين إلى عرب وبربر.
وهي النقطة التي دخل منها شاس بن قيس اليهودي لعنه الله للتفرقة بين الأنصار إلى أوس وخزرج.
ومن الناس من منعه الكبر عن الإسلام، وما أكثر الذين امتنعوا عن لزوم الحق بسبب الكبر، قال الله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:٣٤]، فالكبر يقود إلى الكفر.
وقد عرف رسول الله ﷺ الكبر بقوله: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، (بطر الحق) أي: تعرف الحق ثم تنكره.
(وغمط الناس): أي: احتقارهم.
وانظر إلى كلام الوليد بن المغيرة الذي حكاه القرآن الكريم، قال الله ﷿ في كتابه: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف:٣١] القريتان هما: مكة، والطائف، فالمقصود بالعظيم في مكة هو الوليد بن المغيرة، والعظيم في الطائف هو عروة بن مسعود الثقفي، فيقولون: لو كان نزل القرآن على رجل عظيم لكنا آمنا به، مع أن الرسول ﷺ أعظم الخلق، لكنهم يقيسون العظمة بكثرة الأموال لا بقيم الأخلاق والدين والعقيدة، فالله ﷿ يوضح في كتابه الكريم أن الذي يتصف بصفة الكبر من المستحيل أن يتبع الحق، قال الله ﷿: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف:١٤٦] أي: أن الله ﷿ بنفسه هو الذي سيصرف أولئك الذين يتكبرون عن آياته ﷾.
ومن الناس من منعه الخوف على السيادة والحكم في أرض مكة، فالرسول ﷺ يريد تحكيم الله ﷿ في أمور العبادة، وهو ﷺ ناقل عن رب العزة، وسيسحب البساط من تحت أقدام الزعماء كـ أبي سفيان وغيره؛ وذلك إن انتشر دين الإسلام بمكة، فكان الخوف على الحكم مع
6 / 6