146

The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

السيرة النبوية - راغب السرجاني

اصناف

المعالم العامة لوفد العقبة الثانية
كان بين وفد الأنصار المكون من (٧٥) وبين الرسول ﷺ وعد في موسم الحج سنة ثلاث عشرة من البعثة، وهم لا يعرفون بماذا سيكلفهم الرسول ﷺ؟ أو ماذا يريد منهم؟ كل الذي يعرفونه هو الاتفاق الذي جرى مع أصحاب بيعة العقبة الأولى، وهذا الاتفاق لم يكن فيه شيء غير العقيدة والأخلاق وطاعة الرسول ﷺ، وهذه معظمها تكليفات فردية، ولم يطلب منهم الحرب ولا الجهاد أو أي طلب للنصرة؛ لأن الرسول ﷺ كان مقدرًا لوضع أصحاب بيعة العقبة الأولى، وكان يعلم بأن إمكانياتهم مهما كبرت فإنها محدودة، ولم يطلب منهم أن يستضيفوه هو ومن معه في مكة إلى المدينة المنورة، ومع ذلك ومع عدم التكليف للأنصار إلا أنهم هم من كان يبحث عن النصرة والمساعدة والاستضافة لرسول الله وللمؤمنين في مكة.
هناك كلمة جميلة قالها جابر بن عبد الله ﵁، وهو من الستة الأنصار الأوائل الذين أسلموا في السنة الحادية عشرة من البعثة، ثم بايعه بعد ذلك في بيعة العقبة الأولى، قال هذه الكلمة وهم ما زالوا في المدينة قبل أن يأتوا مكة، قال جابر: فقلنا: -أي نحن الأنصار- حتى متى نترك رسول الله ﷺ يطرد في جبال مكة ويخاف، يقول: فرحل إليه منا (٧٣) رجلًا! فالأنصار هم الذين سعوا إلى نصرة رسول الله ﷺ قبل أن يطلب منهم ذلك، والرسول ﷺ لم يطلب منهم أن يأتوا بهذا العدد الكبير في هذا الموسم، لكن هم الذين جمعوا أنفسهم في هذا العدد الكبير من أجل أن يقنعوا الرسول ﷺ بالذهاب معهم إلى المدينة، هم الذين بحثوا عن التكاليف والواجبات الشاقة والصعبة في الإسلام.
فارق ضخم هائل بين الذي يبحث عن الدعوة والنصرة والجهاد، وبين الذي يبحث عنه الناس؛ ليقوم بأمر الإسلام والجهاد، فرغبة الأنصار هذه ستفسر لنا مواقفهم التي سنقولها الآن في بيعة العقبة الثانية، وستفسر لنا مواقف الأنصار بعد ذلك في كل سيرة الرسول ﷺ.
كان الأنصار أنصارًا للدين بمعنى الكلمة، لم يفكروا في شيء لأنفسهم فحسب، بل عاشوا للدين وللإسلام، عاشوا لغيرهم من المسلمين، ما أبلغ الوصف الذي وصفهم به ربهم ﷾ عندما قال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر:٩]، هذه الآية تلخص كل قصة الأنصار، ولن تستطيع أن تستوعب المواقف العظيمة للأنصار إلا في ضوء هذا المعنى الجميل الذي أشار إليه الله ﷿ في كتابه الكريم.

13 / 4