ولما رأينا إنه جاز التعليل بالوصف علمنا أنه إنما جاز لتعذر التعليل بالحكمة١.
وأجيب عنه بأن "التعليل بالحكمة وإن كان راجحًا على التعليل بالوصف من الوجه الذي ذكر "المستدل"، فإن التعليل بالوصف الراجح على التعليل بالحكمة من وجه آخر، وهو سهولة الاطلاع على الوصف، وعسر الاطلاع على الحكمة، فلما كان كل واحد منهما راجحًا من وجه، ومرجوحًا من وجه آخر حصل الاستواء"٢.
الثاني: أن القدر الذي رتب الشارع علة الحكم فيه لا يعلم وجوده في الفرع، لأن المصالح والمفاسد من الأمور الباطنة التي لا يمكن الوقوف على حقائق مقاديرها، لاختلاف مراتبها التي لا نهاية لها بحسب الأشخاص والأحوال، وليس كل قدر منها صالحًا لإناطة الحكم، ولما تعذر تعيين القدر الصالح لإناطة الأحكام منها، نيط بوصف ظاهر منضبط كالسفر، للترخص لقصر الصلاة والإفطار في رمضان مثلًا، ولم ينط بالمشقة التي هي الحكمة.
وأجيب عنه بأنه لو لم يجز التعليل بالحكمة، لكونها غير معلومة لما جاز بالوصف المشتمل عليها، لأنه إذا انتفى العلم بها، انتفى العلم بالوصف المشتمل عليها، لاستحالة العلم به دون العلم بها، لكن الوصف المشتمل عليها يصح التعليل به بالاتفاق كالسفر مثلًا، فإنه علة لجواز القصر، لاشتماله على المشقة، لا لكونه سفرًا، فإذا حصل الظن بأن الحكم في الأصل لتلك المصلحة، أو المفسدة المقدرة، وحصل الظن أيضًا بأن قدر تلك المصلحة أو المفسدة، حاصل في الفرع، لزم بالضرورة حصول الظن بأن الحكم وهو الترخص بالقصر قد وجد في الفرع، والعمل بالظن واجب٣.