"هَذه الآيَة في خُصُوص أهْل الكِتَاب، والْمَعْنَى أنهم قَبْل نُزُول قِتَالِهِم لا يُكْرَهُون عَلى الدِّين مُطْلقًا، وبَعد نُزُول قِتَالِهم لا يُكْرَهُون عَليه إذا أعْطَوا الجزية عن يَدٍ وهُم صَاغِرُون، والدَّليل على خُصُوصِها بِهم (^١) قَول ابن عباس ﵄.
ومَعْنَى الآيَة دَالّ عَلى ذلك، كَمَا تقدّم.
ويُمْكِن أن يُقَال في آيَة "البَقَرة": لا إكْرَاه في الدِّين مِنْ نَاحِية إدْخَال الإيمَان إلى القُلُوب، لِمَّا عُلِّل به الْحُكْم في قَولِه تَعالى: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: ٢٥٦]، وهذا كَقَولِه تَعالى لِنَبِيِّه ﷺ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: ٥٦]، مَع كَوْنِه ﵎ أثْبَتَ لَه نَوعًا مِنْ الْهِدَاية في قَوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: ٥٢]. ومِمَّا يُبَيِّنْ الْمَعْنى الْمُرَاد قَوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس: ٩٩].
فالنَّهْي هُنا عَنْ الإكْرَاه عَلى الإيمَان لِمَنْ لَم يَدْخُل قَلْبه الإيمان، كأنه يُقَال: إذا تَبيّن الرُّشْد مِنْ الغَيّ فَلا يَتَنَكَّب الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم إلَّا شَقِيّ.
المثال الخامس:
حَقّ التَّقْوى، أو التَّقْوى مَع الاسْتِطَاعَة:
قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: ١٠٢] مع قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦].
صورة التعارض:
أنَّ الآيَة الأُولى أمَرَ الله فِيها بالتَّقْوَى حَقّ التَّقْوى، وفي الآيَة الثَّانِيَة الأَمْر بِالتَّقْوَى حَسب الاسْتِطَاعَة.