162

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

اصناف

القرطبي (^١): وأجْمَعَتِ الأُمَّة على أن الله ﷿ قَدْ وَصَفَ نَفْسَه بِالْخَتْم والطَّبْع عَلى قُلُوب الكَافِرين مُجَازَاة لِكُفْرِهم (^٢). وأطال في ذِكْر الأقْوال في مَعْنَى آية "الأنعام" (^٣). واخْتَار القاسمي أنَّ الْمُرَاد: إحْدَاث حَالَة تَجْعَل القُلُوب - بِسَبَب تَمَادِيهم في الْغَيّ وانْهِمَاكِهم في التَّقْلِيد، وإعْرَاضِهم عن مَنْهَج النَّظَر الصَّحِيح - بِحَيث لا يُؤثِّر فِيها الإنْذَار، ولا يَنْفُذ فِيها الْحَقّ أصْلًا (^٤). رأي الباحث: أنَّ الْخَتْم والطَّبْع إنما هُو بِسَبَب مَا كَسَبَتْه أيْدِيهم، لا أنه خُتِم عليها ابْتِدَاء، وقد دَلَّتْ آية "الأنعام" على أن تَقْلِيب أفْئدَة هَؤلاء الْمُعَانِدِين كَيلا يُؤمِنُوا. وهَذا مِنْ بَاب الْجَزَاء عَلى كُفْرِهم عِنَادًا، كَما قَال تَعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: ٨٦]. وكما قَال الله تَعالى عن اليَهُود: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [الأنعام: ١٤٦]. وكَما قَال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف: ٥]. فيَكُون قَوله تَعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) مِنْ بَاب العُقُوبَة، "أي: ونُعَاقِبهم إذا لم يُؤمِنُوا أوَّل مَرَّة يَأتيهم فِيها الدَّاعِي، وتَقُوم عليهم الْحُجَّة بِتَقْلِيب القُلُوب والْحَيْلُولَة بَيْنَهم وبَيْن الإيمان، وعَدَم التَّوفِيق لِسُلُوك

(^١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ١٨٧). (^٢) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ٢٧٨). (^٣) انظر: المرجع السابق (٦/ ١٣٦). (^٤) محاسن التأويل، مرجع سابق (١/ ٢٧٣)، وانظر: (٦/ ٤٧٧، ٤٧٨) مِنْه.

1 / 162