145

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

اصناف

قَالوا: فَمَعْنَى قَوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) أي: قَابِضُك مِنْ الأرْض حَيًّا إلى جِوارِي، وآخِذُك إلى مَا عِنْدِي بِغَير مَوت، ورَافِعُك مِنْ بَين الْمُشْرِكِين وأهْل الكُفْرِ بك.
وقَول آخَرين: مَعْنَى ذلك: إنِّي مُتَوفِّيك وَفَاة مَوْت.
وقَول آخَرِين: مَعْنَى ذلك: إذْ قَال الله يا عِيسى إني رَافِعُك إليَّ ومُطَهِّرُك مِنْ الذين كَفَرُوا، ومُتَوَفِّيك بَعد إنْزَالي إيّاك إلى الدُّنْيا.
وقَالوا: هَذا مِنْ الْمُقَدَّم الذي مَعْناه التَّأخِير، والْمُؤخَّر الذي مَعْناه التَّقْدِيم.
ثم ذَكَر ابن جرير القَول الرَّاجِح عنده، فقال:
وأوْلى هذه الأقْوال بالصِّحَّة عِنْدَنا قَول مَنْ قَال: مَعْنَى ذلك: إني قَابِضُك مِنْ الأرْض ورَافِعُك إليَّ؛ لِتَواتُر الأخْبَار (^١) عن رَسول الله ﷺ أنه قَال: يَنْزِل عِسى ابن مَريم فيَقتُلُ الدَّجَّال، ثم يَمْكُث في الأرْض مُدَّة - ذَكَرَها، اخْتَلَفَتِ الرِّواية في مَبْلَغِها - ثم يَمُوت، فيُصَلِّي عليه الْمُسْلِمُون ويَدْفُنُونَه (^٢).
وممن قال بالتقديم والتأخير: أبو الليث السمرقندي، فإنه قال: قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) ففي الآية تقديم وتأخير، ومعناه: إني رافعك من الدنيا إلى السماء ومتوفيك بعد أن تَنْزِل من السماء على عهد الدجال (^٣).

(^١) سبقت الإشارة إلى الحديث، وهو مُخرَّج في الصحيحين.
وقال ابن عطية: وأجْمَعَت الأمّة على ما تَضَمَّنه الْحَدِيث الْمُتَواتِر من أنَّ عيسى ﵇ في السَّمَاء حَيّ، وأنه يَنْزِل في آخِر الزَّمان؛ فيَقْتُل الْخِنْزِير، ويَكْسر الصَّليب، ويَقْتُل الدَّجَّال، ويَفِيض العَدْل، ويُظهِر هذه الملة مِلّة محمد، ويَحُجّ البيت ويَعْتَمِر، ويَبْقَى في الأرْض أرْبَعًا وعِشْرِين سَنة، وقيل: أربعين سَنة، ثم يُمِيتُه الله تعالى.
(المحرر الوجيز ١/ ٤٤٤).
ويُنظر لذلك: كتاب "قصة المسيح الدجّال ونزول عيسى ﵊"، محمد ناصر الدين الألباني، فقد أثْبَت تَواتُر الرِّوايات بِنُزُول عِيسى ابن مريم ﵊، خِلافًا لمن زَعَمَ أنها أحَادِيث آحَاد، فَنَفَاها! ويُنْظَر أيضًا كتاب "أشراط الساعة"، عبد الله بن سليمان الغفيلي.
(^٢) جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ٤٤٧ - ٤٥١) بتصرّف.
(^٣) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٢٤٣).

1 / 145