انقلاب شاعری جدید

عبد الغفار مكاوي d. 1434 AH
96

انقلاب شاعری جدید

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

اصناف

أزرق،

U

أخضر. حسبت شكل وحركة كل حرف ساكن وأوهمت نفسي أنني تمكنت بفضل إيقاعات فطرية من اختراع كلمة (أو لغة) شعرية يمكن في وقت قريب أو بعيد أن تصبح في متناول جميع الحواس.» ثم يقول بعد ذلك بقليل: «كان هذا في بداية الأمر مجرد تدريب. كتبت الصمت، الليالي، دونت ما يستعصي على التعبير. ثبت الدوار.»

ومع أن هذه الكلمات الواردة في آخر أعمال رامبو (فقد كتب فصل في الجحيم بين أبريل وأغسطس 1873م) تعبر فيما يبدو عن مرحلة تجاوزها الشاعر، فإن هذا لا يغير من الحقيقة شيئا وهي أنه كان لا يزال يجرب أسلوب السحر اللغوي على درجات مختلفة حتى في آخر أعماله، وفي كل مرة يطبق فيها هذا الأسلوب تنشأ تركيبات نحس لو قرأناها بصوت مرتفع أن الشاعر قد تدبر ظلال الحروف الصوتية وأحسن استغلال الارتباطات القائمة بين الأحرف الجامدة أو الساكنة. وتزداد جرأة الشاعر وجسارته كلما تمكنت منه إرادة النغم - إذا صح هذا التعبير - بحيث لا يعود للبيت الذي يوجهه هذا النغم أي معنى أو لا يبقى فيه سوى معنى مظلم أو عبثي أو غير معقول.

12

وفي مثل هذه الأحوال يمكننا أن نتحدث عن الموسيقى غير النغمية

atonale

في الشعر، كما يكثر الحديث عنها في الموسيقى الحديثة. والمهم أن النشاز بين المعنى العبثي المظلم وبين القوة النغمية المطلقة التي تحملها الكلمات سيظل قائما في الشعر الحديث بعد رامبو، وسيظل من أهم ملامحه وقوانين بنائه؛ ولذلك فإن العبارة عند رامبو وعند غيره، تكاد تكون مستحيلة على الترجمة. إنها في معظم الأحوال لا تخرج عن كونها سلسلة من الأنغام والأصوات المجردة التي يحددها التقارب أو التنافر بين الحروف المتحركة والحروف الساكنة، بحيث يتعذر علينا أن نفهم معنى الكلمات التي توحي بها هذه الأنغام والأصوات لأنه في معظم الأحيان لا يفيد معنى ولا صورة؛ ولهذا كله تظل الترجمة قاصرة وعاجزة. إنها ستكون في أحسن الأحوال تقريرا عن معنى القصيدة أو مضمونها، في حين أن معظم هذا الشعر «الرمزي» - وفي أعقابه أغلب الشعر الحديث كما قدمت - لا يهتم بالمعنى والمضمون بقدر ما يهتم بالصوت والنغم الموحى. هكذا تتسع الهوة بين لغة الشعر السحرية وبين لغة الكلام العادية. وهكذا يتحتم على المترجم أن يعرف حدوده، كما يتحتم على القارئ أن يرجع إلى النص الأصلي كلما أمكنه ذلك. (19) حكم أخير

يقول ج. ريفيير في كتابه عن رامبو: «إن المساعدة التي يقدمها لنا هي أنه يجعل إقامتنا على الأرض شيئا مستحيلا ... إن العالم يهوي في عمائه أو فوضاه الأولى من جديد، والأشياء تعود إلى الظهور في حريتها المخيفة التي كانت تمتلكها قبل أن تستخدم لتحقيق غرض أو منفعة.» إن عظمة رامبو تكمن في أنه استطاع أن يعبر عن هذا العماء الأول

13

نامعلوم صفحہ