ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
اصناف
صلى الله عليه وسلم
في غار حراء، ولعل التحنث أدخل في باب العبادة من التحنف؛ فالمتحنث هو المتحنف عندما ينقطع عن أهله وذويه لتطهير نفسه أو تكميلها، وليتصل بالقوة العظمى السائدة على الكون حتى يسعفه الله بالوحي والرسالة.
لا شك في أن أهل مكة كانوا وثنيين، بالفطرة وبالتقليد يقدسون ما كان عليه آباؤهم من العبادة، ولا شك أن أهل مكة والمدينة والطائف - وهي عواصم الحجاز الثلاث - اتصلوا باليهود والنصارى، ووقفوا على كثير من معتقداتهم المنزلة، ولعل بعضهم قلب أنظاره في صحف إبراهيم وموسى وعيسى وزبور داود ومزاميره ومواعظ سليمان وأناشيده، ولعل بعضهم قرأ سفر أيوب وحكمة لقمان.
وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم .
وإذن لا بد من حدوث حركة فكرية - ولو ضئيلة - ترمي إلى البحث في الأديان، وتعليل العبادات والتأمل فيها؛ لأن طبيعة بلاد العرب تدفع أهلها إلى التأمل في جمال الطبيعة، ولا شك في أن مئات من السائحين عادوا من مصر أو من الهند أو الفرس أو كنعان يحملون أخبار آلهة أخرى غير أوثان الكعبة، تعبد وتقدس ويتقرب إليها في هياكل ثيبة ومزد وفشنو ... إلخ. ولم نذهب بعيدا وقد رأينا عمرو بن لحي ينقل الصنم هبل من هيت ببلاد العراق إلى الكعبة بمكة؟
ولكن تلك الوثنية العربية كانت عبادة تقليدية أو سنة ورثها الأبناء عن الآباء، كانت آلهة عدة، ولم تكن لها قيمة في ذاتها بقدر قيمتها في نظر عبادها؛ فكانت الأصنام حماة الأسباط، وفي كل بيت صنم تقام له فرائض العبادة من رب الدار في الغداة وفي العشي. وكان المثال أبو بجرات يصنعها ويبيعها للبدو كما كان يصنع أبو إبراهيم في بابل، وصنع الأرباب لبيعها تجارة رابحة حتى في روسيا القيصرية، ولكن مكانة الأوثان في القبائل كانت أرفع من مكانتها في الدور وفي الخيام؛ لأنها تمثل الوحدة المقدسة التي تجمع بين أفراد الأسرة وتربط بين الماضي والحاضر برباط العقيدة؛ فهي في نظرهم عروة لا تنفصم.
وكان فوق رءوس جميع الأصنام «الله» المعبود الأعم الأعظم، والإله الأكبر للكون بأجمعه.
1
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (سورة الزمر).
وكان بمثابة الوالد لجميع الآلهة، حتى إن أهل مكة دعوا الإناث من آلهتهم «بنات الله».
نامعلوم صفحہ