ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
اصناف
10
المتجاورة، كل سبط يقيم بحي من الأحياء، وكانت مقسمة في أول أمرها أرباعا حسب ما صنع قصي، ولم يكن في مكة سلطة عامة تحكم البلدة ولا قضاة يقيمون العدل بين الناس؛ فمصدر السلطات الأسباط وشيوخها إذا ما اتحدوا في أمر على عدو أجنبي، ويقع هذا الاتحاد وتلك الرابطة تطوعا لا كرها، وباختيار الأسباط دون إرغام ، بحكم المنفعة المشتركة، وتلبية لدعوة الشرف، ويطلقون عليه اسم العرض يؤيده الرأي العام الذي يمثله العقلاء في كل أسرة شريفة أو ظاهرة النفوذ بغناها أو صيتها، ولم تكن المكانة المعنوية بأقل من قوة المال كما كانت الحال في بني هاشم بالنسبة لبني أمية.
وإنك لتعجب لما طرأ من العداوة بين بني هاشم وبني أمية، وهم بنو عبد شمس (وفي تسميتهم ما يدل على صابئيتهم؛ لأن الصابئين كانوا يتخذون أسماءهم بعبادة الأجرام السماوية والكواكب). وقد روى بعض المؤرخين أن هاشما وعبد شمس ولدا توءمين، فخرج عبد شمس في الولادة قبل هاشم وقد لصقت أصبع أحدهما بجبهة الآخر، فلما نزعت دمي المكان، فقيل على عادة عرب الجاهلية من الطيرة: «سيكون بينهما أو بين ولديهما دم.» فكانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف بن قصي وبين أخيه أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وسببها أن هاشما كانت إليه الرفادة - وهي إحدى وظائف السراة من قريش - يقوم بها في موسم الحج، وهي ضيافة الحجيج وإعانتهم وإكرامهم، وأضاف إليها السقاية لأنه مقيم بمكة. أما أخوه عبد شمس فكان أخا أسفار وجواب آفاق. وأول العداوة أن أمية بن عبد شمس - وهو رأس بني أمية - اكتسب بجده مالا لم يكتسبه أبوه، فتكلف أن يفعل عمه هاشم
11
من إطعام الحجيج والفقراء من قريش فعجز عن ذلك فشمت به ناس من قريش وعابوه، فغضب ونافر هاشما على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة وعلى جلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي جد عمرو بن الأحمق، وكانت إقامة الكاهن بعسفان، فتكهن بما يسر هاشما ويسوء أمية، فنحر هاشم الإبل وأطعم لحمها من حضر، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين؛ نزولا على شرط المراهنة أو المنافرة. (أصلها أنهم يسألون: أينا أعز نفرا؟)
وفي استقراء أخبار أمية في الجاهلية ما يدل على قلة عفته؛ فقد عرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل منهم بالسيف، وصنع في الجاهلية ما لم يصنعه أحد من العرب؛ وهو أنه زوج ابنه أبا عمرو من امرأته في حياة منه! أي إنه مارس نكاح المقت لولده من زوجته. والمقتيون في الإسلام هم الذين أولدوا نساء آبائهم واستنكحوهن بعد موتهم. وأما أن يتزوجها الولد في حياة أبيه ويبني عليها وهو يراه، فإن هذا لم يكن قط! وأمية قد جاوز هذا المعنى ولم يرض بهذا المقدار حتى نزل عن زوجته وزوجها من ولده. وكان بنو أمية يوصفون ببني الزرقاء ويشتمون بأنهم «ملوك ومن شر الملوك» (رواية سفينة عن أم سلمة في النزاع والتخاصم، للمقريزي، ص22).
وفي تاريخ الأمويين ما يؤيد نظرية سيادة الأمومة؛ فإن الزرقاء هي أم بني أمية بن عبد شمس، واسمها أرنب، وكانت في الجاهلية من صواحب الرايات. ولا نحب أن نزيد في هذه العبارة شرحا.
ومن بنات أمية غير أرنب «صاحبة الرايات» هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس التي استأجرت وحشيا وتآمرت معه على اغتيال حمزة بن عبد المطلب عم النبي
صلى الله عليه وسلم
في موقعة أحد، ثم لاكت كبد حمزة ثم لفظتها انتقاما لمصرع أبيها عتبة الذي قتله حمزة في موقعة بدر، وهند هذه هي التي أمر رسول الله يوم فتح مكة بقتلها فأسلمت والسكين على رقبتها رهبة لا رغبة، ورعبا لا إيمانا.
نامعلوم صفحہ