ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
اصناف
1
وهذه أسماء ذكرها المجد الفيروزآبادي، وورد بعضها في مراجع دينية. وقال النووي: «لا يعرف في البلاد بلدة أكثر أسماء من مكة والمدينة.» ولا عجب؛ فإن الإسلام جعل لهما من الشهرة ما جعل المؤرخين يتبارون في التدليل عليهما بكثرة الأسماء، وفي مكة بيت الله المعظم الذي إذا قصده عباده حط عنهم أوزارهم، ورفع درجاتهم، وجعلها قبلة للمسلمين، وفرض الحج إليها، وهي مسقط رأس النبي ومحل إقامته ثلاثا وخمسين سنة، وموضع نزول نصف القرآن الكريم ومهبط الوحي ومظهر الإسلام الأسمى، ومنشأ الخلفاء الراشدين وأبطال الفتوح ومصدر العظمة المحمدية، وقد بلغ تكريم مكة من ذهن بعض العلماء أن يكره إقامة الناس بمكة خوفا من سقوط حرمة البيت الشريف بتعود المقام فيه، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يدور على الحاج بعد قضاء النسك بالدرة ويقول: «يا أهل اليمن يمنكم، ويا أهل الشام شامكم؛ فإنه أبقى لحرمة بيت ربكم في قلوبكم.» خوفا عليهم من الذنوب.
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .
ومحصل ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة من كراهة المجاورة مبني على ضعف عن مراعاة حرمة الحرم الشريف والبعد عن السمر والتفكه باللغو، وذكر أحوال الدنيا والاغتياب والخوض فيما لا ينبغي لهم من اللهو والعبث، فمن أمكنه الاحتراز عن ذلك وبقيت حرمة البيت في عينه وقلبه فالإقامة هي أفضل، وحينئذ لا تكره، ونحن لا نحب أن نتعرض هنا إلى ما اشتهر عن الحياة الاجتماعية في بعض المدن المقدسة في الهند ومصر وبابل وآشور؛ فهناك أوصاف مسهبة وأدلة ماثلة تجدها في تواريخ هيردوت والأزرقي والنهروالي والفاكهي وفلندرزبتري. وفي مجموعة ويستفلد الألماني نص المنشور الذي بعث به الخليفة الهادي العباسي إلى أهل مكة وفيه الكفاية، ومن بركة العلم نسبته إلى قائله. ولكن ما كانت عليه مكة قبل مولد النبي
صلى الله عليه وسلم
ومبعثه لم يمنعها أن تكون مصدرا لهذا النور الإلهي الذي انبثق من أحد بيوتها، ومن أصعب الأمور أن يوفق الباحث الاجتماعي بين طبيعة الإنسان الغارقة في الأخطاء والأوزار وبين القداسة التي يريدها الله - سبحانه وتعالى - لبعض الأماكن؛ فمكة مشرفة في نظر العالم الإسلامي، وستبقى كذلك إلى الأبد بإذن الله.
وأقدم مؤرخي مكة من العرب أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي، ثم خلفه أبو عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي المكي، ثم تقي الدين الفاسي محمد بن فهد الشافعي، ثم النهروالي من علماء نهروالة صاحب الأقوال المأثورة والكتب المشهورة، وقد جاء وصف مكة على لسان هؤلاء الأعلام - غير ما ذكرناه - أنها مدينة كبيرة مستطيلة ذات شعاب واسعة، لها مبدأ ونهايتان، مبدؤها المعلاة - وهي المقبرة الشريفة - ومنتهاها من ناحية جدة «الشبيكة»، ومن ناحية اليمن «بازان»، وشكلها كالسلحفاة الرابضة، وبها جبلان اسمهما الأخشبان، وهما جبل أبي قبيس (وهو المشرف على الصفا)، والجبل الأحمر أو الأعرف (وهو المشرف على قعيقعان وعلى ديار عبد الله بن الزبير)، وقعيقعان جبل يعرف الآن باسم جزل.
والمسجد الحرام بوسط مكة بين هذين الجبلين، والكعبة بوسط المسجد الحرام، وإذا أشرف الناظر على مكة من أعلى جبل أبي قبيس لا يرى جميع مكة، بل يرى أكثرها.
روى النهروالي أنه كان يشاهد في سن الصبا خلو الحرم الشريف وخلو المطاف من الطائفين، حتى إنه أدرك الطواف وحده من غير أن يكون معه أحد مرات كثيرة؛ كان يترصده خليا لكثرة الثواب بأن يكون الشخص الواحد يقوم بتلك العبادة وحده في جميع الدنيا؛ لأنه لا توجد عبادة يمكن أن ينفرد بها رجل واحد في جميع الدنيا، ولا يشاركه غيره في تلك العبادة بعينها إلا الطواف؛ فإنه يمكن أن ينفرد به شخص واحد.
وروى له والده أن أحد الصالحين رصد الطواف الشريف أربعين عاما ليلا ونهارا ليفوز بالطواف وحده، ولم يذكر لنا إن كان فاز به أم لم يفز.
نامعلوم صفحہ