ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
اصناف
كل هذا يشير إلى أن العرب لم يكن فيهم أي جرثومة خلقية صالحة يمكن تقويمها وتهذيبها؛ فقد كانوا يحبون الحرية حبا جما، ويمارسون فضائل الكرم وبذل القرى، والأفراد الذين كانوا تابعين لأمم أرقى من الأمة العربية، والذين كانوا مبعثرين هنا وهناك من جزيرة العرب كانوا قليلي العدد جدا، ولا يظهر أنهم كلفوا أنفسهم الدعوة إلى مللهم؛ فاليهود الذين كانوا متشبعين بالأثرة الشعبية - على مثال الصينيين واليابانيين والمصريين - لا يرى منهم لليوم خاصية التأثير على غيرهم إلا بالخضوع لقوانين الأمة التي يشتغلون تحت ظل حمايتها بالأمور المالية، ولئن شوهد أنهم أدخلوا إلى ملتهم بعض العرب، فلم يكن ذلك إلا نتيجة بسيطة لاشتراكهم في الأساطير التاريخية؛ وهو اشتراك يدل على قرابة قريبة بين الأمتين؛ تلك القرابة يستدل عليها أيضا بتساويهم في حب الكسب وتآزيهم في الاستعداد لعدم الأنفة من سلوك أي طريق من الحيل والمكر لنيل مال أو حطام، ولا ينتظر أن يكون من نتيجة الاجتماع بهذه الاعتبارات أدنى رقي أدبي.
أما المسيحيون فكانوا يفدون شيئا فشيئا إلى بلاد العرب هربا من الاضطهادات الدينية التي كانت في مملكة الرومانيين، ولكن لم يكن في حالهم نور يلفت البصر تألقه، وفي حالة مسيحيي الحبشة اليوم نموذج من ذلك؛ فإنه لا يمكن أن يتحلى الإنسان بمدركات العقائد السامية من دين بمجرد التسليم بنص تلك العقائد.
في عهد هذه الأحوال الحالكة، وفي وسط هذا الحيل الشديد الوطأة، ولد محمد بن عبد الله في 29 أغسطس سنة 570م. ا.ه. كلام جول لابوم، وكوسان دي برسيفال، ودوزي.
حالة عرب الجاهلية بين البداوة والأمية
وردت في القرآن الشريف آيات كثيرة تصف أحوال العرب قبل الإسلام وتدل على أخلاقهم ونفسيتهم؛ كقوله - سبحانه وتعالى - في محكم كتابه المنزل على نبيه المرسل، وفيها الأدلة الحاسمة على ما نقول:
أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد (سورة الأحزاب).
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (سورة البقرة).
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم (سورة المنافقون).
وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (سورة إبراهيم).
وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون (سورة الزخرف).
نامعلوم صفحہ