فأجاب سلفاستروس: هي فينوموس زوجة بعلزبول الداهية، التي تزيت بزي أفعى، وأغوت جدتنا حواء، ألا تذكرين الحكاية؟ - وي، وي، لعنة الله عليها، هي سبب الشر كله، لا أطيق أن أراها، تتراءى لي أنها تتلوى كالأفعى الآن. - هو الغنج الذي اكتسبته بنات حواء من هذه الملعونة.
وكان جواب بعلزبول على قول زوجته: نعم، إنه نصر ناقص ولكنه سيتم بحرب أخرى لا تبقي ولا تذر، فصبرا يا عزيزتي، نعم تزلزلت أركان السلام، ولكن صرح السلام لم يتهدم بعد، يجب أن يتهدم وأن تتبعثر أنقاضه، ولي أمل عظيم بهمة فيرومارس وزير الحرب، وانفنتوروس وزير الاختراع، وجستوروس وزير القضاء، وأرجنتوس وزير المال، وسائر الوزراء النشيطين؛ أننا سنهدم مملكة السلام على الأرض، ونبني على أنقاضها مستعمرة جهنمية عظيمة، تناظر مملكة السماء، ونقيم إمبراطورية هائلة تغزو إمبراطورية السماء.
فصاحت جوكوندا: ويحك يا سلفاستروس! سيغزون ملكوت السماء، فإلى أين نهرب؟ - نبقى في المطهر، فلماذا أنت خائفة؟ - وأهل السماء إلى أين يهربون؟ - يرتفعون إلى سماء أخرى أعلى وأمجد؛ لأن أبانا الذي في السموات عنده سماوات كثيرة لأبراره.
فتنفست جوكوندا الصعداء، وقالت: لقد طمأنتني، وإنما ستصبح الشقة بين المطهر والسماء العليا أبعد. - وماذا يهمك إذا كانت الملائكة تحملك ولا تتعبين؟ على أني أطمئنك بأن أهل جهنم لا يقدرون أن يغزوا السماء حتى ولا الأرض، بل أهل الأرض يغزون جهنم، إن بعلزبول «يفشر ويمعر» لكي يستفز جنوده ليس إلا.
وكان بعلزبول لا يزال يتكلم ويقول: وما بغيتنا الرئيسية من هذا الاحتفال إلا أن نسمع تقارير رجالنا العظام، الذين جاهدوا في هذه الحرب الشعواء، ونترنم بأعمالهم البطلية المجيدة، ولكي نكافئهم على جهادهم الشريف المقدس.
فوكزت جوكوندا سلفاستروس، وقالت: ويحك! اسمع ما يقول هذا البعلزبول الملعون، جهاد شريف مقدس! كبرت كلمة خرجت من فمه النجس الرجس الدنس.
فضحك سلفاستروس وقال: أما سمعت مثل هذا الكلام من أهل الأرض كثيرا، أما سمعته ممن صاروا ضيوف جهنم، أما سمعت ساسة الأرض وحكامهم يستنفرون العامة الجهلة الساذجين إلى القتال وسفك الدماء وترميل النساء وتيتيم الأطفال بأغاني الجهاد الشريف المقدس؟ أما كان أحد الملوك يحمل أيقونة في مركبة، ويطوف بها في الشوارع لكي يستثير شعبه للحرب؟ أوما كان رجال الدين يرافقون الجنود إلى ساحة الحرب لكي يصلوا لهم ويدعوا لهم بالنصر، كأن الحرب عمل شريف مقدس. فبعلزبول لم يخترع الشرف والقداسة من عنده، إنما هو يقتبس لغة شياطين الأرض.
وتابع بعلزبول كلامه قائلا: وبعد ذلك نبحث في المشروع الأعظم الذي نقضي به على مملكة السلام الأرضية القضاء الأخير، ولا بد أن يكون وزرائي قد استفادوا في هذه الحرب اختبارات كثيرة، وعلموا من السياسيين والحربيين والعلماء الأرضيين فنونا جديدة، يمكننا استخدامها في الحرب القادمة، فلنسمع أولا تقرير عزيزي وزير الحرب فيرومارس، وكيف كانت براعته في التنكيل والتدمير.
فاعترض أرجنتوس وزير المال قائلا: أظن حسن الترتيب يقتضي يا سيدي الزعيم أن نسمع أولا تقرير مسبب الحرب.
فتلفت بعلزبول هنا وهناك وتلفت الجميع من حوله لكي يعلموا إلى من يشير أرجنتوس، إلى أن قال: من هو مسبب الحرب؟ لا أدري أن هنا رجيما خاصا لهذه المهمة، كلنا سعى إلى الحرب وهيأ أسبابها.
نامعلوم صفحہ