ولم تدهش الفتاة لشيء من ذلك، وراحت تتحدث عن إمكان استعادة الحماس في أزياء جديدة، ولكنهم تكلموا عن خيانة المرأة التي تنزع الثقة من النساء جميعا، وقالت لمصطفى وهو أشدهم جدلا: إنك تهرب بالمطلق من المسئولية.
فأجابها بسخرية: المسئولية سبيل الكثيرين للهروب من المطلق.
البيضة والدجاجة. أما أنا فأكرس وأرص وأشعل النار وأدير الجوزة، ثم أنصب من نفسي مستودعا لخردة المهاترات، والنساء تضحك وتحلم بالح. والوقت ينقضي بسرعة مذهلة، وكلما أرادت الأستاذة الذهاب استبقاها الساحر بإصرار. وعما قليل سيحل الخراب بالمجلس، والخيام الذي كان مدرسة أمسى فندقا للملذات. وقد قال لي في آخر لقاء إنه لو كان امتد به العمر إلى أيامنا لاشترك في أحد النوادي الرياضية. - آن الأوان!
وذهب الرجال والنساء إلا رجب وسمارة!
من المحقق أنهما لا يعرفان أن النيل هو الذي قضى علينا بما نحن فيه، وأنه لم يبق من عبادتنا القديمة إلا عبادة أبيس، وأن الداء الحقيقي هو الخوف من الحياة لا الموت. والآن فلتسمع الحوار المعاد كما هي العادة: أليس الأفضل يا عزيزتي أن نستمتع بالحب؟ - فكرة طيبة! - وإذن. - قلت لك يا عزيزتي إني جادة. - أخلاق برجوازية؟ - جادة، جيم ألف دال تاء مربوطة. - بالله كيف تسلمين نفسك؟
ولما لم تجب استطرد: بالزواج مثلا؟ - قل بالحب باعتباره الأصل. - إذن تعالي. - أأنت جاد؟ - أنا لا أهزل أبدا . - وسناء؟ - أنت لا تدرين شيئا عن سيكولوجية المراهقات المجنونات! - عندي بعض معلومات لا بأس بها. - أتسلمين لي نفسك إذا عاهدتك على الإيمان بالجدية؟ - أنت ظريف حقا!
وها هو يقرب وجهه من وجهها. سيتكرر المنظر القديم. وها هو يطبق بشفتيه على شفتيها، وهي لم تقاوم، ولكنها لم تستجب. وتحدجه بنظرة ساخرة باردة. باخ الفارس وتراجع. هكذا دالت دولة الفرس. وقال وهو يبتسم: إذن فلنتمش في الحديقة الصغيرة. - لكن الليل تأخر. - ليس في العوامة زمان.
وخلت الصالة، كلا لم تخل الصالة فما يزال بها أنقاض المجلس والمكتبة والبارافان والفريجيدير والتليفون والمصباح النيون والمصباح الأزرق ومقعدان فوتيل وسجادة سماوية ذات نقوش وردية وهيكل إنسان من العصر الذري. أما هما ففي الحديقة يتمشيان، وسترطب حرارتهما الأعشاب الندية، وسوف تستقر همساتهما في أوراق البنفسج والياسمين، ولا يبعد أن يرقصا على أنغام صرار الليل.
وجاء عم عبده ليباشر مهمته الختامية. راقبه مليا، ثم قال له: إذا وجدت فتاة ... - أووه! - قبل الوضوء أو بعده وإلا فالويل لك! - مات رجل طيب ممن كانوا يحافظون على صلاة الفجر. - والعمر الطويل لك. يغلب على ظني أنك ستدفننا جميعا!
وضحك العجوز ضحكة بريئة وهو يمضي بالصينية.
نامعلوم صفحہ